أول ظهور لمستشارة بشار الأسد بعد التنحي.. أين تعيش بثينة شعبان؟
بارولين لم يفشل ورسائل مناسبة في المكان المناسب
رغم طابعها الرعوي في الأساس، اتسمت زيارة أمين سر الفاتيكان الكاردينال بترو بارولين بأهمية خاصة في الشكل وفي المضمون، لجهة اللقاءات الكثيفة التي عقدها وشملت شريحة واسعة جداً من الشخصيات في العلن وفي السر، أو لجهة الرسائل المهمة والدقيقة التي وجّهها إلى مختلف الجهات على ضفتي الممانعة والمعارضة ولا سيما منها القيادات المسيحية.
وعلى أهمية المواقف التي أطلقها من عين التينة أو السرايا أو المطار، فهي لم تصل إلى وجهتها جيداً في ظل التفسيرات المختلفة التي أعطيت لها، ولا سيما تلك المتصلة بما أعلنه من عين التينة بعد لقائه رئيس المجلس نبيه بري حين قال إن الحل يبدأ هنا. وفُهم أو جرى التسويق له على أنه قبول بالحوار الذي دعا إليه بري وتعارضه اكثر من جهة مسيحية، ودعوة إلى المشاركة فيه. والواقع، على ما تقول مصادر سياسية واكبت الزيارة، أن ما قصده بارولين في حديثه عن الحل من عين التينة، يعني عملياً أن التعطيل منه أيضاً، إلى جانب ما يتحمله المسيحيون من مسؤولية في ذلك، فهو قال إن المشكلة هنا والحل هنا، في دعوة واضحة إلى فتح أبواب المجلس أمام انتخاب رئيس.
الأكيد حسب المصادر عينها، أن بارولين لم يتبنَّ مقترح الحوار ولم يدعُ الأطراف المعترضين إلى الموافقة والمشاركة انطلاقاً من معرفته بعدم دستورية مثل هذا الطرح. وهذا في حدّ ذاته يعطي دفعاً للمعارضين للتمسّك بموقفهم، علماً بأنه كان للمسيحيين أيضاً رسائل فاتيكانبة واضحة، عبّر عنها في لقاءاته غير المعلنة مع قطبين منهما. قال للأول إنه لا يمكن الاستمرار في التشجيع على الشغور الرئاسي، فيما نبّه الآخر بأن حلف الأقليات الذي يتمسّك به قد سقط!
ليست الزيارة تقليدية في توقيتها ورسائلها، كما تقول المصادر، نظراً إلى ما تعكسه من امتداد للاهتمام الفاتيكاني التاريخيّ بلبنان، وترتكز على دينامية ديبلوماسية صامتة ولكن فاعلة ينتهجها الكرسي الرسولي مع المجتمع الدولي. وجاءت تحت عناوين ثلاثة أساسية، تحفيز إنهاء الشغور الرئاسي، السعي لإبعاد شبح توسع الحرب، وتثبيت أهمية صون نموذج العيش المشترك كحالة حضارية يحتاج إليها العالم من باب تلاقي التعدديات الدينية والثقافية على قيم ومصالح مشتركة.
في قوله إن هوية لبنان هي الأساس، تعبير واضح عن الخطر الذي يتهدد الهوية اللبنانية، وترجمة لهواجس الكرسي الرسولي حيال هذا الموضوع، وهو يدرك أن هناك سعياً لتغيير هذه الهوية، إما بأيديولوجيات شمولية أو مسارات تقسيمية. وهو يدرك استطراداً أن هناك سعياً لضرب الدستور والدولة، وبالتالي الانقضاض على ما يحكم الصيغة والميثاق لمصلحة استبدالها بموازين قوى غير متكافئة. ولأن لبنان كما يراه الكرسي الرسولي أرض حرية وحوار، ووصفه الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي، فهو يرفض تحويله إلى منصّة لتصدير الأزمات، ما يدفعه إلى العمل على تثبيت معادلة رفض كل أنواع التطرّف، بل الانحياز إلى التزام الدستور والقرارات الدولية وتحقيق العدالة ولا سيما في تفجير مرفأ بيروت قبل أربعة أعوام.
