“شروط” بايدن للحرب على لبنان
“بيبي”… عمّا يتكلّم؟
هذا التساؤل أرّق الإدارة الأميركية منذ الثلاثاء الماضي حين نشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فيديو يتّهم فيه حليفه الوثيق بحرمانه من الأسلحة والذخائر، وذلك حين كان مبعوث الرئيس الأميركي جو بايدن، آموس هوكستين في لبنان، يحاول إخراج تسوية الحرب الشاملة في المنطقة.
في الوقت نفسه، خرج المتحدّث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري ليردّد فكرة قالها بايدن قبل أسابيع، وهي أنّ حركة حماس “فكرة، ولا يمكن القضاء عليها”. بعدها بيومين فقط، أعلنت الإدارة الأميركية بدء إرسال شحنات دفاع جوّي إلى أوكرانيا، وأنّها ستوقف هذا النوع من الشحنات إلى الحلفاء الآخرين في الأشهر المقبلة. فهل كان هذا الردّ الأميركي على نكران الجميل في تصريح نتنياهو؟ أم هو الأداة الفعّالة لكبح جماح إسرائيل عبر لسان الحال لا المَقال: “إن أردتِ الهجوم على لبنان، فأنتِ ستكونين وحدكِ”.
علّة كلّ هذا الاضطراب في العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة، شخص واحد هو نتنياهو، المنتفخ زهواً بنفسه، مقارناً نفسه بونستون تشرشل (توفّي عام 1965) رئيس وزراء بريطانيا الذي هزم النازية الألمانية في الحرب العالمية الثانية، متخيّلاً خيام النازحين في رفح المدمّرة، جحافل مكدّسة من الجيوش المدرّعة التي تريد محو اليهود من الوجود.
في الشكل، تعارض الإدارة الأميركية شنّ حرب خاطفة على لبنان مخافة انزلاقها إلى حرب واسعة في المنطقة، وتطلب من نتنياهو ضمانات لعدم توسّع الحرب. بل أكثر من ذلك، تشترط عليه قبل ذلك وضع نهاية مقبولة للحرب في غزة، من خلال الموافقة على ترتيبات اليوم التالي، التي تتضمّن تكثيف إرسال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، وإيجاد البديل السياسي والأمنيّ من حركة حماس هناك.
لكنّ نتنياهو يرفض الانصياع أو سماع أيّ كلام عن خطة سياسية في غزة، فيما يدير حملة تجويع شاملة في القطاع بسيطرته على المعبر الوحيد بين غزة والعالم، وعرقلة إرسال المساعدات من المعابر الإسرائيلية الأخرى من طريق المستوطنين الذين يهاجمون القوافل. وفوق كلّ ذلك، يريد شنّ حرب خاطفة ومدمّرة على الحزب في لبنان، وإنشاء منطقة عازلة بين الشريط الشائك وقوات الحزب، بما يسمح له بإعادة النازحين الصهاينة إلى مستوطناتهم بأمان واطمئنان. وهي طموحات غير واقعية كعادته، وهي تتضارب تماماً مع جملة الاحتمالات والسيناريوهات التي وضعها الجيش الإسرائيلي بخصوص غزة على وجه التحديد. فلا يمكن احتلال غزة، والغرق في حرب عصابات مُنهكة في القطاع، وفي الوقت نفسه، شنّ حرب شاملة في الشمال مع النقص الواضح في العَدَد والعُدّة عقب ثمانية أشهر من القتال الضاري.
الخلاف بين بايدن ونتنياهو
بحسب موقع أكسيوس، فإنّ تصريحات نتنياهو، التي أدلى بها على شريط فيديو باللغة الإنكليزية، واحد من أقسى انتقاداته العلنية لإدارة بايدن منذ بدء الحرب في غزة في 7 تشرين الأول الماضي، على الرغم من أنّ الولايات المتحدة لم تحجب سوى شحنة أسلحة واحدة منذ بدء الحرب، في حين قدّمت أسلحة وذخائر بقيمة المليارات. وعُلّق إرسال هذه الشحنة في أيار الماضي للإشارة إلى مخاوف الولايات المتحدة من عملية برّية إسرائيلية كانت تلوح في الأفق في رفح. وشملت الشحنة 3,500 قنبلة للطائرات المقاتلة، كثير منها قنابل ثقيلة تزن ألف طن تقريباً. ومنذ ذلك الحين، واجه بايدن ضغوطاً متزايدة من زملائه الديمقراطيين لقطع المساعدات العسكرية عن إسرائيل أو الاشتراط عليها تفادي وقوع الخسائر المدنية الفلسطينية، لكنّ بايدن قاوم تلك الضغوط، ورفض تعليق إرسال هذه المساعدات، بحسب ما ورد في موقع أكسيوس.
الغضب الأميركي من اتّهامات نتنياهو التي استند فيها إلى معلومات وزارة الدفاع الإسرائيلية كما قال لهوكستين عندما عاتبه يوم الثلاثاء الماضي، دفعت إدارة بايدن إلى إلغاء اللقاء الاستراتيجي بين الأميركيين والإسرائيليين لبحث مخاطر تطوير إيران مشروعها النووي، الذي التُقطت إشارات في آذار الماضي عن تطوّرات مقلقة فيه تتّصل بالتصنيع النووي العسكري بخلاف التطمينات الإيرانية على مدى سنوات، وذلك حسب ما جاء في صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية.
