مهلة الـ6 أشهر لتركيب "فلاتر" بيئية للمولدات انتهت... ولا مستجيب!
ينتشر ما يزيد عن 450 ألف مولد كهربائي في كافة أرجاء لبنان منها 9300 مولد في العاصمة بيروت، إذ لا يخلو "زقاق" أو حيّ أو "دسكرة" من واحد أو اثنين أو أكثر من المولدات التي "تبخ" سموم دخانها المسرطن في الهواء، ومنه إلى صدور اللبنانيين وأطفالهم، وتزيد إلى معاناة المرضى والعجّز صعوبات في التنفس والأمراض الرئوية، وهو ما ركّزت عليه الدراسة الأخيرة التي أعدتها الجامعة الأميركية في بيروت وخلصت الى أن الاعتماد المفرط على مولّدات الديزل أثّر كثيراً على نسب السرطان. فالمواد السرطانية في الهواء الذي رُصد في الدراسة تزيد من نسبة أمراض السرطان 50%.
وإلى التلوّث البيئي والصحي والخسائر التراكمية على الحياة الاقتصادية، وخصوصاً في الشقين السياحي والصحي، يأتي التلوث السمعي والبصري، والضجيج المتواصل طوال اليوم من المولدات، ليضيف إلى عضال الكهرباء عضال نتائج بديلها غير المنظم والمتفلت من جميع القيود.
"دولة المولدات" عبارة تصح في وصف حالة لبنانية شاملة، تقدم خدمة عامة بقوة الأمر الواقع، وتشكل قطاعاً بديلاً وموازياً لكهرباء الدولة من خارج الدولة، غير قانوني وغير منظم رسمياً، لا يسدّد رسوماً ولا ضرائب، ويستوفي من المواطنين اشتراكات ومصاريف صيانة وتركيب معدات دون أي مسوّغ قانوني، مستخدماً أعمدة الدولة والبلديات والمساحات العامة، وعقارات الدولة، وبعضه "يستعير" أبنيتها مجاناً و"سلبطة"، وعلى عينك يا قانون دون أي رادع من ضمير أو دولة.
هذه الدويلة ومعها "دواخين" معامل الإنتاج التابعة لكهرباء لبنان، تشكل دون منازع أكبر مصدرين للتلوث الهوائي في لبنان، وتكبّد المؤسسات الضامنة والدولة اللبنانية خسائر مالية جمّة، أثمان العلاجات والأدوية والاستشفاء، فضلاً عن الأضرار المباشرة على السياحة والبيئة والمساحات الخضراء التي تتقلص بدورها لأسباب عدة.
وزير البيئة: الخطوة التالية مرهونة بالقضاء
في أيلول الماضي أصدرت وزارة البيئة تعميماً يتضمّن إرشادات محدثة وأكثر صرامة بشأن وضع فلاتر للمولدات الكهربائية، وطلبت من المحافظين والإدارات المحلية تطبيقها على المولدات الكبيرة والمتوسطة الحجم العاملة في نطاقها وإلزام أصحاب المولدات بتزويد العوادم بنظام فعال لمعالجة الملوثات الهوائية بشكل فوري وإلزامي مع التقيد بالحد الأدنى لارتفاع العادم تحت طائلة إيقاف المولدات المخالفة عن العمل. وقد عمّم بعض المحافظين، خصوصاً في بيروت، هذه الإرشادات للتقيد بها، كما تجري وزارة البيئة ورش عمل مع كل المعنيين في وزارة الطاقة والمياه، ووزارة الداخلية والمدّعين العامين من أجل حسن التطبيق".
وكانت الوزارة قد أصدرت في شباط 2022 القرار 16/1، الذي يعتمد قيماً حدّية جديدة ومحدثة لخفض الانبعاثات من قطاعي الصناعة والطاقة، بما فيها المولدات الكهربائية، يطبق على مرحلتين بدءاً من شباط 2023، ويأخذ في الاعتبار المعايير والإرشادات العالمية. كما تعمل وزارة البيئة على إعادة تأهيل وتشغيل محطات رصد الهواء بشكل تدريجي، التي كانت قد توقفت عن العمل منذ منتصف 2019، وذلك بعد أن تمكنت من الاستحصال على هبة من مرفق البيئة العالمي بالتعاون مع البنك الدولي. في الوقت عينه، عمدت الوزارة الى وضع إعفاءات جمركية وخفض رسوم على السيارات الكهربائية والهجينة في موازنة 2024 بهدف التخفيف من تلوّث الهواء الناتج عن قطاع النقل".
