قانون النظم الغذائية حاجة ملحّة: ما موانع إقراره في مجلس النواب؟

تحتاج الجهود الجبارة التي تبذلها النائبة عناية عزالدين بصفتها المنسقة الوطنية للنظم الغذائية، إلى طبقة حاكمة جديدة، نزيهة وغير طائفية، عادلة بين أبنائها، مختلفة عن مسارها الحالي لنصل فعلياً إلى سنّ اقتراح قانون هو جزء من منظومة الحوكمة، وقد يمهد لطرح تشكيل مجلس وطني للنظم الغذائية.
لا أحد يشك في دينامية عزالدين ومهنيتها العلمية والبحثية، وقد كنات لها حوارات وطنية مكثفة مع الجهات المعنية بهذا التحول، رغم أننا نعي أهمية القرار السياسي ورفع الغطاء عن المخلّين بالأمن الغذائي.

تستوقفنا الذاكرة عند ما حاول القيام به وزير الصحة الأسبق وائل أبو فاعور من خلال منظومة فحص الطعام ومشتقاته ووضعه في خانة "المطابق" و"غير المطابق"، والذي لم يصل إلى خواتيم سعيدة في تصويب سلامة الغذاء وضمان استمرارية الحملة التوعوية بعد مغادرة أبو فاعور الوزارة.

تتطلع عزالدين في دورها التطوعي منسقةً وطنيةً لتحول النظم الغذائية، ومن خلال هذا المفهوم الذي برز أكثر من أي وقت مضى بعد قمة التنمية المستدامة في أيلول 2020 في نيويورك، إلى العمل المضني للدفع في اتجاه عدم تغييب لبنان عن هذا المسار، أي الأمن الغذائي، وهو من اهتمامات عزالدين وأولوياتها، وذلك إيماناً منها بأنه أحد المداخل الرئيسية لتحقيق العدالة الاجتماعية.

قد يستغرب القارىء إثارة هذا الموضوع في زمن لبنان المأزوم. لكن عزالدين تضع من خلال عملها العلمي والوثيقة اللبنانية لمسار التحول في النظم الغذائية، والقوانين المقترحة لتشريع هذا المسار "البنى التحتية" لمستقبل بلد يعتمد فيه المواطن، وفق ما ذكرت لـ"النهار"، على الإنتاج المستورد في توفير غذائه بنسبة تصل إلى 80 في المئة، فيما لا تتعدى السلع المنتجة المحلية له نسبة الـ20 في المئة.

اعتبرت عزالدين أن الأمن الغذائي واستقرار نظمه لا يرتبط بقطاع محدد في الدولة، بل يتفرع الى أهمية التشبيك بين وزارات عدة كالمالية والاقتصاد والبيئة والزراعة والنقل، ويواءم بين السياسات الاجتماعية ومفهوم الاستدامة وإدارة الموارد، مشيرة الى أن كل بلد ملزم الإشراف على هذا التحول الذي أثارته محافل الأمم المتحدة عام 2021، بهدف حض الدول على السعي إلى التحول من الأمن الغذائي إلى النظم الغذائية المستدامة والمرنة والشاملة.

رغم المنطق الزبائني والعشائري والمناطقي والطائفي، تمسكت عز الدين بإعداد مسح شامل لهذا الطرح وفتح مسارات بين القطاعين الرسمي والخاص، وجمع الدراسات المعدة في هذا السياق من الوزارات المعنية، ومنها الصحة والزراعة وسواهما، لتتبين الحاجة الماسة إلى توازن بين الإنتاج والاستهلاك والسعي الدؤوب الى الانتقال لعمل جماعي أكثر فاعلية من أي مبادرة فردية، رغم أهميتها، من أي مؤسسة حكومية أو من مجتمع مدني.

توقفت عند مضمون الوثيقة الوطنية لمسار التحول في النظم الغذائية وإعادة بنائه بمسار أفصل نحو التعافي، وذلك بتعاون وثيق مع منظمة "الأسكوا" ومنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، شارحة مقدمة الوثيقة التواقة إلى نظام غذائي مستدام وقادر على امتصاص الصدمات، مع ما رافق ذلك من أهداف وطريقة عمل لهذه الوثيقة ومصادر المعلومات المستقاة والإطار التحليلي للسياسات التشريعية للأمن الغذائي.

وأوضحت أن الأمن الغذائي هو أحد مخرجات النظم الغذائية، تُضاف إليه مخرجات بيئية واقتصادية واجتماعية.
عددت المسارات في الوثيقة، ومنها مسار رابع تواق الى تشجيع أساليب عيش منصفة للفئات المهمشة، ومنها ما قامت به منظمة "الاسكوا"، ووزارة الشؤون الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني المحلية والدولية، مع تشديدها على نقاط عدة تلحظ مؤشرات مهمة كتأمين الغذاء ودعم المنتج المحلي وتحديد تفاصيل الغذاء الصحي للأطفال والرضاعة الطبيعية، وصولاً إلى تعزيز الحلول الصديقة للبيئة والإنتاج، وتحديد أي أنواع من الطعام تعكس ارتباطه بالتغيير المناخي، مروراً بتطوير أساليب العيش للجميع وتعزيز قوة المجتمعات الريفية كما في العاصمة بيروت.

قد تكون طبيعة عمل عزالدين العلمي بامتياز مدخلاً للنهوض بهذه السياسات، شرط أن تتغير الوجوه التي ساهمت في انهيار مؤسسات الدولة، بعدما انتقلت من وراء المربض إلى ترؤس وزارات وزرع أزلامها وأقربائها في الوظائف السيادية خدمة للزعيم.

في مجلس النواب اقتراح قانون للنظم الغذائية، إن درسته اللجان المشتركة، فلن يمر ما لم يمر قانون آخر لمصلحة الجهة السياسية المقابلة لمن يعنيه هذا الموضوع، وذلك من أجل مصلحة الزعيم وحزبه.

"النهار"-روزيت فاضل