ضمّ الوفد الإسرائيلي مقرّبَيْن من نتنياهو هما وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ومستشار الأمن القومي تساحي هنغبي. وكان من المنتظر أن تكون هذه أوّل مناقشة رفيعة المستوى ومعمّقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول البرنامج النووي الإيراني منذ آذار 2023. ليس هذا فحسب، بل كان ديرمر وهنغبي يأملان أيضاً عقد اجتماع لأهداف التنمية المستدامة في إسرائيل، لكنّ المشروع لم يكتمل تحضيره بعد، كما يقول الأميركيون.
تأخير 50 “ F-15” عن إسرائيل
في إطار موازٍ، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أنّ البيت الأبيض لم يشرع بعد في بيع 50 طائرة مقاتلة من طراز F-15 على الرغم من دعم الكونغرس لمثل هذه الخطوة. وكان من المتوقّع أن تُخطر وزارة الخارجية الأميركية الكونغرس رسمياً ببيع الطائرات إلى إسرائيل. وقيمة الصفقة 18 مليار دولار بعدما أزال اثنان من كبار الديمقراطيين اعتراضاتهما الشهر الماضي. وأوحت وزارة الخارجية أنّ التأخير تقنيّ لا سياسي.
إلغاء الاجتماع المقرّر للتقويم الاستراتيجي للملفّ النووي الإيراني، وقع حين كان الوفد الإسرائيلي في طريقه إلى واشنطن، كما قال موقع أكسيوس. لذا تحوّلت طبيعة الاجتماع من المستوى الاستراتيجي المرتقب، إلى المستوى التكتيكي القلق، وبشأن قطاع غزة خاصة واحتمالات الحرب مع الحزب في لبنان.
في هذا الاتجاه، أورد تقرير لموقع “تايمز أوف إسرائيل” تفاصيل اللقاء وأجواءه المفعمة بالحيرة والقلق. ففي اجتماع الخميس الماضي الذي جمع هنغبي وديرمر مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، طغى إلى حدٍّ كبير الخلاف المستمرّ بين حكومتَيْهم الذي أثاره البيان المتلفز لنتنياهو. ولم يصدر البيت الأبيض ملخّصاً عن الاجتماع الذي عقده كبار مساعدي نتنياهو مع سوليفان. أمّا البيان الصادر عن وزارة الخارجية بعد اجتماعهما مع بلينكن فكان بمنزلة تكرار لنقاط الصفقة المنتظرة بين إسرائيل وحماس، مع التأكيد لضرورة اتّخاذ خطوات لرفع مستوى إرسال المساعدات إلى القطاع، ووضع خطّة لما بعد الحرب، في المجالات السياسية والحكومية والأمنيّة وإعادة الإعمار. وبشأن لبنان، أشار بلينكن إلى أهميّة تجنّب التصعيد في الجبهة مع لبنان، والتوصّل إلى حلّ دبلوماسي.
شروط بايدن لقتال الحزب؟
هل تمانع إدارة بايدن شنّ حرب محدودة على لبنان؟
بحسب شبكة “سي إن إن”، يُبدي مسؤولون أميركيون بالغ القلق من أنّ أنظمة الدفاع الجوّي الإسرائيلية، بما في ذلك القبّة الحديدية، ستغرق بموجة الصواريخ في حالة نشوب حرب شاملة مع الحزب. وقال ثلاثة مسؤولين أميركيين للشبكة الأميركية إنّ نظراءهم الإسرائيليين يشاركونهم هذه المخاوف، ويخطّطون لنقل أنظمة الدفاع الجوّي المنصوبة حول غزة إلى الشمال استعداداً لهجوم محتمل ضدّ الحزب، حيث تعتقد إسرائيل أنّه لا تزال لديها الموارد اللازمة لشنّ هذا الهجوم، خاصة عندما تُنهي هجومها في مدينة رفح جنوب غزة. لكنّ الولايات المتحدة تختلف مع إسرائيل في هذا التقدير العسكري للموقف الحالي والمستقبليّ، وترى أنّ رفض إسرائيل تقديم بديل قابل للتنفيذ من أجل استبدال حكومة حماس في القطاع، سيترك الجيش الإسرائيلي غارقاً هناك، وهو ما سيؤدّي إلى استنزاف الموارد التي سيحتاج إليها للقيام بحملة عسكرية بنجاح ضدّ الحزب.
الأخطر من ذلك، ما أوردته شبكة “سي إن إن” من أنّ المسؤولين الأميركيين في حديثهم مع نظرائهم الإسرائيليين لم يعارضوا صراحة هجوماً ضدّ الحزب. لكنّهم حذّروا من أنّ مثل هذا الهجوم قد يُفضي إلى صراع إقليمي أكبر بكثير تشارك فيه مباشرة إيران. المسؤولون الإسرائيليون أكّدوا من جهتهم أنّهم قد يشنّون هجوماً شبيهاً بالحرب الخاطفة، لكنّ المسؤولين الأميركيين أعربوا عن شكوكهم في إمكانية احتواء مثل هذا القتال، ومنعه من التوسّع سريعاً إلى حرب إقليمية.
هشام عليوان - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|