من يسعى لشيطنة السُنّة في لبنان؟
من يسعى لشيطنة السُنّة في لبنان، من صيدا إلى طرابلس وعكّار، مروراً بالعاصمة بيروت؟ المشهد ينسخ نفسه ظهور مسلّح نافر ومستفزّ تشهده مراسم التشييع التي تقوم بها الجماعة الإسلامية لعناصرها. وفي بياناتها الرسمية تسارع للاعتذار والتبرؤ “هؤلاء ليسوا منّا”. ليطرح تساؤل محوري من يقف خلف هذه العراضات؟ من يسعى لتظهيرها على أنها صورة للشيطان السنّي في لبنان؟
والحال أنّ هذا المشهد المتكرّر يحمل رسالة واضحة موجّهة للداخل اللبناني، والسنّي تحديداً. عبّرت عنها الجماعة نفسها في موقف نقله موقع التحرّي: “لقد استيقظ المارد السنّيّ”، وجرى تعميمه على المجموعات الإخبارية عبر مقرّبين منها ومن محور الممانعة.
فهل مهمّة هذا المارد المتخيّل كلّما أراد أحد ما إيقاظه. التسبّب بقتل وجرح وترويع السُّنّة، وإلحاق الضرر السياسي والمعنوي بهم، وإتاحة الفرصة لكلّ خبيث وراغب بشيطنتهم والمتاجرة بهم على مذبح الصفقات الكبرى، مثلما حصل في مرّات سابقة؟
مقاومة ضدّ السُّنّةَ!
منذ بدأت “قوات الفجر” مشاركتها في “حفلة” إطلاق الصواريخ على شمال فلسطين المحتلّة المسمّاة “حرب مشاغلة”. في تشرين الأول الماضي، والإصابات تقتصر فقط عليها، وعلى البيئة السنّية، فيما الإصابات من الجانب الإسرائيلي صفر، وتأثير هذه المشاركة في التخفيف عن أهل غزة صفر أيضاً.
7 شهداء من التنظيم، و7 شهداء من مسعفي “الجمعية الطبّية الإسلامية”، التابعة للجماعة الإسلامية. علاوة على عدد من الجرحى من المدنيين جرّاء العراضات العسكرية التي تقيمها الجماعة عند كلّ تشييع، قبل أن تعود وتتبرّأ منها بعد سويعات. تتساءل بعض الأوساط السنّية: “ما دمتم تتبرّأون من هذا الظهور المسلّح. فلماذا لم تقوموا بالتنسيق مع الأجهزة الأمنيّة والاستخبارية لمنع تكراره، منذ جرى تسجيل هذا الظهور للمرّة الأولى في صيدا مطلع العام الحالي، وبعدما لمستم مدى الرفض الشعبي له؟ هل كان يمكن للجماعة إطلاق رصاصة واحدة في الجنوب إلا من خلال التنسيق المشترك مع الجيش وغرفة عمليات الضاحية الجنوبية؟”. علماً أنّ هذه المشاركة نفسها هي محلّ تشكيك واسع، لأنّها تصبّ في خدمة أهداف الحزب ومحور الممانعة، ولا تخدم القضية الفلسطينية.
علاوة على الاستعراضات المسلّحة المتنقّلة التي تنظر إليها شريحة واسعة بأنّها محاولة لإثبات الوجود بالقوّة، وفرض معادلات سياسية جديدة بوهج السلاح “المستعار”. إذ ليس خافياً على أحد أنّ الأسلحة والصواريخ التي تطلقها قوات الفجر في الجنوب مصدرها الأوحد هو الحزب، الذي يسيطر تماماً على كامل المنطقة الحدودية. حتى إنّه يراقب قوات اليونيفيل ويعرقل تحرّكاتها، واضعاً في وجهها فوج الأهالي كلّما رأى حاجة إلى ذلك.
في كتاب “دولة حزب الله – لبنان مجتمعاً إسلامياً”، يشرّح الكاتب والباحث وضّاح شرارة حالة المجتمع الشيعي قبيل ظهور الحزب. ثمّ يبيّن الأساليب التي استخدمها الأخير لاقتحام المشهد، والسيطرة رويداً رويداً على المجتمع الشيعي، من خلال التعبئة الدينية والأدلجة، والعراضات المسلّحة، إلى أن صار الحزب كما نعرفه اليوم.
هذه السيرة تشبه إلى حدّ كبير، ولا سيما في بداياتها، ما تفعله الجماعة الإسلامية اليوم في البيئة السنّية. وما فعلته حماس في البيئة الفلسطينية. وبالتالي، فإنّ المجال لا يزال متاحاً أمام النخب السنّية لوضع حدّ لهذا الواقع المستجدّ قبل أن يصبح لدى السنّة “نسخة تايوانية” من الحزب.
علوش: الميليشيات السنّية تبرّر “الفدرَلة”..
