الصحافة

الصوت المسيحي غاب عن القمة العربية... وحضر في القدس

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

عادت القضية الفلسطينية لتطرق أبواب العالم مذكرة إيّاه بجوهر الصراع في الشرق الأوسط، وهي نفسها دفعت جامعة الدول العربية الى عقد قمة استثنائية بفعل حرب تدميريّة في غزة، وصلت كارثيتها الى جنوب أفريقيا ومنها إلى محكمة العدل الدوليّة.

قمة البحرين هي الرابعة على التوالي التي يغيب عنها رئيس الجمهوريّة اللبنانية، إذا ما احتسبنا ثلاث قمم عادية في الجزائر وجدّة والمنامة، إضافة الى قمة الرياض الاستثنائية. وهي ليست المرّة الأولى يُسجل هذا الغياب مع تراكم سنوات الشغور الرئاسيّ، والأسباب الموجبة للحديث عن هذا الفراغ الدستوري، هو أن رأس السلطة في لبنان يُعدّ الممثل الأول والوحيد بهذا المنصب لمسيحيي المشرق.

سبق ذلك كله، إعلان لرؤساء بعثات دول الاتحاد الأوروبي في القدس مع ممثلين عن الكنائس، للسنة الثانية على التوالي، يحذّر فيه من "محاولات الاستيلاء على الممتلكات"، وآخرها كان في خطة بناء التلفريك في قلب القدس التاريخي. وعبّر المجتمعون باسم الاتحاد الأوروبي عن أن القيود التي تُفرض على الكنائس "مثيرة للقلق خصوصا في سياق الاحتفالات بالأعياد الدينية ومراسم النار المقدسة المقبلة". كان ذلك في مطلع أيار الجاري قبيل الاحتفال بعيد الفصح.
والتحذير نفسه كان قد صدر عن الجهة نفسها في كانون الأول 2023، وفي كلا البيانين دعا الاتحاد الأوروبي إلى "الحفاظ على الوضع الراهن وحماية الوضع الخاص والطابع العالمي للقدس ومدينتها القديمة"، وكان تشديد على ضرورة "الحفاظ على حرمة أماكنها المقدسة وقابلية بقاء جميع مجتمعاتها".

غير أن ما حدث هو أن المسيحيين لم يتمكنوا من الوصول الى كنيسة القيامة، بحسب ما أكد رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس المطران عطاالله حنا، إذ قال خلال عيد الفصح هذا العام، إن الحضور سيقتصر على أبناء القدس وضواحيها، مشيراً الى أن "الحواجز الإسرائيلية المحيطة بكنيسة القيامة تمنع المؤمنين من الوصول الى الكنيسة".

وفي القدس وحدها انخفض تعداد السكان من المسيحيين الى ما يقارب عشرة آلاف شخص فقط، بعدما كانوا يشكلون ما نسبته أكثر من عشرة في المئة قبل عقود قليلة.

وتقول مجلة "الهيرولد الكاثوليكي" في تقرير لها مطلع عام 2023، إن مسيحيي القدس يواجهون المشاكل نفسها التي يواجهها جميع الفلسطينيين. وأعطت مثالاً على ذلك أنه "إذا رغب مقدسي أو مقدسية في الزواج من شخص من بيت لحم، فقد يضطر الزوجان إلى الانتظار لمدة تصل إلى عشرين عاماً للحصول على تصريح لتمكينهما من العيش معاً في القدس".
كما تطرقت المجلة في التحقيق نفسه، الى أن "أكبر مشكلة تواجهها الكنائس في القدس هي مشروع الحديقة الوطنية حول جبل الزيتون، فهي منطقة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحياة السيد المسيح، بحيث سيتأثر عشرون موقعاً مسيحياً مقدساً بذلك المقترح". وهذا ما قد يتقاطع مع التحذيرات التي صدرت لاحقاً عن ممثلي الاتحاد الأوروبي.

