إلى متى تصمد سورية؟
أكثر من أن تكون فضيحة ـ فضيحة استخباراتية ـ حين تعرف "اسرائيل" مكان وجود محمد رضا زاهدي، بالمواهب الخارقة في التخطيط العسكري، في ذلك المكان وفي تلك اللحظة. من المسؤول؟ متى كانت هناك اجابة عن هذه السؤال؟ بل متى كان هذا السؤال ممكناً؟
هذا يعيدنا سنوات حين دعا شاوول موفاز، وزير الدفاع ورئيس الأركان السابق، المولود في ايران، الى "اقتلاع" الايرانيين من سورية "بقاؤها هناك يعني بقاءها في عقر دارنا"، دون أن يكون وارداً عند "تل أبيب" القيام اجتياح بري، بعدما كان الروس قد أقنعوا الايرانيين بالعودة على مسافة 115 كيلومتراً من خطوط فض الاشتباك.
"الاسرائيليون" يعتقدون أن التفاعلات الاقتصادية والاجتماعية الحادة لا بد أن تدفع النظام في اتجاه صفقة ما. لكن ما لم يفعله حافظ الأسد، بالرغم من كل الاغراءات التي قدمت له، لن يفعله بشار الأسد أمام التهديدات، وقد تناولت حتى مصيره الشخصي.
هل ترمي الغارات الجوية الأخيرة، وقد تكثفت حتى على دمشق، الى "اقتلاع" الايرانيين؟ أم ابقاء سورية على صفيح ساخن؟ بعدما بات جليّاً أن ثمة من كرّس ذلك الستاتيكو القاتل لتفكيك سورية، ما يفضي الى تشتيت "ذئاب الشمال" كما في الميتولوجيا اليهودية.
هذا يستتبع السؤال الهائل: الى متى يمكن لسورية أن تصمد كرهينة للوضع الكارثي على المستويات كافة؟ المشكلة أن سورية اليوم وغداً، تبدو من دون أفق بالنظر للفوضى الدولية وللفوضى الاقليمية على السواء. هي الدولة التي أنتجت 7 أباطرة لروما، والتي كانت تحتاج الى سنوات قليلة لتصبح "نمر الغرب الآسيوي"، ما يتناقض والخطة الأميركية و "الاسرائيلية" ابقاء العرب ما تحت خط الزمن. عروش قادتهم بيد واشنطن أم بيد أورشليم؟
الأدهى في حين يوجد الجيش السوري بامكاناته المحدودة جداً، على عشرات الجبهات المصطنعة أميركياً وتركياً و "اسرائيلياً"، سورية دولة مكشوفة استخباراتياً، ودون أي سند دولي. روسيا الحليفة الكبرى، تخوض حرباً وجودية مع كل المعسكر الغربي على حدودها. ايران التي تواجه كل اشكال الحصار، لا تستطيع أن تقدم أكثر مما قدمته حتى الآن. واذا كانت روسيا تكتفي بالتنديد بـ "الاعتداءات الاسرائيلية" تضيف ايران التهديد بالرد.
يبقى حزب الله كحزب لا كدولة. دوره كان ويبقى أساسياً في الحيلولة دون دمشق والتحول الى ولاية عثمانية، أو الى مسرح لحرب أبدية بين فصائل تنتمي الى تلك الايديولوجيات المجنونة، التي ترعرعت إما في كهوف تورا بورا، أو على أيدي فقهاء العصر الحجري.
قد يحق لتلك القوى اللبنانية المناوئة، بأي خلفية كانت، للحزب أن تكون ضد ما تصفه بالنموذج الثيوقراطي في ايران، وضد البنية الايديولوجية والثقافية للحزب، في بلد قام على التنوع والتفاعل بين مكوناته الطائفية. ولكن علينا أن نتصور ولو في لحظة، ما كان مصير لبنان لو حقق رجب طيب اردوغان حلمه في الصلاة كفاتح، وعل خطى السطان سليم، في الجامع الأموي، أو لو اندلعت الحرب في شوارع المدن والقرى السورية بين أولئك الوحوش بالرايات السوداء، التي لكأنها (بمنأى عما كتب عليها) الرايات التي ترفع على أبواب الجحيم؟
الأشد هولاً أن سورية مكشوفة استخباراتياً نتيجة لحرب كونية شنت عليها، ولم يسدل الستار عليها حتى الآن. لكن هذه المشكلة كانت موجودة من قبل. من شاهد مسلسل "كسر عضم" الذي يبث حتى على قناة سورية، يعرف أن هذه الأهوال كانت تحدث هناك، وبذرائع ولأسباب لا تمت بصلة الى حماية الأمن الاستراتيجي للبلاد.
شخصياً، وبعد جولة في الأرجاء السورية، حادثتُ خلالها كل "أنواع" السوريين، قلتُ لمسؤول أمني كبير "انهم يحفرون الأنفاق تحتكم"... أجابني "كل شيء يا صاحبي تحت السيطرة". أي نوع من السيطرة حين كان "التشبيح" على الحدود وحتى في الداخل وعلى مستويات حساسة، معروفاً للقاصي والداني.
ألا يحكى الآن عن ذلك النوع من عرابي المافيات، الذين قد يكونون أسوأ انواع العرابين في العالم؟ نعلم أن "اسرائيل" متفوقة سيبرانياً واستخباراتيا، وأن الضائقة الاقتصادية والاجتماعية تزيد من حدة البلبلة الداخلية. ولكن...
ما يجعلنا نقترب من التفاؤل، أن ثمة من يعملون الآن لاعادة هيكلة الأجهزة، سواء الهيكلة العملانية أو الهيكلة الأخلاقية. لا يمكن لدولة مثل سورية أن تكون عارية الى ذلك الحد.
نبيه البرجي -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|