الصحافة

مَن المسؤول عن صاروخ مجدل شمس؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

منذ أن بدأت الحرب على غزة في السابع من أكتوبر، قرر «حزب الله» الدخول في غمارها في اليوم التالي بضرب أهداف إسرائيلية عسكرية. وقد حرص الطرفان المتحاربان على الحفاظ على قواعد اشتباك تحيّد قدر المستطاع إصابة المدنيين أو استهدافهم.

إلا أن عدد المدنيين اللبنانيين الذين استهدفتهم إسرائيل أكبر بكثير من أولئك الذين سقطوا بنيران «حزب الله» الذي نجح في اشتباكات عدة على إجبار إسرائيل على العودة إلى قواعد الاشتباك وحصْر المعركة بأهداف عسكرية فقط لمنْع اتساع المعركة خصوصاً بعدما أثبتت تل أبيب عدم اكتراثها لقتل عشرات الآلاف من المدنيين في غزة بسبب غياب المحاسبة الدولية. فمَن هو المسؤول إذاً عن الصاروخ الذي سقط على مجدل شمس في الجولان المحتل وكيف أحْرج ذلك قيادة إسرائيل؟

تُعتبر مجدل شمس أكبر قرية درزية في مرتفعات الجولان بسكانها الذين يبلغون نحو 12.000 نسمة. وهي منطقة كانت تقع تحت سيطرة الدولة السورية ولعبتْ دوراً مهماً في الثورة السورية ضد الانتداب الفرنسي عام 1920 ويتفرّع سكانُها في سورية ولبنان. واستولت إسرائيل عليها خلال حرب الأيام الستة وضمّتْها إليها عام 1981. إلا أن سكانها رفضوا عرض الانضمام وحافظوا على هويتهم السورية وانتمائهم العروبي حتى عام 2011.

فقد دفعت الحرب السورية سكان مجدل شمس للحصول على الجنسية الإسرائيلية والوصول إلى فرص اقتصادية ودخول الجامعات والمدارس وكذلك الالتحاق بصفوف الجيش (46 في المئة من المطلوبين للخدمة العسكرية التحقوا بينما رفض 54 في المئة منهم الخدمة العسكرية).

إلا أن سقوط الصاروخ في القرية لا علاقة له بالانتماء الروحي أو السياسي لأن «حزب الله» يملك آلاف الأهداف في القرى المحتلة التي يسكنها مستوطنون صهاينة في القرى المحاذية للحدود اللبنانية.

وقد سارعت إسرائيل، أثناء وجود رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو في واشنطن إلى الإعلان المتسرّع عن مسؤولية «حزب الله» عن إطلاق صاروخ حددته بنوع «فلق» بزنة 50 كيلوغراماً وزعمت أنه سقط على مجدل شمس وتسبّب بمقتل 12 شخصاً بينهم أطفال.

ورفضتْ إسرائيل دعوةً غربية لإجراء تحقيق بشأن هوية الصاروخ لتحديد الجهة المسؤولة عن إطلاقه ونوعيته. وأظهرت الصور التي وُزعت من مكان الحادث معلوماتٍ مهمةً تسمح للخبراء بتحديد كمية المتفجرات التقريبية، خصوصاً أن تل أبيب لم تسلّم صوراً متعلقة بالتفاصيل التي وُجدت في ساحة الحادث بل عرضت صوراً لصاروخ فلق وبقاياه خارج موقع الانفجار.

ويعرف الخبراء أن انفجار صاروخ برأس حربي زنة 50 كيلوغراماً يسبب عواقب وأضراراً جسدية ومادية وخيمة ويترك وراءه بقايا واضحة. إذ يوجِد حفرةً يراوح قطرها من 4 إلى 6 أمتار وعمق 1.5 إلى 3 أمتار بحسب نوعية التربة والسطح. ويكون شكل الحفرة عادة دائرياً مع انحدار الحواف إلى الداخل باتجاه نقطة التفجير.

ويولد الانفجار موجةً قوية تشع إلى الخارج ما يتسبب بأضرار أولية للهياكل والمركبات القريبة ولعدد كبير من الأفراد في شكل عنيف جداً، ويستطيع هدم جدران وقلب مركبات في دائرة قطرها كبير وواسع، وكذلك تفعل الشظايا من أحجام كبيرة وصغيرة التي تنتشر في دائرة واسعة لتسبّب أضراراً ثانوية.