كان واضحاً التركيز الإعلامي على اللقاء الذي انعقد في بكركي بدعوة من البطريرك مار بشارة الراعي، نظراً إلى أن الدعوة وجّهت إلى الأقطاب المسيحيين الأربعة ومراجع روحية من الطوائف الأخرى، ما حمّل اللقاء بعداً لم يكن مطلوباً أو مقصوداً، وأدّى إلى تفسيرات ملتبسة، ولا سيما في ما يتصل بالتمثيل المسيحي، حيث بدا كأن هناك مسعى فاتيكانياً لمصالحة مسيحية، فيما جاءت مفاجأة عدم مشاركة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى لتضفي جواً مشحوناً يعكس رفضاً شيعياً للتعاطي مع سيّد الصرح، ما انعكس سلباً على مهمة بارولين.
وفي المعلومات التي توافرت لـ"النهار" أن الموفد الرسولي رغب في أن يسعى لقاء بكركي إلى التأكيد أن للمرجعيات الروحية دوراً جامعاً، أحبطه غياب ممثلين عن المجلس الشيعي، فيما برز خطأ بكركي في حصر الدعوة بالأقطاب المسيحيين الأربعة الذين غاب منهم اثنان، ما عكس أيضاً الخلاف العميق على المستوى المسيحي، فيما الدعوة كان يُفترض أن تشمل كل القوى المسيحية، كما حصل عند التحضير لوثيقة بكركي "لبنان الأزمة والحلول" التي شملت مروحة واسعة من المشاركة المسيحية، ما أثار تساؤلات عمن يقف وراء هذه الدعوة واستدراج بكركي إلى هذا الخطأ، علماً بأن بارولين سأل بإلحاح عن مصير الوثيقة وأين أصبحت، في ترجمة لمدى أهمّيتها بالنسبة إلى الفاتيكان كوثيقة وطنية جامعة.
في الخلاصة، تقول المصادر إن الأوساط اللبنانية قللت من أهمية الزيارة، وسعت إلى تحجيم نتائجها، أو حتى تفشيلها، نظراً إلى كونها لا تلتقي مع الأجندات المختلفة لدى القوى السياسية، وكانت لهجة بارولين قاسية وحادة تعبّر عن مدى فهمه لواقع الأمور، وامتعاضه من طريقة التعاطي الحاصلة معها.
لكن هذا لا يعكس حقيقة الواقع، الذي أحسن في وصفه النائب مروان حمادة عندما دعا إلى التمعّن جيداً في ما طرحه المبعوث الفاتيكاني، وهو يمثل البابا فرنسيس، ملاحظاً أن كلامه أهم من كل المبادرات المطروحة. ولدى سؤاله عما قصده في هذا الكلام، قال حمادة إن كلام الموفد البابوي يحمل الكثير من الوزن الذي يفوق كل محاولات تقريب وجهات النظر الأخرى، لأنه قارب الأمور من منظار عابر لكل الطروحات، مقدماً توازناً كاملاً من حيث وضع الأمور في نصابها لدى كل فريق من الأفرقاء، إذ قال ما يجب أن يقوله في عين التينة محمّلاً الرئيس بري مسؤولية مزدوجة، وعتباً مغلفاً بالدور المطلوب من رئيس المجلس لفتح أبوابه أمام عملية الانتخاب.
لم تكن رسائل بارولين فاتيكانية حصراً، بل عكست مناخاً دولياً تدركه الديبلوماسية الصامتة للكرسي الرسولي في علاقاته واتصالاته بأصدقائه الدوليين. لم يخرج بارولين عن ثوابت البابا ورسالته، التي هي عملياً رسالة لبنان، لم يبرر الثنائي الشيعي من مسؤولية التعطيل، وقد تلقفها الأخير عبر استهداف بكركي في عدم المشاركة في اللقاء الجامع، فأصاب البطريرك كونه لا يريد الإصابة المباشرة للفاتيكان.
"النهار"- سابين عويس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|