إقتصاد

"ذهب لبنان الأبيض".. مناجم طبيعية بحرية قد تدر ملايين الدولارات

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

على حوض البحر الأبيض المتوسط، تقع بلدة أنفه في قضاء الكورة التي اشتهرت بأنها منجم الذهب الأبيض وموطن الملاحات التقليدية التي كانت في ستينيات القرن الماضي تغطي مساحة مليون متر مربع تقريبا على شاطئها قبل أن تنحسر لتصل اليوم إلى أقل من 200 ألف متر إضافة إلى تميزها بطواحين الهواء وكنائسها القديمة، كما تحتضن دير سيدة الناطور الذي يعود تاريخ بنائه الى القرن السادس.

ملاحات أنفه تشكّل عاملا سياحياً جذابا وهي أيضا مصدر رزق للعديد من أهالي البلدة الذين يعيشون من استخراج الملح وبالتالي هي تشكل انتاجا صناعيا مهما يمكن الإستفادة منه.
 
وعلى الرغم من اجتياح المنتجعات السياحية لشواطئ البلدة وتلوث مياه البحر الناجم عن النشاط الصناعي في المنطقة لا تزال هذه الملاحات صامدة.

ولا بد من الإشارة إلى ان وزير البيئة وليد نصار أعلن في حزيران 2023 مناطق رأس الملاليح ورأس القلعة ومنطقة دير الناطور في بلدة أنفه على خارطة السياحة البيئية والثقافية والتراثية.
 
الباحث في شؤون البيئة ومؤلف كتاب "ملح لبنان" حافظ جريج اطلع "لبنان 24" على تاريخ هذه الملاحات وأهميتها سياحيا وبيئيا وصناعيا.
 
بداية يُشير جريج إلى ان "الملاحات انتشرت عبر التاريخ على طول الشاطئ اللبناني أي من الفينيقيين وصولا إلى الرومان والعثمانيين والانتداب الفرنسي حتى اليوم، ولكن بعد الحرب اللبنانية عام 1975 بدأت ظاهرة المنتجعات البحرية تغزو الشواطئ وبالتالي أصبحت الملاحات ومرافئ الصيد ضحية انتشار هذه المشاريع التي لوّثت الشاطئ".
 
ملح لبنان الأفضل
وتابع جريج انه خلال الحرب توقف كل شيء في لبنان ومن ضمن ذلك الملاحات، وأوضح ان "لبنان كان ينتج قبل عام 1975 نحو 50 ألف ألف طن من الملح وكان يتم فرض ضريبة مرتفعة على الملح المستورد ولكن بعد الحرب توقفت الملاحات وبدأنا باستيراد الملح من الخارج".
 
وشدد على ان "قضية استخراج الملح اللبناني من القضايا الملحة ومن الموارد الطبيعية الأساسية وهذا المورد لم يأخذ حقه كما يجب".
 
وأكد جريج انه "لا يمكن القول بأن كل الشاطئ اللبناني ملوّث فالمركز الوطني للبحوث العلمية بيّن ان مياه البحر في موقع الملاحات في أنفه غير ملوّث كما ان بحر رأس الناطور من أنظف شواطئ لبنان".
 
وشدد جريج على ان "ملح لبنان من أفضل أنواع الملح البحري في العالم وفحوص المختبرات تؤكد ذلك".

وقال: "أكبر مساحة ملاحات تاريخيا وإلى اليوم هي ملاحات أنفه، وفي الوقت الذي كان فيه لبنان ينتج 50 ألف طن من الملح كانت أنفه وحدها تنتج 35 ألف طن أما الباقي فكان يُستخرج من القلمون وسلعاتا وكفرعبيدا والبترون وجزيرة النخل".
 
وأشار إلى ان "في دول انتاج الملح تنخفض الملاحات طبيعياً عن مستوى سطح البحر في حين انه في لبنان هي أعلى من مستوى البحر بنحو 5 أمتار والملاحات موجودة على الشواطئ الصخرية، وكانت تتميز هذه الشواطئ على طول الساحل اللبناني بأجران منحوتة وأقنية لانتاج الملح وكانت في البدء ملاحة صغيرة منزلية لحاجات المنزل".

يلفت جريج إلى ان "الملاحات بدأت مع الفينيقيين الذين كانوا بحاجة ماسة للملح لأسفارهم عبر البحار وهم اشتهروا بالأسطول التجاري لديهم وعندما اكتشفوا الصباغ الأرجواني احتاجوا للملح بكثرة، وتطورت عبر العصور ومن خلال كل الشعوب التي مرت في لبنان".
 
