"حالة من الإستنفار"... مطعم يتعرّض لإعتداء مسلح للمرة الثانية!
بالأرقام: حرب الجنوب تحبس إقتصاد لبنان في قفص الركود
على وقع «حَبْسِ الأنفاس» بإزاء مصيرِ هدنة غزة و«التدافع الخشن» بين «حماس» وإسرائيل بشروطِ «آخِر الحافة» التي اختصرتْها معادلةُ: «مسارٌ محكوم بإنهاءٍ مضمونٍ للعدوان أو لا صفقة» vs «اجتياح رفح الآن»، لم تهدأ المُشاغَلةُ «المحسوبة» على جبهة جنوب لبنان والتي استعادتْ في الساعات الأخيرة سقطاتِ «الأضرار الجانبية» التي غالباً ما استظلّتْها تل أبيب في «اعتذاراتها»، عبر القنوات المعهودة، على سقوط مدنيين في غاراتها، من دون أن يمنع ذلك مسارعة «حزب الله» إلى ردٍّ «من العيار الثقيل» كَمّاً ونوعاً في اتجاه كريات شمونة والجولان السوري المحتلّ الذي دَخَلَ في صلب محاولات إحداث توازن ردعٍ، أولاً بإزاء تَمَدُّد الاعتداءات في العمق اللبناني (نحو البقاع) ثم ابتداء من يوم أمس بوجه استهداف المدنيين.
وبدا «حزب الله» في حرْصه على رفْع مستوى ردّه على قاعدة «الحجر بالحجر» و«البشر بالبشر» حيث جُرح ما لا يقلّ عن شخصيْن في قصف كريات شمونة بعشرات صواريخ «الكاتيوشا» و«الفلق» التي أمطرها بها الحزب رداً على سقوط 4 لبنانيين من عائلة واحدة وجرح آخرين في استهداف اسرائيلي لبلدة ميس الجبل، وكأنه يوجّه رسالة «بمفعول رجعي»، وإن «على الحامي»، وأخرى بمضمون استباقي ينطوي على تحذيرٍ لاسرائيل من أي «خطأ في الحساب» حيال كيفية التعاطي مع جبهة الجنوب بحال انهارتْ المفاوضات حول هدنة غزة، أو إذا نَفَذَ اتفاق التهدئة من «خروم الشبك» واختارت تل بابي أن تلاقيه في الشمال وفق استراتيجية «التصعيد الذي يوصل إلى التهدئة».
وجاء موجعاً ردّ الحزب (الذي شنّ أيضاً عمليات ضد مواقع وتجمعات في مستعمراتٍ شمال اسرائيل) على سقوط كل من فادي محمد خضر حنيكة، وزوجته مايا علي عمار، وأبنائهما محمد 21 عاماً، وأحمد 12 عاماً في ميس الجبل (وجرْح رئيس مركز الدفاع المدني اللبناني في البلدة وإصابة زوجته بجروح بليغة) بغارة أثناء قيام عدد من أهالي البلدة بتفقُّد منازلهم ومحالهم التجارية والأضرار التي لحقت بها جراء الاعتداءات المتواصلة منذ 7 أشهر، حيث تسبّب استهدافُه مرابض «مدفعيّة العدو وانتشاراً لجنوده وآلياته في الزاعورة (الجولان) بعشرات صواريخ الكاتيوشا بإصابتها واندلاع النيران فيها»، في حين أدى ما وصفتْه وسائل إعلام إسرائيلية بأنه «أحد أصعب صليات الصواريخ التي أطلقت على كريات شمونة منذ بداية الحرب» إلى أضرار كبيرة ودمّر منازل عدة.
وفيما حذّر رئيس بلدية كريات شمونة أفيحاي شتيرن من أن «مَن يعتقد أن سكان كريات شمونة سيعودون إلى المدينة ليكونوا بطاً في حقل الرماية يَرتكب خطأ جسيماً. وإذا لم يكن هناك قرار واضح فإن تظاهرات قوة كابلان ستكون مجرد لعبة أطفال مقارنة بما نخطط له قريباً»، كانت صحيفة «هآرتس» أوردتْ «أن من الصعب العثور على منطقة سليمة في كيبوتس المنارة عند الحدود مع لبنان، ويَلوح الدمار والخراب في كل ركن من أركان الكيبوتس، حيث تشير التقديرات إلى أن نحو 70 في المئة من المباني هناك تضرّرت جراء الضربات المباشرة للصواريخ».