ويمكن العثور على أنظمة دفع ومحرّك إذا كان الصاروخ يعمل بالوقود السائل أو الصلب. وكذلك يُعثر على وقود غير محترق حول موقع التأثير. ويمكن إيجاد قطع كاملة من الزعانف قرب موقع الانفجار غالباً ما تكون منحنية أو مكسورة بسبب الاصطدام. ويتم اكتشاف أنظمة التوجيه ولوحات الدوائر وأجهزة الاستشعار في الحُطام حتى ولو كانت تالفة أو مجزأة.

أما الصاروخ الاعتراضي الإسرائيلي (مثل صاروخ تامير) فهو يتسبب بحفرة صغيرة قطرها نحو مترين إلى 4 أمتار إذا انفجر على الأرض مباشرةً بسبب عطل في لوحة التوجيه أو خلل كما حدث في عشرات المرات في السابق في منظومة الاعتراض الإسرائيلية. ويمكن أن يراوح عمق الانفجار بين متر واحد أو أكثر بقليل لأنه يحمل زنة لا تتعدى 11 كيلوغراماً من المتفجرات، وقد تم تصميم الرأس الحربي لإنتاج شظايا تنتشر بسرعة، وهذا الصاروخ الذي يتسبب بأضرار محدودة القطر، يترك بقايا مثل غلاف المحرك ووقود غير محترق وأجهزة اعتراضية ونظام التوجيه وشظايا متشتة ودمار أقل حدة من ذلك الناجم عن رأس حربي أكبر.

وبعد مشاهدة موقع الانفجار من الصور المتاحة، فإن قطر مكان الصدمة غير دائري ولا يتعدى متراً واحداً. وقد تسبب بقتل 12 شخصاً من دون تمزيق أجسادهم، ودمّر سياجاً حديدياً واحداً وأبقى على بقية السياج في مكانه والذي يبعد متراً واحداً عن موقع الانفجار. بالإضافة إلى ذلك، عرضت إسرائيل صورة للصاروخ مثلما هو موجود على المواقع المتاحة قبل انفجاره وكذلك أجزاء متفجّرة للصاروخ نفسه (فلق) ولكن خارج أرض الانفجار من دون الإشارة إلى موقع الحصول على بقايا الصاروخ. وكان «حزب الله» قد أطلق العشرات من هذا النوع من الصواريخ التي يملكها ضد مواقع عسكرية عدة في الأشهر التسعة الماضية.

وبدهيّ في عمل أي فريق جنائي شرعي أن يقوم، قبل البدء بالتحقيق، بتصوير كل صغيرة أو كبيرة في مكان الحادث وجمْع جميع الأدلة بتفاصيلها بعد تصويرها في مكانها الأوّلي لمنع اتلاف الأدلة كما وجدها. وهذا ما رفضت إسرائيل تقديمه عند مطالبتها بإجراء تحقيق مستقل دولي في الحادث بسبب عدم اقتناع جهات عدة حليفة لإسرائيل بادعائها بمسؤولية طرف ثانٍ.

ومما لا شك فيه أن اتهام «حزب الله» يُحْرِج رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي عاد بسرعة إلى تل أبيب والذي عمل على لملمة الأمر بمنْع المجلس الوزاري المصغر الذي يقرّر أمر الحرب من عدمها من اتخاذ أي قرار من دونه. بل جَعَلَ القرار بيده، هو الذي يخشى التورط في حرب مع لبنان يجهل نتائجها وإلى أين ستؤدي به.

وبمجرد احتفاظه بقرار الحرب من عدمه وكيفية «الرد»، هذا يعني ان نتنياهو يبتعد عما يدفعه إليه حلفاؤه داخل حكومته المتطرفة مثل وزير الأمن ايتمار بن غفير أو وزير المال بتسلئيل سموتريش وكذلك وزير الدفاع يوآف غالانت الموالي لأميركا والذي يدرك ان من الممكن أن يخسر مكانه لجدعون ساعير كما سرّب مقربون من نتنياهو في الأيام الماضية.

وعند وصوله إلى إسرائيل، لم يجتمع نتنياهو بحكومة الحرب المصغرة بل بالأجهزة الأمنية للوقوف على حقيقة وتفاصيل ما حدث في مجدل شمس. ويدلّ الاحتفاظ بقرار الحرب وحجم الاستهداف المزمع ضد لبنان على نيةٍ بمحدودية التصعيد وعلى بحْث نتنياهو عن طريق للخروج بأقلّ أضرار ممكنة من حرب لا يرغب بها ولا بتوسعتها لعجزه عن تحقيق أي هدف يرغب به أو التنبؤ بنتائج حرب مدمّرة ولا يستطيع وقفها حين يشاء وتدفعه بعيداً عن غزة.

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا

فيديو إعلاني