الصرف الصحي لمخيمات اللاجئين يلوّث المياه: تحديات البقاء تتفاقم
وصلت قضية اللاجئين السوريين في لبنان إلى مرحلة "التحدّيات". إذ يواجه المجتمع الدولي تحديات تراجع التمويل المخصَّص لتغطية احتياجات اللاجئين في لبنان، مقابل تمويل احتياجات مناطق أخرى في العالم تشهد أزمات وحروباً. بالتوازي، يواجه لبنان تحديات عدم القدرة على مجابهة تداعيات تخفيض التمويل الدولي لاحتياجات اللاجئين والبيئة المحيطة، بالإضافة إلى تحديات سياسية واجتماعية وصحية مرتبطة بملف اللجوء عموماً، وتأثيره.
كثرة الضغوط تفترض "انفجاراً" في مكان ما. فالطبقة السياسية بدأت تتحرّك على مستوى جدّي هذه المرّة، وبدا ذلك واضحاً من خلال التوصيات التي خرج بها مجلس النواب يوم الأربعاء الماضي، وتتلخَّص بأن "لبنان لم يعد يحتمل".
إلاّ أن الاحتمالات المفتوحة سياسياً، والمرتبطة بالتفاهم مع المجتمع الدولي حول كيفية إدارة ملف اللاجئين في لبنان، وامكانية زيادة التمويل لاحقاً، لا تلغي حقيقة التداعيات البيئية والاجتماعية والاقتصادية، والتي يستحيل ترميم ما يتضرَّر منها، خصوصاً على صعيد الإضرار بالبنية التحتية للمياه.
وضوح الأزمة
على مدى 13 عاماً من عمر الحرب السورية، وبدء استقبال لبنان موجات القادمين من خلف الحدود، لم يكن ملفّ اللجوء السوري محطَّ إجماع بين القوى السياسية، وساهم ذلك في إشاحة النظر عن جدية التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية. ومع ذلك، كانت الأموال المغدَقة من المجتمع الدولي، وبشكل أساسي عبر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ومنظمة اليونيسف والمفوضية الأوروبية، تساهم في تأجيل الانفجار. وما إن بدأ تقليص التمويل ووضوح صعوبة العودة إلى الوراء، عَلَت الأصوات السياسية لتوصِلَ رسالة للمجتمع الدولي، جوهرها أن التمويل ضرورة إلى حين إيجاد صيغة مناسبة لإعادة اللاجئين إلى سوريا.
أبرز التداعيات الخطيرة لخفض التمويل، تتمثّل بشحّ مياه الشرب والخدمة وانفلات مياه الصرف الصحي من مخيّمات اللاجئين نحو السواقي والأنهار والأراضي الزراعية. و"تمويل خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة في المخيمات، انخفض بدءاً من العام 2020 وبلغ (حالياً) مستويات غير متوقَّعة"، حسب ممثّل اليونيسف في لبنان إدوارد بيجبيدر، ما دَفَعَ اليونيسف إلى تقليص كمية المياه النظيفة من 20 ليتراً يومياً إلى 12 ليتراً لكل شخص، وكذلك تقليص عدد مرات سحب المياه المبتذلة وتقليص كميات الكلور الموضوعة لمعالجة المياه. وهذا التراجع أظهَرَ انتشاراً للأمراض في المخيّمات والمناطق المضيفة، سيّما في البقاع وعرسال. فانتشر الطفح الجلدي والتهاب الكبد الوبائي.
التأثيرات تظهر في نهر الليطاني
مرور نهر الليطاني من البقاع إلى الجنوب، يجعله شاهداً على أزمة النزوح في أكثر من منطقة، وجعله المتضرّر الأكبر. ولأنه الأطوَل داخل لبنان، يجرّ معه الآثار السلبية على الأراضي الزراعية المحيطة به.
انطلاقاً من ذلك، باتت مصلحة مياه الليطاني هي الجهة الأبرز المعنية بهذا الواقع، رغم المسؤوليات الأساسية لوزارتيّ البيئة والطاقة ومصلحة مياه البقاع. وفي هذا السياق، يشير المدير العام لمصلحة مياه الليطاني، سامي علوية، إلى أن "المصلحة بدأت بلحظ التأثيرات الفعلية لتراجع التمويل من المنظمات الدولية ابتداءً من العام 2022، إذ برزت التأثيرات أولاً على مستوى خفض عمليات سحب مياه الصرف الصحي وتأمين المياه النظيفة لتجمّعات النازحين في منطقة البقاع". وخفض التمويل يشكّل برأي علوية "تخلي المجتمع الدولي عن مسؤوليته تجاه الأثر البيئي والتلوّث الناتج عن تجمّعات اللاجئين".