وفي موازاة غرق تل أبيب في إحصاء خسائر الحرب -التي تدخل غداً شهرها الثامن - المباشرة على مناطق الشمال وغير المباشرة في عموم اسرائيل، تظل إحصاءات الخسائر الاقتصادية للبنان جراء «حرب الجنوب» في خانة الالتباس والتباين الصريح في البيانات المتاحة، جراء تعذّر القيام بمسح ميداني شامل تحت وطأة استمرار المواجهات اليومية – ناهيك عن مخاطر انفلاشها نحو الأسوأ - والتي تضيف تلقائياً المزيد من الأضرار الشاملة للمساكن والبنى التحتية والأراضي الزراعية، فضلاً عن تهجير السكان والضمور الحادّ لكل أوجه الحياة اليومية والتجارية وأكلاف أوسع نطاقاً في قطاعات السياحة والخدمات والمطاعم وسواها.
ولا يبدو مستغرباً توسع هوامش التقديرات بحد أدنى للأرقام يبلغ نحو ملياريْ دولار وبحد أعلى يناهز 10 مليارات دولار تبنّاه وزير الاقتصاد أمين سلام. فالحسابات الجامعة تتعدّى نطاق الميدان «الحربي» الى التداعيات التي تضرب بقسوة في القطاع المالي المنهَك أساساً على المستوييْن العام والخاص وتتمدّد بالوتيرة عيْنها إلى مجمل المرافق الاقتصادية والقطاعات الإنتاجية من الأقرب إلى مسرح الأحداث وصولاً إلى عموم الخريطة اللبنانية.
وإذ تبدو أي مقارنة ظالمة حُكْماً قياساً بالقتل العشوائي لعشرات الآلاف من سكان القطاع وتهجير مئات الآلاف وتجويعهم وما أحدثتْه الحرب المفتوحة من «دمار شامل» وغير مسبوق في غزة، فمن العدل الإقرار في حسابات الخسائر الموازية، بأن الفاتورة اللبنانية للحرب بشرياً واقتصادياً باهظة للغاية على البلد المثقَل بأزمة نظامية تجلّت خصوصاً في انهيارات مالية ونقدية وتضخمية تتدحرج منذ 2019.
وفي مقدمة الأرقام الموثّقة، أن الأزمات المرشّحة لمزيد من العصف بحال انزلقت المواجهات اليومية في الجنوب إلى حرب شاملة، أنتجتْ انكماشاً حاداً في الناتج المحلي للبلد، بدأ مع «السقوط الحر» في الحفرة المالية، من نحو 55 مليار دولار إلى أقل من 20 ملياراً، وتسبّبت بانهيار عملته الوطنية بما يتعدّى 98 في المئة من قيمتها، وزجّ نحو 80 في المئة من سكانه المواطنين والنازحين في خانتي الفقر والفقر المدقع. فضلاً عن تجهيل مصير مدخرات عالقة في الجهاز المصرفي اللبناني يناهز المتبقّي منها نحو 90 مليار دولار.
وبالمثل، تؤكد تقارير المؤسسات المالية الدولية، كما المحلية، أن الاقتصاد اللبناني الذي ينزف هو أكثر الاقتصادات الإقليمية تَضرراً جراء الحرب المستعرة وذلك نتيجة تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة.
وتأتي التأثيرات المباشرة للحرب في جنوب لبنان على شكل خسائر بشرية ومادية جسيمة على طول المنطقة الحدودية عموماً.
أما الآثار غير المباشرة فمرتبطة بتداعيات الوضع الأمني الهشّ على البلاد بشكل عام، والذي يؤثّر على إجمالي الاستثمار في ظل ضبابية الآفاق من جهة، وتأثيرات الحرب على أداء القطاع السياحي من جهة أخرى هو الذي كان قد بدأ يشهد مؤشرات ملموسة للنهوض قبيل «طوفان الأقصى».
ويُظْهِرُ رصدٌ بَحثي يصدر دورياً عن مجموعة بنك عودة، أن الأوضاع الاقتصادية والنقدية خلال الفصل الأول من 2024 جاءت على مرآة الظروف الاقتصادية في الفصل الرابع من العام الماضي، مكرّسةً انتكاس الاقتصاد الحقيقي نتيجة التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للحرب على الحدود الجنوبية والتي نتج عنها ركود الناتج، في موازاة استقرار الوضع النقدي في ظل ثبات سعر صرف الليرة مقابل الدولار على الرغم من التداعيات السلبية للحرب، وشِبه التوازن في المالية العامة نتيجة احتواء عجز الموازنة على الرغم من التأثير المعاكس لعامل زيادة أجور القطاع العام.
ويشير الى أن التقلص الذي شهدته مختلف مؤشرات القطاع الحقيقي خلال الأشهر الستة الماضية منذ اندلاع الحرب يثبت نظرية الركود الاقتصادي. ومن ضمن هذه المؤشرات، انكماش النشاط السياحي بشكل عام مترجَماً بانخفاض عدد السياح بنسبة 24 في المئة، وانخفاض تراخيص البناء بنسبة 14 في المئة، وتقلص نشاط المطار مع انخفاض عدد المسافرين بنسبة 11 في المئة، وتراجع الصادرات عبر المنفذ الجوي الوحيد بنسبة 13 في المئة.
وعلى صعيد التأثيرات المباشرة، أدت الاعتداءات الإسرائيلية منذ بداية المواجهات إلى تدمير جزء من المساكن والبنى التحتية والأراضي الزراعية والمحاصيل. حيث تشير التقديرات الأولية إلى أنّ القيمة الإجمالية للأضرار منذ بدء الاعتداءات تجاوزت ملياري دولار بشكل عام لِما يُقارب 5000 مسكن متضرر ناهيك عن الأضرار التي طاولت البنى التحتية والزراعة. إضافة إلى ذلك، تُقدر الخسائر الناجمة عن إقفال المؤسسات وتوقف الأعمال في المنطقة الحدودية بمئات الملايين من الدولارات، ما يفاقم إجمالي الخسائر المباشرة.
هذا ويبدو أنّ قطاع الزراعة، الذي يوفّر الدخل لنحو 70 في المئة من الأسر داخل المنطقة الحدودية، هو الأكثر تضرراً، إلى جانب الخسارة المستقبلية للمداخيل المترتبة عن تضرّر الأراضي الزراعية بالفوسفور، ما يجعل الأرض غير صالحة للإنتاج الزراعي. كما أنّ الصراع يَجري خلال فترة مهمة بالنسبة للمزارعين، أي في فترة الحصاد وإعداد الأرض للموسم المقبل.
وقد تعرّضتْ الأراضي الزراعية لأضرار جسيمة، بما في ذلك التدهور المادي والتلوث الكيماوي والتلوث من مخلّفات المتفجرات، ما أدى إلى فقدان خصوبة التربة. كما أدى استخدام القصف بالقنابل الفوسفورية إلى تلوث المحاصيل والمياه السطحية والجوفية، ما يُشكّل تهديداً للماشية وصحة المواطن.
وفي حين جاء الزيتون (وبالتالي إنتاج زيت الزيتون)، والخَروب، والحبوب في مقدّمة المحاصيل الرئيسية التي تأثرت (وغيرها من المحاصيل الشتوية)، فبالإضافة إلى الخسائر التي يتكبّدها الإنتاج احترقت آلاف الأشجار، ناهيك عن الأضرار الجسيمة في قطاعات الثروة الحيوانية والدواجن وتربية الأحياء المائية.
أما في ما يتعلق بالتأثيرات غير المباشرة للحرب على إجمالي الاستثمار في لبنان بشكل عام، فقد منعت الحرب المستثمرين في جميع الأراضي اللبنانية من اتخاذ قرارات استثمارية أو على أقل تقدير أدّت إلى تأخير تنفيذ القرارات السابقة. وواقع الحال، أن المستثمرين عموماً في حال ترقب في ظل ضبابية الوضع الأمني داخل البلاد والذي يؤثر سلباً على الآفاق الماكرو- اقتصادية والمالية في لبنان.
والجدير ذكره أنّ حجم الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي بلغ اليوم مستوى متدنياً هو أقلّ من 10 في المئة، وهو أحد أدنى المستويات في التاريخ المعاصر للبلاد ومن بين أقلّ المستويات في الأسواق الناشئة ما يُشير إلى الضعف الملحوظ في تكوين رأس المال بشكل عام.
وفيما يتعلق بأسواق الرساميل، فقد شهدت سوق سندات اليوروبوند اللبنانية عمليات بيع ابتداء من أوائل أكتوبر، في إشارة إلى تردي نظرة المستثمر في شأن الآفاق الاقتصادية والإصلاحية وعملية إعادة هيكلة الدين.
وفي ما يخص التأثيرات غير المباشرة على القطاع السياحي في لبنان بشكل عام، فقد كانت للحرب تبعات سلبية جسيمة على القطاع السياحي، لاسيما أن البلاد كانت على مشارف مواسم سياحية واعدة سواء خلال عطلة عيد الميلاد أو موسم التزلج أو خلال عيدي الفصح والفطر.
ويقدّر بنك عودة أن تكون الإيرادات السياحية الضائعة خلال فترة الستة أشهر منذ اندلاع الحرب فاقت مليار دولار حتى تاريخه، وذلك على أساس انخفاض متوسط عدد السياح بنسبة 24 في المئة، علماً أن متوسط إنفاق السائح في لبنان يبلغ نحو 3 آلاف دولار أميركي.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|