وفق وزير البيئة ناصر ياسين فإن "المشكلة الرئيسية لتلوّث الهواء تكمن في الارتفاع الكبير في استخدام المولدات كمصدر أساسي للكهرباء عوضاً عن تغذية شبكة كهرباء لبنان. ووجود هذا العدد الكبير من المولدات الكهربائية بين المنازل والمؤسسات وفي المراكز التجارية واستخدامها في معظم الأوقات يشكل خطراً جدياً على البيئة والصحة العامة". ويكمن الحل برأيه في تحسّن التغذية من مؤسسة كهرباء لبنان والعمل على إنتاج الكهرباء بطرق بديلة ونظيفة ومن مصادر طاقة متجددة، علماً بأن الوزارة عمدت الى وضع إعفاءات جمركية وكذلك خفض الرسوم على السيارات الكهربائية والهجينة في موازنة 2024 بهدف التخفيف من تلوّث الهواء الناتج عن قطاع النقل.
وبالنسبة لتطبيق التعميم المتعلق بوضع فلاتر للمولدات الكهربائية، يؤكد ياسين لـ"النهار" أن الخطوة التالية مرهونة بالقضاء، إذ عقدنا اجتماعات مع النواب العامين البيئيين في كل المناطق واتفقنا على صيغة أرسلناها الى مجلس الشورى للبت فيها، وتقضي بأنه عند إحالة شكوى معيّنة الى القضاء يطلب من خبير بيئي الكشف على المولد والتأكد من الضرر البيئي الذي يشكله وبناءً عليه يتم تغريم المولدات. بمعنى آخر يقول ياسين "ربطنا المسار الإداري بالمسار القضائي البيئي ليُفرض، عبر أمر قضائي، الالتزام بالمعايير"، مؤكداً أن ثمة شكاوى أصبحت في عهدة القضاء، مع الأخذ في الاعتبار أن قلة من أصحاب المولدات بدأوا يلتزمون بتطبيق القرار.
محافظ بيروت: نتحقق من ادّعاءات أصحاب المولدات
على أثر التعميم الذي أصدره وزير البيئة، أصدر محافظ بيروت القاضي مروان عبود قبل 6 أشهر تقريباً بلاغاً موجهاً إلى جميع أصحاب ومستثمري مولدات الكهرباء (خاص واشتراك) ضمن نطاق المدينة، بضرورة تزويد المولدات الكهربائية ذات القدرة التشغيلية أصغر من 250 KVA، بمحول محفز إلزامي Catalytic Converter لتخفيف انبعاثات أول أكسيد الكربون والهيدروكربونات، علاوة على فلتر للجزيئات إلزامي إهراء مخروطي Cyclone Filter، بكفاءة لا تقل عن 30%. وتزود المولدات الكهربائية ذات القدرة التشغيلية التي تفوق 250 KVA، بفلتر سخام للجزيئات إلزامي لجسيمات الديزل Diesel Particulate Filter بكفاءة لا تقل عن 70%، مزوداً بجهاز مراقبة/مسجل العادم، للتحذير من التراكم المفرط للجسيمات.
وأمهل البلاغ أصحاب ومستثمري المولدات الكهربائية ومشغليهم، فترة أقصاها ستة أشهر من تاريخه، لتطبيق الشروط والتزام المواصفات الفنية المطلوبة، تحت طائلة الملاحقة القانونية، واتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في القوانين والأنظمة النافذة، منها تنظيم محاضر ضبط وختم المولد/المولدات بالشمع الأحمر عند الاقتضاء".
ولكن للأسف، يكشف محافظ بيروت القاضي مروان عبود لـ"النهار" أنه لم يلتزم أحد بهذه المذكرات، لاعتبارات عدة يتذرع بها أصحاب المولدات، إذ يدعي هؤلاء أن أسعار الفلاتر تناهز 32 ألف دولار، إضافة الى أن الكميات المتوافرة في لبنان غير كافية ومحتكرة من مستورد واحد". وهذه الادعاءات موضع متابعة من المحافظ وفريق عمله، إذ يؤكد عبود أن "المعلومات المتوافرة لدينا أن ثمة 3 مستوردين للفلاتر من ألمانيا".
التشدد في هذا الموضوع سيتركز أكثر على المناطق أو المجمعات التجارية الكبيرة التي تسبب تلوثاً أكثر من غيرها. توازياً، يتواصل محافظ بيروت مع المدعي العام البيئي نديم زوين، كذلك أوعز الى مصلحة المؤسسات المصنفة في بلدية بيروت لتكون أداته التنفيذية، إضافة الى التعاون مع أمن الدولة في بيروت ليشكلوا جميعاً فريق عمل واحداً. وستُعقد الأسبوع المقبل اجتماعات لهذا الفريق لوضع خطة تنفيذية تحدد كيفية تحركهم مجدداً في بيروت وفرض وضع فلاتر للمولدات.
