"مفاوضات وترقب" في شمال سوريا.. ماذا بعد اقتحام "النصرة" عفرين؟
ما تزال حالة التوتر والترقب قائمة في منطقة عفرين شمال غربي سوريا، بعد دخول قوات من "هيئة تحرير الشام" (جبهة النصرة المصنفة إرهابيا) إليها، يوم الخميس، لدعم أطراف من فصائل عسكرية متصارعة، وتنضوي ضمن تحالف "الجيش الوطني السوري"، في ريف محافظة حلب.
وجاء دخول "تحرير الشام" إلى عفرين بشكل "مفاجئ ومريب"، فيما انتشرت قواتها للمرة الأولى في هذه المدينة، منذ مارس 2018. ووصلت ليل الخميس إلى حدود مدينة "إعزاز" أبرز مدن منطقة "درع الفرات".
تعتبر "إعزاز" منطقة نفوذ "الفيلق الثالث" (يتصدره فصيل الجبهة الشامية)، وهو الطرف الذي أشعلت "تحرير الشام" المواجهات ضده، لدعم فصيلين آخرين ضمن "الجيش الوطني"، هما "فرقة الحمزة" و"فرقة السلطان سليمان شاه".
وبينما استمرت هذه المواجهات على مدى الأيام الثلاثة الماضية في عفرين، وصلت حدودها إلى "إعزاز"، والتي تعيش حالة من الترقب في الوقت الحالي، ومظاهرات شعبية خرجت عقب صلاة الجمعة، رافضة لدخول "تحرير الشام" إليها.
ويفصل بين إعزاز وعفرين منطقة "كفرجنة"، وحسب ما يقول الناشط الإعلامي الموجود في تلك المنطقة، عدنان الإمام فإنها تشهد حالة ترقب و"هدوء حذر"، في وقت تعقد فيه مفاوضات "بين الفيلق الثالث وتحرير الشام".
ويقول الإمام لموقع "الحرة": "الأمور الآن ذاهبة باتجاه المفاوضات. لا نعلم ما الذي سيحصل في الساعات المقبلة. قد تتجدد الاشتباكات، لاسيما بعد رفض الفيلق الثالث لمطالب تقدمت بها الهيئة".
"منطقة كفرجنة ليس من السهل الدخول إليها"، وفق الناشط الإعلامي، مضيفا: "باتت توجد فيها حشود كبيرة من قوات فصيل الشامية. تضاريسها صعبة، ووصل إليها في الساعات الماضية ما بين 8 آلاف إلى 9 آلاف مقاتل من الفيلق الثالث".
ولم تنشر أي تفاصيل رسمية عن "المفاوضات" التي يجري الحديث عنها بين الطرفين المتصارعين، لكن نشطاء وباحثون سوريون كشفوا بعض البنود التي تم طرحها.
وكتب الباحث السوري، أحمد أبازيد عبر "تويتر" أن "تحرير الشام" طلبت خلال المفاوضات "إدارة المنطقة أمنيا واقتصاديا بالكامل"، "أن يكون دور الفصائل سيكون تحت إدارة الجولاني"، "إعادة مقرات فرقة الحمزة في الباب"، "استعراض عسكري لجنود الهيئة في إعزاز".
لكن الناشط عدنان الإمام أشار إلى أن الطرف الآخر من المفاوضات (الفيلق الثالث) رفض هذه المطالب بعدما تحدث مع أحد المسؤولين فيه، وأنه "لا توجد أي تفاصيل أخرى عن ما سيكون عليه الوضع لاحقا".
كيف بدأت القصة؟
واللافت فيما يحصل حاليا بالشمال السوري أن "تحرير الشام" تساند فصيلين ضمن تحالف "الجيش الوطني" ضد فصيل أخرى ينضوي أيضا في هذا التشكيل العسكري ذاته، وفق ما تحدث نشطاء وباحثون.
ورغم أن الشرارة الأولى اندلعت بعد اغتيال الناشط الإعلامي، محمد عبد اللطيف الملقب بـ"أبو غنوم" في مدينة الباب على يد مسلحين من "فرقة الحمزة"، إلا أن مراقبين يرون دوافعا مختلفة.
وعقب عملية الاغتيال ألقى "الفيلق الثالث" على المسلحين المنفذين، وبث اعترافاتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ليتجه فيما بعد إلى مهاجمة مقرات "فرقة الحمزة" في مدينة الباب. لتبدأ هنا القصة.
وتطور هجوم الباب إلى صدام على أكثر من جبهة، ليصل إلى عفرين، وبينما انحصرت الاشتباكات بين الأطراف المتصارعة والتي تتبع لـ"الجيش الوطني"، سرعان ما دخلت "تحرير الشام" على الخط، لتدعم طرفا ضد آخر.
ووثقت منظمة "الدفاع المدني السوري" سقوط قتلى مدنيين وجرح آخرين، بينهم نساء وأطفال، إثر الاشتباكات التي استخدمت فيها أسلحة خفيفة وثقيلة.
بدورها نشر "فريق منسقو الاستجابة في الشمال" بيانا قال فيه إن المواجهات المسلحة دفعت أكثر من 950 عائلة للنزوح من المخيمات المنتشرة في المنطقة، كما تم تسجيل نزوح أكثر من 2500 عائلة، كنزوح "مؤقت" من المخيمات".
وأضاف الفريق الإنساني أنه تم "استهداف أكثر من سبعة مخيمات نتيجة الاشتباكات في ريف عفرين والباب شمالي حلب، إضافة إلى 4 منشآت خدمية أخرى".
كما وثّق مقتل أربع مدنيين وإصابة 28 آخرين معظمهم من النساء والأطفال، نتيجة الاشتباكات والقصف المتبادل.