النائب الأسبق د. مصطفى علوش يؤكّد لـ”أساس” إنّ العراضات المسلّحة التي تنفّذها الجماعة الإسلامية، وآخِرتها في عكار. هي “محاولة لإعطاء صورة بأنّ السنّة لديهم تنظيم مسلّح، مثل الشيعة بالدرجة الأولى وغيرهم، لكنّها تسبّب ضرراً كبيراً للسنّة من خلال تظهير أنّ لديهم ميليشيات. والأسوأ أنّها تمنح فرصة للقوى المسيحية لتأكيد مصداقية سرديّتها التي تفيد بعدم قابلية الاستمرار في العيش مع المسلمين. وأنّ الحلّ الأنسب يكمن في الفدرالية أو العودة إلى إمارة جبل لبنان”. ويؤكّد علوش أنّ ما رافق تشييع الشهداء “ليس عفويّاً. إنّما هو تعبير من الجماعة الإسلامية عن الوجود والتماثل مع الحزب، وتأكيد انتسابها إلى محور الممانعة”.
في حين يعتبر عضو تكتّل الاعتدال، نائب عكار، سجيع عطية، أنّ “عكار سبّاقة على الدوام في التضحيات والشهادة. في كلّ المجالات، لكن كان ينبغي أن يكون المأتم على مستوى الشهادة ومعانيها، واحترام توصية الشيخ سعيد خلف. والد أحد الشهيدين، ومناشدته للجميع عدم إطلاق الرصاص، واعتباره أنّ من يفعل ذلك يكون قد طعن بالشهيد.
يصف عطية لـ”أساس” ما رافق تشييع شهيدَي الجماعة الإسلامية في عكار بـ”المشهد الفاقع والنافر جداً: عرض عسكري على طول الطريق من طرابلس إلى عكار. قذائف وقنابل سبّبت حالة رعب لدى السكّان الآمنين. الحزب نفسه لا يفعل مثل ذلك تقديراً منه لمعاني الشهادة، وللحفاظ على ما بقي من هيبة الدولة”. لكنّ عطية يضع المشهد في خانة “الحماسة أكثر ممّا هو منظّم”. ويعتبر ردود الأفعال على ما حصل مبالغاً فيها جدّاً أيضاً و”يجب أن يتمّ حصر الموضوع في إطاره وعدم التوسّع في تأويله كثيراً. وليس مقبولاً شيطنة أيّ طرف أو فئة إلى هذه الدرجة”.
المال والسلاح مستعار..
يترحّم نائب عكار الأسبق معين المرعبي على الشهداء، “نقدّر تضحياتهم الصادقة في سبيل القضية الفلسطينية. لكنّ هذا لا يسري على القيادة السياسية للجماعة التي صارت تشكّل غطاء سياسياً سنّياً للحزب بشكل أو بآخر”.
يؤكّد المرعبي لـ”أساس” رفض المظاهر المسلّحة، “نحن ضدّ السلاح المتفلّت، لكنّ هذا السلاح فردي وموجود في كلّ منزل، والجماعة الإسلامية إمكانيّاتها ضعيفة ومعروفة. أمّا السلاح الذي تقاتل به في الجنوب فهو مستعار. فمن أين تحصل قوات الفجر على الصواريخ التي تطلقها من الجنوب. ومن هي الجهة التي تدخلها إلى لبنان، وكيف، ومن الذي بإمكانه دفع ثمنها؟”.
لكنّه يستغرب محاولة البعض شيطنة السنّة، ويذكّر بكلام رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع: “عند الخطر كلّنا قوات”. ويتساءل: “ماذا يعني هذا الكلام؟ ألّا يتنافى ذلك بالكامل مع مفهوم السيادة وفكرة الدولة؟ من المفترض أن ينصبّ التركيز على المصدر الأساس لكلّ ذلك، وهو الحزب”. ويخلص المرعبي إلى أنّ ما حصل هو “تعبير عن اضمحلال سيادة الدولة، ودلالة على الدرك الذي وصلنا إليه”.
أمّا النائب والوزير الأسبق طلال المرعبي فيعتبر لـ”أساس” أنّه “ما كان يجب أن يحصل هذا المشهد إطلاقاً، احتراماً للشهادة ومعانيها”.
يكشف المرعبي معلومات تحدّثت عن وجود مسلّحين أغراب لا ينتمون إلى ببنين ولا إلى الجماعة الإسلامية، فـ”لا بدّ من التحقّق من هذه المعلومات. وفي حال صحّتها يجب الكشف عن الأسباب والأهداف”. ويشدّد المرعبي لـ”أساس” على عدم إعطاء الموضوع أكبر من حجمه، من أجل شيطنة السُنّة فـ”إذا ما أخطأت جهة أو مجموعة، فإنّ ذلك لا يسري على السنّة. ما حصل خطأ، ويعبّر عن حالة فلتان. لكنّه لا يعبّر عن رأي الناس أو عن حالة سنّية، فالسنّة في مكان آخر تماماً”.
سامر زريق-اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|