أما في مرحلة الانتداب الفرنسي، فقد منع الفرنسيون اللبنانيين من استخدام هذه الملاحات الأثرية المحفورة في الصخر، وعندما أمروا بتكسير الأجران قام أبناء انفه نظرا للحاجة الماسة إلى الملح بحفر أجران في التلال الصخرية البعيدة عن البحر ولم يكن هناك حينها شبكة مياه الشفة فكانت النساء تحملن الأوعية على أكتافهن وتذهبن لتعبئة المياه ونقلها إلى المنازل".
 
قانون الملاحات
يقول جريج ان "شواطئ البحر الصخرية كانت بمعظمها ملاحات ولم يكن هناك أي قانون والأملاك الخاصة المُتاخمة للشواطئ حوّلها أصحابها إلى ملاحات لأنها قريبة من البحر وهي بالتالي تكون أنظف. كما ان نقل مياه البحر إليها يكون أسهل".
 
ولفت إلى انه "بعد الاستقلال سمحت الدولة باستعمال الملاحات واستثمارها وبعد سنوات قامت وزارة المالية بطلب رسم سنوي على انتاج الملح، ثم في عام 1952 أصدر وزير المالية حينها خليل مكاوي قرارا طلب فيه ممن يريد استثمار ملاحة على الشاطئ ان يقدم تصريحا سنويا بذلك وان يذكر فيه اسم الملاحة ومساحتها وصاحبها وان يدفع ضريبة على المتر المربع واستمر هذا الأمر لعدة سنوات".

وأضاف: "يورد قانون الملاحات ان صاحب الملاحة يستمر في استثمارها سنويا ولا يمكن سحب هذا الإستثمار منه إلا إذا احتاجت الدولة ان تستردها منه للمصلحة العامة ودون تعويض في حال كانت على سبيل المثال تريد ان تبني نقطة عسكرية في المكان أو مرفأ صيد".
 
وأشار إلى ان "ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت المرحلة الذهبية للملاحات حيث توسعت وانتشرت على مساحة مئات آلاف الأمتار في انفه على طول الشاطئ وفي أماكن كثيرة من التلال والأحراش".
 
وتابع: "في هذه المرحلة جعلت البطريركة الأرثوذكسية 80 بالمئة من أملاك الوقف لاستثمار الملاحات أي آلاف الأمتار المربعة وأصبحت منطقة رأس الناطور مشهورة  بهذه الملاحات". 
 
ما هي الملاحة؟

بقول جريج: "الملاحة هي معمل طبيعي أي موجود في الطبيعة، تتألف من الأجران التي تنتج الملح ومن برك لسحب ماء البحر إلى البرك الغميقة التي هي بعمق متر أو متر ونصف المتر أما الأجران فهي بعمق 10 او 20 سنتمترا".
 
وشدد على ان "الملاحات ثروة وتراث وانتاج وصناعة لا تنضب ومورد أساسي يوفر فرص عمل عديدة ولاسيما في ظل الوضع الاقتصادي المتردي". 

مطالبات بتحويلها إلى محميات طبيعية
وطالب جريج بجعل الملاحات محمية طبيعية خاصة في رأس الناطور التي تحوي على ملاحات تمتد على مساحة آلاف الأمتار إضافة إلى الأحراش الخضراء التي تضم نباتات طبية وعطرية، وأيضا رأس الملاليح الأثري وهو يحوي على آلاف الأمتار من الأجران والأقنية المنحوتة في الصخر التي لا مثيل لها في العالم، داعيا إلى إزالة المخالفات الصناعية في المنطقتين.
 
ووجّه نداء إلى وزارة الثقافة لإعلان رأس الملاليح منطقة أثرية بكل معنى الكلمة، مشيرا إلى ان "منظمة الاونيسكو وضعت منطقتي رأس الملاليح ورأس الناطور على الجداول التمهيدية لإعلانهما ضمن قائمة التراث العالمي ولكنها بانتظار إعلانهما محميات طبيعية أولاً".
 
كما طلب من وزارة الأشغال إبطال القرار التعسفي الذي صدر قبل سنوات بتجميد أعمال الملاحات وإعادة الاستثمارات برسوم مالية وتنظيم الملاحات من جديد وتشجيع انتشارها وتشغيل الملاحات المهجورة لحماية الإنتاج الوطني وحماية ملح لبنان من الملح المستورد".
 
إذا لملاحات أنفه أهمية صناعية وسياحية وبيئية خاصة ويُشكّل رأس الملاليح ورأس الناطور نموذجين بيئيين لا مثيل لهما على حوض الأبيض المتوسط بشهادة العديد من الخبراء والعلماء.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا