سرقا سيّارة أحد المواطنين الشهداء يوم تشييعه.. عصابة وقعت في قبضة المعلومات
سُنّة لبنان “تغويهم” الحرب… على المفتي أن يتدخّل
تشهد الساحة اللبنانية اندفاعاً من بعض شبّان السنّة للمشاركة في الحرب التي تشنّها حماس والحزب على إسرائيل. وقد تحمّست أخيراً بعض الشخصيات الدينية السنّية للأمر نفسه. وكاتب المقال يحذّر من استتباعٍ وأخطار على فكرة الدولة في لبنان، ويدعو مفتي الجمهورية إلى ضبط الجهاز الديني للحيلولة دون الاستتباع والمزيد من الخسائر الوطنية والعربية.
أذكر أنّه في عام 2002 أو 2003 بلغ الرئيس رفيق الحريري أنّ جندياً في الجيش من عكار تعرّض للتحقيق لأنّه حرّض زملاءه على ترك الجيش لأنّ في الانتماء إليه معصية. في التحقيق قال العسكري إنّه سمع هذا الحكم من إمام المسجد بقريته باعتبار أنّ الدولة اللبنانية وأجهزتها كافّة غير شرعية لأنّ رئيس النظام غير مسلم!
ارتاع الرئيس الحريري ودعا مشايخ عكار إلى اجتماعٍ في قريطم وقال لهم: “أرى أنّ هناك مشكلتين لا بدّ من معالجتهما بصراحة: علاقتنا نحن المسلمين بمواطنينا الآخرين، وعلاقتنا بالدولة اللبنانية. فقد عشنا مع المسيحيين قروناً وقروناً فما عدا ممّا بدا حتى يصبح العيش معهم غير شرعي؟ أمّا الدولة اللبنانية فهي دولتنا وقد شاركنا في صنع استقلالها وإدارتها وما نزال. لا مجال لمصطلحات الكفر والإيمان في علاقتنا بالمسيحيين ولا في علاقتنا بالدولة اللبنانية. تذكرون موقفي في أحداث الضنّية وما يزال ذلك هو موقفي حتى اليوم: الجيش جيشنا والدولة دولتنا وليس لنا غير هذا الجيش وهذه الدولة”.
السُّنّة ظلّوا خلف الدّولة في الحرب
منذ السبعينيات من القرن الماضي تصاعد الخلاف في مسألة ومعنى الولاء للدولة في ظلّ الوجود الفلسطيني المسلَّح، وظهرت حزبيّات ضدّ الجيش باعتباره موالياً للفريق المسيحي. بينما كان المسلمون (سنّة وشيعةً ودروزاً) يقفون إلى جانب المقاومة الفلسطينية. لكن عندما تدخّل السوريون في لبنان وبدأ الإيرانيون يتدخّلون بإنشاء الحزب، صارت هناك بدائل عندهم للجيش الذي منعوه من دخول الجنوب.
في حين ثبت السنّة من وراء الجيش والدولة، وجعلوا علائقهم بالقضية الفلسطينية تابعةً لقرارات الجامعة العربية والنظام الدولي. في حين طوّر الحزب نشاطه في شعبتين:
– شعبة السيطرة على النظام السياسي، واختراق كلّ المؤسّسات.
– وشعبة تحرير الأرض في الجنوب تارة أو تحرير فلسطين تارةً أخرى!
إذا كان يحتجّ في تحرير الأرض بأنّها لبنانية وأنّها محتلّة، فإنّه في المهمة الأشمل يتوكّل عن إيران ويصارع العرب في حجّية الكفاح المسلَّح. وصار القرار الإيراني استراتيجيّاً عندما قرّروا مع بشار الأسد إنهاء رجال لبنان والعرب الكبار وقُتل الحريري وآخرون كثيرون بهدف السيطرة ليعلنوا عام 2013 أنّهم يسيطرون على أربع عواصم تاريخية عربية: بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء.
لماذا هذه الدّورة الطويلة؟
لأنّنا نشهد موجةً ثانيةً أو جائحة ثانية. والفرق بينها وبين جائحة عام 2006 بالنسبة للبنان وفلسطين أمران:
1- أنّ الحزب لا يقاتل بنفسه هذه المرّة بل يقاتل تنظيم فلسطيني في غزة ويسانده الحزب والحوثيون لتظلّ إيران حاضرةً بنفسها.
2- والأمر الثاني أنّ الحزب أشرك معه في الاشتباك مع إسرائيل من جنوب لبنان تنظيم الجماعة الإسلامية السنّي الذي فقد بعض كوادره مع حماس لكنْ من لبنان!
لا أريد المجادلة من جديد في فائدة الحرب أو عدالة القتال فهذا جدالٌ يطول. لكنّني أريد الإشارة إلى المفارقة المتمثّلة في الفرق بين تعاطف شبّان السنّة مع الثورة السورية عام 2011 وإقدام الحزب وأجهزة الدولة على مطاردتهم وقتلهم وسجنهم. وقد قتل الحزب عشرات الألوف من السوريين وما يزال يحتلّ أراضيهم، وهو الآن يحتضن شبّاناً من السنّة ويسلّحهم ليقوموا بعمليات هامشية لا ينجحون فيها غالباً وتؤدّي لقتلهم من جانب العدوّ الإسرائيلي.
ميليشيات إيران… لمصالح إيران
إنّ الخلاصة أنّ كلّ عمليات الميليشيات الإيرانية في المنطقة ومنها الحزب المسلَّح ولو ضدّ إسرائيل فهي لمصلحة إيران وبتوجيهها، وبينهم وبين الأميركيين (وحتى الإسرائيليين) مساومات وقواعد اشتباك، لأنّ “النزاع” مع أميركا ينحصر في “حصّة إيران في المنطقة”، كما قال أحد الوزراء الإيرانيين أخيراً.
إذا كان الهدف تحرير فلسطين أو حتى مقاومة إسرائيل فلا ينبغي الاغترار بالعمل تحت قيادة الحزب أو بتوجيهه. الحماسة لفلسطين مبرَّرة، لكنّ التجربة مع هؤلاء أنّهم لا يعملون من أجل فلسطين بل من أجل إيران. لقد بلغت الحماسة لفلسطين لدى شباب السنّة أن اندفعوا للانضمام إلى “قوات الفجر” التابعة للجماعة الإسلامية والتي تعمل مع الحماسيّين من لبنان تحت إشراف الحزب، مع أنّ الجميع يعرفون أنّ المفاوضات الجارية ستؤدّي إلى وقف الحرب، وسيساوم أو يساوم الإيرانيون والحزب اليوم على الشروط والمكاسب، على “الحصّة” كما قالوا. وإلى ذلك لنسمع كلام خالد مشعل القيادي الحمساويّ عن أنّ الحرب يستفيد منها الإيرانيون وليس القضية الفلسطينية.
خطورة “ثوران” المشايخ
لقد روّعني ثوران المشايخ المفروض أنّهم أكثر حرصاً على أرواح الناس وأكثر وعياً بالخلفيّات. مفتي زحلة والبقاع يخطب حاملاً رشّاشاً، والآخر يشتم العرب ويفضّل عليهم الإيرانيين، وثالث يعتبر الحزب قدس الأقداس. الحماسة من أجل فلسطين والغضب لما يحدث بغزّة كلّ ذلك مفهوم. لكنّ غير المفهوم الحماسة لبندقيّتهم التي وُجّهت إلى صدورنا في لبنان وسورية عشرات بل مئات المرّات.
لهذه الهيصة عواقب جمّة في الاجتماع والسياسة. أولى العواقب أو الوقائع المشاركة في حربٍ لا ناقة لنا فيها ولا جمل بالفعل. ولا مرّة حرّر هؤلاء شبراً، ولا مرّة حفظوا أرواحنا أو دماءنا. ولا مرّة توقّفوا عن نشر الفتنة. هم يضحكون علينا في القرى ببعض المساعدات، لكنّهم هم السبب في الدمار الذي أصاب المرافق. والذي يحسن إليك اليوم يمكن أن يضربك غداً إذا يئس من دعمك وتأييدك.
وإلى هذا وذاك لدينا العلاقة بالآخر الوطني الذي ذكره الرئيس رفيق الحريري في كلامه إلى مشايخ عكار منذ أكثر من عشرين عاماً. هذا الآخر ينظر الآن إلى التبدّل الحاصل في سلوكنا ويقول لنا: مرّة مع ياسر عرفات، ومرّة مع حافظ الأسد، والآن مع نصر الله، فمتى مع لبنان؟! لبنان الدولة والجيش والمؤسّسات والسلم الأهلي.
على المفتي أن يتدخّل
على سماحة مفتي الجمهورية مسؤولية كبرى وبمقتضاها عليه أن يدعو المشايخ إلى التعقّل وعدم المغامرة في الدين.. وفي الدولة. دولتنا هي الدولة المدنية، ودولتهم دولة ولاية الفقيه المذهبية. هم لا ييأسون لأنّ معظم اللبنانيين ضدّهم. فمعظم السوريين ضدّ بشار الأسد وما يزال يحكم بعد خمسةٍ وعشرين عاماً، وقد حكم والده من قبل ثلاثين عاماً، وهذا زمانٌ لا تطمح إلى بلوغه الميليشيات ولا ولاية الفقيه.
سيستخدم الحزب هذه الاندفاعة في استحداث النصر الإلهي الثاني وفي المجيء بسليمان فرنجية رئيساً للجمهورية كما فعل مع ميشال عون.
حرب الحزب في الجنوب ليست حرب تحرير ولا حتى حرب تبرير. هي شاهد على الوجود الإيراني المستمرّ وعلى نهايات الدولة اللبنانية.
لذلك على سماحة مفتي الجمهورية اللبنانية أن ينهض لضبط المشايخ، وأن يتوجّه إلى الجمهور السنّي واللبناني بأن لا مصلحة لنا ولا لفلسطين في هذه الحرب. وإن لم يفعل فهو لا يؤدّي واجبه في صَون الأرواح، وفي منع الفتنة، ومنع استتباع السنّة، وفي البقاء مع لبنان وحكومته وجيشه.
لا نريد استعادة السبعينيات، كما لا نريد استعادة الحرب السورية، نريد أن تبقى أرواحنا وعقولنا ودولتنا والشراكة الوطنية التي يريد الإيرانيون تضييعها كما حصل في العراق وسورية واليمن.. ويحصل في لبنان.
يا سماحة مفتي الجمهورية عليك يا سيّدي القيام بمسؤوليّاتك تجاه جهازك الديني على الأقلّ.
سماحة المفتي لا يستطيع حلَّ المشكل الذي وقع فيه السنّة. أصلاً قتلوا رفيق الحريري من أجل استتباع السنّة. وما استطاعوا ذلك على الرغم من غياب الزعامات الجادّة، وإنّما استتبعوا جماعات من المسلمين والمسيحيين. لكنّ هذه الموجة خطرة لأنّها تتلاعب بالعواطف والسخط لما يحدث بغزة، ولا يغيب إنفاق المال وتسليط السلاح. فيحتاج الأمر إلى عدّة جهات إسلامية ولبنانية وعربية. لكنّ المراد من سماحة المفتي أن يضبط جهازه، وأن يتوجّه إلى الجمهور من أجل الهدوء والتعقّل.
أعرف بكر الرفاعي منذ زمن طويل وما فوجئت به لكنّني فوجئت بالفعل بعلي الغزّاوي. فلنعد إلى أمانتنا لوطننا ولأخلاقنا ولقضايانا التي لا ينبغي أن يستلبها منّا غيرنا بحجّة أنّهم أكثر حرصاً، كما كان الشأن مع حافظ الأسد وبشار الأسد واليوم مع إيران.
رضوان السيد - اساس ميديا
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|