أزمة تراجع التمويل تُتَرجَم اليوم "بشكل علني، بتحويل مياه الصرف الصحي للمخيمات نحو نهر الليطاني. علماً أن هذه المشكلة لم تبرز فجأة، إذ كان تحويل الصرف الصحي نحو النهر موجوداً منذ البداية، وعمليات سحب مياه الصرف الصحي قبل خفض التمويل لم تكن بالتوقيت وبالكميات المطلوبة، ولم تكن تلك المياه تذهب لمحطات التكرير بل كانت ترمى في النهر والأراضي المفتوحة".
ومع وضوح خفض التمويل الدولي، يتوقّع علوية أن ترتفع معدّلات تحويل الصرف الصحي نحو النهر إما بشكل مباشر أو عبر روافده، وخصوصاً في نهريّ البردوني والغزَيِّل. ويضيف علوية أن مشكلة التلويث لا تقتصر فقط على النهر، إذ أن "بعض العائلات السورية تنتقل من مكان لآخر، وتحمل معها الخيمة والحمّام البلاستيكي الذي أمّنته مفوضية اللاجئين. وفضلات هذه الحمّامات تذهب إلى حفر داخل الأرض الجديدة التي انتقلت إليها العائلة".
وفي سياق المعالجة، يلفت علوية النظر إلى أن "الإخبارات التي رفعتها مصلحة مياه الليطاني إلى النيابة العامة، بحق مفوضية اللاجئين والجمعيات المتعاونة معها في ملف اللجوء، لم تصل إلى نتيجة، ليبقى الوضع على ما هو عليه. ولذلك، على الحكومة وضع منظومة للصرف الصحي، خصوصاً وأن نهر الليطاني والأراضي المحيطة به، تعاني قبل أزمة اللاجئين، من تحويل الصرف الصحي إلى النهر ومحيطه، فكيف مع زيادة أعداد اللاجئين؟". وللوصول إلى نهاية صحيحة في هذا الملف، على الدولة اللبنانية والمجتمع الدولي "فصل مسار معالجة الصرف الصحي والتلوّث عن مسار عودة اللاجئين إلى سوريا، إذ لا يمكن أن نضغط على المجتمع الدولي، أو يضغط هو علينا بمسألة الصرف الصحي. فملفّ التلوّث بيئي صحيّ، وملفّ عودتهم هو مسار سياسي".
معارضة البلديات
على الضفة الأخرى، لدى مصادر المفوضية ما تقوله في هذا السياق. فتشير المصادر في حديث لـ"المدن"، إلى أن الاهتمام بالجانب البيئي كان قائماً منذ بداية الأزمة "لكن الجهات اللبنانية كانت تعارض إجراء مشاريع بنى تحتية للمخيمات، ومنها ربط المخيمات بشبكات الصرف الصحي الموجودة في المناطق. فكانت البلديات من أولى الجهات الرافضة، بحجة أن هذه الخطوة تساهم في تحسين شروط بقاء اللاجئين، في حين أن المطلوب هو إعادتهم إلى سوريا. ولذلك، فإن الأموال التي دُفِعَت في لبنان عبر الجهات الدولية، ذهب قسم كبير منها لدعم السلطات المحلية وقسم لتحسين شروط إقامة المخيمات. وفي مسألة الصرف الصحي، كان الرأي الأبرز لبعض البلديات هو تحويل الصرف الصحي إلى الحُفَر، ونبّهَت المفوضية إلى خطورة الحُفَر على الأراضي الزراعية والمياه الجوفية، لكن الرفض بقي قائماً".
وبتشعُّب الملفّات المرتبطة باللجوء السوري إلى لبنان، تتشعَّب التحديات. وإذا كانت المعالجة السياسية للعودة، قادرة على انتظار التسويات الدولية، إلاّ أن التحديات الاقتصادية والبيئية لا تنتظر. وبذلك، ينتقل جزء من نقاش الملف، من تحديات بقاء أو ترحيل اللاجئين، إلى تحديات صمود البنية التحتية اللبنانية، سيّما قطاع المياه السطحية والجوفية.
خضر حسان - المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|