وزير الطاقة: 25% من الكهرباء مصدرها طاقة متجددة
صحيح أن لا إحصاءات دقيقة متوافرة عن عدد المولدات العاملة في كل أنحاء لبنان، بيد أنها تنتج وفق ما يؤكد وزير الطاقة وليد فياض لـ"النهار" نحو 6 مليارات كيلوواط ساعة. وتالياً بغية خفض التلوث الناتج عنها يرى فياض ضرورة زيادة ساعات التغذية والاتكال أكثر على الطاقة الشمسية، إذ وفق مصادر متابعة يجب أن يعتمد لبنان في 50% من طاقته المنتجة على الطاقة الشمسية والتخلص تدريجاً من المولدات التي وفق ما تؤكد المصادر عينها تلوّث 10 مرات أكثر من معامل الكهرباء القديمة.
ويجدد فياض تأكيده أن 5 عوامل رئيسية أدت إلى انخفاض استهلاك الكهرباء بنحو أكثر من 30% بين ما قبل 2020 و2022، فيما الانخفاض الأكبر كان باستهلاك الكهرباء الأحفورية خلال الفترة عينها. وهذه العوامل يحددها فياض كالآتي:
- الانكماش الاقتصادي والمالي
- رفع الدعم العشوائي الذي أدى الى زيادة كلفة المحروقات بما رفع من كلفة الكهرباء من المولدات الخاصة
- عدم توافر كهرباء المولدات الخاصة بالكمية عينها مقارنة بأيام الدعم، وذلك بسبب زيادة قيمة الرأسمال التشغيلي الذي تحتاج إليه المولدات الخاصة لتمويل احتياجها من المازوت الديزل
- إصلاح تعرفة الكهرباء التي كانت لأعوام منذ أيام الحرب الأهلية تؤدي إلى خسارة من خزينة الدولة بحيث أصبحت الآن التعرفة تغطي معظم الكلفة، بما أدى إلى الوعي العام وتغيّر السلوك بالنسبة لاستهلاك الكهرباء بعدما أصبحت سلعة مرتفعة الثمن.
- التحول الطاقوي واللجوء المكثف إلى أنظمة الطاقة الشمسية، بعدما أدرك المواطنون أن كلفتها أقل من كلفة المولدات الخاصة وحتى من كلفة كهرباء لبنان، فيما كانت قبل تنفيذ الإصلاحات تُعد أغلى بفعل الدعم العشوائي غير المبرر للطاقة الأحفورية بدل دعم الطاقة المتجددة. والنتيجة أن أصبح في لبنان أكثر من 25% من الكهرباء مصدرها طاقة متجددة، ومنها 1500 ميغاوات (1500 MW) من الطاقة الشمسية.
الى ذلك، تقدر مصادر متابعة حجم الدورة المالية لقطاع المولدات بين 1.75 مليار و2.2 مليار دولار سنوياً، وهي غير خاضعة للضريبة على الأرباح، على اعتبار أنها منتج غير قانوني يعمل خارج النظام الرسمي، ولا يخضع للتدقيق وليس له رقم ضريبي، وهو غير موجود كلياً في دفاتر وسجلات وزارة المال.
ليست دعوة لفرض رسوم أو ضرائب على هذا القطاع، بل ربما سؤال بديهي بعد جمع المعطيات واستنتاج الأرباح، إذ تسأل المصادر "أما كان بالإمكان فرض رسم مالي ثابت على المليون ونصف المليون مشترك، كما على أصحاب المئة ألف مولد خاص، وتخصيصها لبناء معامل إنتاج وشبكات كهرباء متطورة ترفع الخسائر المالية الضخمة عن كاهل الدولة من جهة، وترفع الخسائر الصحية وتكاليفها الباهظة عن كاهل المواطن الذي لا حول له ولا قدرة على العيش خارج النور؟".
عدا عن ذلك، تشكل مخلفات المولدات من الزيوت "المحروقة" والعبوات الفارغة، والفلاتر المستهلكة، بالإضافة إلى الشرائط والكابلات وجميع اللوازم اللوجستية لتشغيلها، واحداً من أكثر الأخطار المحدقة بسلامة التربة والزراعة والمياه الجوفية، حيث لا مراعاة بالمطلق لدى غالبية أصحاب المولدات لحرمة الطبيعة ومفاهيم البيئة.
النهار- سلوى بعلبكي
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|