قصص أطفال غزة...جحيم اليُتم والجوع والأعضاء المبتورة
قال موقع "ميديا بارت" الفرنسي أن مجزرة هائلة تحدث أمام عيون العالم، قتل فيها عشرات الآلاف من الأطفال أو أصيبوا بجروح خطيرة، خلال 5 أشهر من القصف الإسرائيلي على غزة، ليشكلوا مع النساء، غالبية الوفيات المسجلة حتى الآن، والتي تجاوزت 31 ألفاً.
وانطلق الموقع في تقرير موسع، من نداء الطفلة، هند رجب، من سيارة قصفها الجيش الإسرائيلي: "أنا خائفة جدا، من فضلك تعال"، وهي تتوسل رجال الإنقاذ في "الهلال الأحمر الفلسطيني" كي يأتوا وينقذوها، ومن حولها جثث عدد من أفراد عائلتها. وقال عامل الهاتف الذي كانت الطفلة على الخط معه في ساعاتها الأخيرة: "في بعض الأحيان كانت تقول لي "إنهم جميعاً نائمون"، وفي أحيان أخرى، "لقد ماتوا جميعاً، والدماء في كل مكان، وهناك طلقات نارية".
وتعد رجب أحد وجوه الطفولة المذبوحة في غزة، وعثر على جثتها هامدة بعد أسبوعين من طلبها المساعدة، مع رفات أحبائها واثنين من المسعفين حاولا عبثاً مساعدتها، وهي تقترب من الاحتفال بعيد ميلادها السادس. ووُجدت زينة رأس من الزهور في شعرها، وانتشرت صورتها مع صوتها المرعوب حول العالم، ليكون ذلك شاهداً على واقع تصفه منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف" باستنكار بأنه "حرب على الأطفال".
وقال فيليب لازاريني، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" عبر موقع "إكس" أن "هذه الحرب حرب على الأطفال. حرب على طفولتهم ومستقبلهم"، واستشهد بإحصائية تفيد بأن عدد الأطفال الذين قتلوا في غزة منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أعلى من عدد الأطفال الذين قتلوا خلال 4 سنوات في جميع الصراعات حول العالم.
وأشار الموقع إلى أن "31 ألف حالة وفاة رسمية وعدداً غير معروف من المفقودين في غزة، يعادل دون ذكر الوفيات غير المباشرة المرتبطة بسوء التغذية والمرض، وفاة مليون شخص في فرنسا"، حسبما أشار المؤرخ الموريتاني ستيفان أودوان روزو.
وبالإضافة إلى القتلى، هنالك الجرحى بإصاباتهم المختلفة والخطيرة، وتحدثت غيميت توماس المنسقة الطبية لمنظمة "أطباء بلا حدود" في فلسطين عن المعاناة المطلقة للأطفال الذين يصلون بكثافة إلى مستشفيات تفتقر لكل شيء، حيث لا يمكن علاجهم في ظروف كريمة بسبب نقص الأدوية ومنتجات التخدير.
وروى رئيس بعثة "أطباء بلا حدود" في فلسطين ليو كانز، قصة الطفلة مريم (6 سنوات) التي بُترت ساقها اليمنى، ووجهها نصف محترق، وفقدت شقيقها وأختها وأمها، ووالدها مفقود، فلم يبق لديها سوى خالتها، كما روى قصة ملاك (5 سنوات) التي قتلت بقصف على صالة استأجرتها منظمته للعاملين فيها وأعطت إحداثياتها للجيش الإسرائيلي، وهو الإجراء المعمول به لتجنيب المقرات المدنية القصف.
وتجسد مريم وملاك جيلاً من الأيتام يرون حاضرهم ومستقبلهم مدمراً، حيث فقد أكثر من 17 ألف طفل أحد الوالدين أو كليهما بحسب "أطباء بلا حدود". ولا يخفي الأطباء العائدين من غزة مدى تأثرهم بما رأوه، وعبروا عن صدمتهم من عدد المصابين بجروح خطيرة والأيتام وقتلى الأطفال والنساء وكبار السن.
وتساءلت غيميت توماس "ما مستوى الرعب المطلوب كي يتوقف هذا الأمر"، مشيرة إلى "التضحية بأجيال بأكملها"، بموازاة تحذيرها من أن الأطفال المحرومين من براءة الطفولة، سيستمرون في تحمل بيئة مؤلمة وخطيرة للغاية، مع آثار جسدية وعقلية لاحقة مدى الحياة، فيما دانت "التدمير الجسدي والنفسي الذي يتعرض له السكان المدنيون، ونصفهم من القاصرين".
واستشهدت توماس بممرضة فلسطينية تراقب بلا حول ولا قوة كل ليلة أطفالها الذين يستيقظون وهم يصرخون عند أدنى ضجيج: "إنهم يعتقدون أنه قصف ويسألون هل سنموت الآن؟" مشيرة إلى أن "الأطفال يعيشون في خوف من الموت الوشيك. وكل ضربة باب أو عاصفة أو ضجيج يشعرهم بالخوف".
من جهتها، أشارت الطبيبة النفسية للأطفال في "أطباء بل حدود" أودري ماك ماهون، إلى بتر أطراف عشرات الأطفال من دون تخدير، متحملين آلاماً جسدية وعاطفية يصعب تصورها. وقالت: "بالإضافة إلى أنهم فقدوا منازلهم وعائلاتهم، فإنهم يفقدون أجزاء من أجسادهم"، وبالتالي يجب عليهم التعايش مع الإعاقات الجسدية".
وأضافت الطبيبة النفسية أن "الأطفال الفلسطينيين يعانون الضغط المستمر الناتج عن العنف والجوع والعطش والبرد، إضافة إلى الضيق النفسي المرتبط بفقدان والديهم وأسرهم وأصدقائهم وأجزاء من أجسادهم، فضلاً عن منازلهم وألعابهم وعالمهم".
وتتكاثر في شبكات التواصل الاجتماعي صور الأطفال الهزيلين ذوي العيون الغائرة والأجساد الهزيلة، لأن قطاع غزة المحاصر تحت القصف المستمر، يتضور جوعاً، ولا تسمح إسرائيل للمساعدات الدولية بالدخول إلا بكميات ضئيلة، وهي بذلك تنظم مجاعة متعمدة. وأشار الحقوقي الكندي مايكل فخري، مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في الغذاء، في هذا السياق، عن "جريمة حرب وحتى حالة إبادة جماعية".
وعلق عماد دردونة، طبيب الأطفال في مستشفى "كمال عدوان"، بأن عجز مهنة الطب عن إنقاذ ضحايا سوء التغذية، يسبب لاحقاً دماراً يشمل تأخر النمو والتطور المعرفي وما إلى ذلك. وعقّب: "نحن ليس لدينا ما نقدمه لهم، فأفضل ما يمكننا فعله هو إعطاؤهم محلولاً محلياً أو محلولاً سكرياً".
ومثل هند رجب، طافت صور عذاب يزن الكفارنة (10 سنوات) حول العالم، قبل أن يتوفى في أحد مستشفيات مدينة رفح، بسبب نقص الغذاء والدواء، حيث كان يعاني من الشلل الدماغي وكان بحاجة إلى نظام غذائي متوازن لا سبيل إلى وجوده.
ووصف الطبيب الفرنسي رافائيل بيتي، حرمان أطفال غزة، قائلاً أن "مكان اللهو الوحيد بالنسبة لهم هو داخل المستشفيات. يجمعون القفازات ويستخدمون المحاقن لملئها بالمياه الراكدة ويلعبون الحرب من خلال رش بعضهم بعضاً".
وأفاد طبيب النساء والتوليد الفرنسي المغربي، زهير لهنا، بعد قضاء شهر في غزة، بأن "عشرات الأطفال والرضع وأمهاتهم، جميعهم مدمرون تحولوا إلى كائنات ليست بشرية"، بسبب الحرب ونقص الغذاء والنزوح القسري والقصف المتواصل.
وأكمل لهنا بأنه لم يسبق له أن رأى هذا من قبل: "غزة هي الأكثر فظاعة. 2.4 مليون شخص محاصرون في قطعة صغيرة من الأرض وليست لديهم وسيلة للهروب. إنهم محاصرون في مذبحة، ويجوعون ويعطشون ويقتلون ويصابون عمداً. إسرائيل تهاجم الأطفال لتدمير مستقبلهم ومستقبل فلسطين".
وتحدثت ماك ماهون عن "صدمة دائمة": "يعاني الأطفال الفلسطينيون من صدمة دائمة ثقافية وتاريخية ونفسية وجسدية وحميمية وجماعية لها عواقب مدمرة. إنهم معرضون للاضطرابات السلوكية والقلق والذعر أثناء النوم والاكتئاب".
ويعيش العاملون في مجال الصحة العقلية أيضاً في حالة توتر ورعب امستمرين، ومن خلال التواصل مع العديد من الأطفال والبالغين في غزة، يشعرون "بغضبهم على الإنسانية. إنهم يتساءلون عما إذا كانوا مازالوا ينتمون إلى الجنس البشري. إن الاضطرار إلى التعبير عن احتياجاتهم يعد اعتداء عميقاً على كرامتهم، خصوصاً أن صور المذبحة والمجاعة أمام عيوننا. وهم يقولون: "ليس علينا أن نقول، الأمر متروك لكم أن تعملوا".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|