"لا أحد يعرف ماذا يحصل"
وشكّل تسارع الأحداث خلال أربعة أيام فقط ووصول قوات "تحرير الشام" إلى حدود مدينة إعزاز أبرز مدن "درع الفرات" حالة من الصدمة لدى الكثير من المدنيين هناك، وحتى أن البعض منهم "لا يعرف ماذا يحصل"، حسب ما يقول مصطفى، وهو أحد سكان "إعزاز" في ريف حلب.
ويضيف لموقع "الحرة": "الحديث في معظمه الآن يدور حول المفاوضات.. هناك شروط ومطالب ومرحلة جديدة. لكن لا نعلم تفاصيلها ولماذا وصلت فيه الأمور إلى هذه الدرجة".
بدوره يرى نوار شعبان، وهو باحث سوري في "مركز عمران للدراسات الاستراتيجية"، أن "الاقتتال بين الفصائل العسكرية أمر متكرر في هذه المناطق، وبالتحديد ريف حلب". وهذا "سببه غياب المؤسساتية والمركزية في أي جسم عسكري وأمني".
ويقول شعبان لموقع "الحرة": "غياب المركزية يخلق بيئة من السهل أن تتعزز فيها الخلافية والصدامات".
وتحدث الباحث عن نقطة وصفها بـ"الأساسية"، وهي "أن تحرير الشام تبحث مثل أي فصيل محلي عن كروت وأدوار سياسية. بتقدمها في ريف حلب استطاعت أن توضح على أنها قادرة على الوصول لجرابلس!".
"لن تبقى النصرة في عفرين"، وفق تقدير شعبان، مشيرا من جانب آخر أن "الجانب التركي من الصعب أن يستحمل بقائها في هذه المنطقة".
من جهته أوضح تشارلز ليستر زميل أول ومدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في "معهد الشرق الأوسط" أن "دافع تحرير الشام لتوسيع حكمها في شمال سوريا لم يكن مفاجئا. لقد أوضح الخطاب العلني للجماعة المتشددة وخطاب زعيمها أبو محمد الجولاني رغبتها في القيام بذلك لفترة طويلة".
وأضاف ليستر في تقدير موقف نشره يوم الخميس على معهد الشرق الأوسط: "ما هو واضح هو أن ديناميكيات شمال غرب سوريا آخذة في التغير، ويبدو أن العواقب ستكون كبيرة للغاية".
"يجب أن تتجه الأنظار الآن إلى إعزاز بوابة منطقة درع الفرات. في هذه المنطقة بدأت الجبهة الشامية تعبئة عامة استعدادا لهجوم وشيك محتمل من قبل هيئة تحرير الشام".
وتابع الباحث: "في حالة وقوعها عزاز تحت سيطرة تحرير الشام، فإن شمال سوريا سيدخل حقبة جديدة تماما، ولها آثار عميقة محتملة على الحالة العامة للأزمة السورية".
"توسيع وترسيخ نفوذ"
وتصنف الولايات المتحدة الأميركية "هيئة تحرير الشام" وقائدها "أبو محمد الجولاني" على قوائم الإرهاب، وكانت قد عرضت مكافأة مالية مؤخرا للجهة التي تقدم أي معلومات عن الأخير أو أماكن تواجده في الشمال السوري.
وكذلك الأمر بالنسبة لتركيا، التي تضع "تحرير الشام" أيضا على قوائم الإرهاب لديها.
وكانت هذه الجماعة قد استكملت خطوات هيمنتها العسكرية والإدارية على محافظة إدلب، على مدى السنوات الثلاث الماضية.
وبينما سعت إلى تحجيم نطاق سيطرة "الفصائل المعتدلة"، استحوذت على قطاعات اقتصادية في إدلب السورية، من خلال الحكومة التي أنشأتها قبل سنوات تحت اسم "حكومة الإنقاذ السورية".
المحلل والباحث التركي المقيم في أنقرة، عمر أوزكيزيلجيك يرى أن "حقيقة ما يحدث هو أن تحرير الشام تعمل على بث الخلافات وأعمال العنف الواسعة بين أطراف الجيش الوطني، وبالتالي تتسع رقعة مناطق نفوذها".
ويقول لموقع "الحرة": "لذا فإن الهدف الأساسي هو ترسيخ وجودها في منطقة عفرين ومناطق غصن الزيتون ومن ثم توسيع نطاق النفوذ. الخطوة الأولى هي لفرض نوع من النفوذ فيما يتعلق بالحكم والمجال الاقتصادي، دون أن يكون لها أي دور عسكري".
لكن وفي مرحلة لاحقة، يشير أوزكيزيلجيك إلى أن "النصرة قد توسع نفوذها العسكري في محاولة للسيطرة الكاملة، مع الحفاظ على فصائل المعارضة كما فعلت في إدلب، لتنفيذ أجندتها الخاصة مع نظام الأسد أو وحدات الحماية الكردية"، وفق تعبيره.
"إذ نجحت تحرير الشام قد يعني ذلك أنها ستكون الطرف المهيمن بالكامل في جميع المناطق المحررة من سوريا. مع توسيع النفوذ ستأخذ كل السوريين في هذه المنطقة كرهائن للحفاظ على بقائها".
وفيما يتعلق بموقف الأطراف المتصارعة، اعتبر الباحث التركي أن "ما قد يحدث سيعتمد بشكل أساسي على فصيل الجبهة الشامية. لكن إذا بقيت ضعيفة فستجد تركيا بطريقة أو بأخرى وسيلة ما، لإخراج تحرير الشام من عفرين".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|