وفي الفترة الأخيرة، لاسيما بعد استهداف الكنائس في غزة والاعتداء على مثيلتها في الضفة الغربية والتعرض لرجال الدين المسيحيين من قِبل المستوطنين المتطرفين، ارتفعت أصوات مسيحيّة لتدلّ على حجم معاناة هذه الشريحة الأساسيّة في المشرق العربي، والتي كان لروادها فضل أساسيّ في الحفاظ على التاريخ العربي وثقافته المتنوعة.

إنطلاقاً من هذا الواقع الراهن والتاريخيّ، يقول رئيس أساقفة سبسطية للروم الارثوذكس المطران عطاالله حنّا لـ"النهار" إن "المسيحيين موجودون في فلسطين والقدس التي تحتضن أهمّ المقدسات المسيحية في العالم، لاسيما كنيسة القيامة التي تمثل قبلة المسيحيين الأولى والوحيدة في مشارق الأرض ومغاربها".

وعن هذا الوجود يؤكد المطران حنّا "أننا كمسيحيين وإنّ كنّا قلّة في المنطقة، إلّا أننا لسنا أقلية. ونرفض هذا المفهوم لأننا لسنا أقلية في أوطاننا. نحن أصيلون والحضور المسيحيّ لم ينقطع على مدى أكثر من الفيّ عام". ويشدّد حازماً "لسنا بضاعة مستوردة من أي مكان في هذا العالم، ونرفض أن يُنظر إلينا كأننا كيان غريب وغير مرتبط بهذه الأرض المقدسة".

ولدى سؤاله عن الصوت المسيحي، يأخذنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الارثوذكس الى تاريخ الكنيسة المشرقية و"موقفها الواضح والمدافع عن عراقة الوجود المسيحي في هذا المشرق، ودفاعها عن القضية الفلسطينية"، ويؤكد في هذا السياق أن القضية الفلسطينية "هي قضيتنا قبل أي جهة أخرى، لأننا عندما ندافع عن فلسطين إنما ندافع عن أعرق وجود مسيحي في هذا العالم، وعن أهم المقدسات المسيحية". وطالب من كل المرجعيات المسيحية في العالم أن تكون فلسطين حاضرة في كلماتهم وصلواتهم، والعمل معاً "كي يتوقف نزيف غزة المخيف والمروّع والمؤلم".

وعن وجود هذا الصوت في القمم العربية، يقول المطران حنّا: "لقد شاركنا في قمم عربية، شخصياً، كذلك كنائس اخرى وكانت مشاركات فاعلة".

وعن قمة المنامة، يشير الى أنه "عندما يتحدث القادة العرب عن العدالة ونبذ العنصرية والكراهية، إنما يتحدثون باسمنا". ويقول إنه ربما في هذه القمة لم يكن هناك تمثيل مسيحي، "لكنّ أي قائد عربي يتحدث بلغة الأخوّة والإنسانية فهو يتحدث باسمنا جميعاً".

ويستعرض في هذا الإطار أهم مطالب الكنيسة المشرقية، "في هذه الأوقات الصعبة ننادي بوقف الحرب حقناً للدماء ووقفاً للدمار... نحن ننادي بحلّ عادل للقضية الفلسطينية وأن تكون هناك دولة مستقلة".

أما طبيعة هذه الدولة، فلا لبس عند "إبن القدس" أنه يجب أن تكون "دولة مدنية ديموقراطية يُحترم فيها كلّ إنسان بغضّ النظر عن خلفيته الدينية، أو انتمائه المذهبي والطائفي".

والصوت "المسيحي الرئاسيّ" الغائب عن أروقة أعلى مؤسسة عربية، ترى فيه أوساط كنسية لبنانية أن أسبابه سياسية وليست من باب استهداف المسيحيين، فالشغور في سدّة الرئاسة الأولى يعود لأسباب سياسية ضيقة على حساب المصلحة العامة. وتقول إن الصوت المسيحيّ العربيّ ليس غائباً، لاسيما من قِبل رأس الكنيسة المارونية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، إنما المشكلة برأي الأوساط عينها، هي في "الآذان الصاغية" وتقديم "السياسة السطحية والرخيصة" على ما عداها من أمور جوهرية.

"النهار"- باسل العريضي
 

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا