عربي ودولي

مجدل شمس…هديّة لنتنياهو ونموذج “للخطأ غير المحسوب”

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

وليد شقير - أساس ميديا

القصف على بلدة مجدل شمس في الجولان السوري المحتلّ الذي أصاب مدنيين وأطفالاً، نموذج صافٍ لـ“الخطأ غير المحسوب“. 

دأب الدبلوماسيون والوسطاء الأجانب على تأكيد إمكانية ضبط الجبهة الشمالية لإسرائيل بناء على اتّصالاتهم مع المسؤولين الإسرائيليين والحزب. لكنّهم كانوا منذ بدء الحزب لـ”حرب إسناد غزة”، يستدركون محذّرين من وقوع خطأ في الحسابات يصعب على الوساطات لملمة تداعياته.

أسفرت اتصالات ليل السبت الأحد عن النتيجة التالية: لا يمكن لإسرائيل إلا أن تردّ مدّعية حماية الجولان السوري المحتلّ منذ حرب 1967، والذي أعلنت ضمّه عام 1981. لكنّ الشغل الشاغل للاتصالات الأميركية مع إسرائيل ولبنان ودول أخرى والأمم المتحدة وقوات “اليونيفيل” تركّزت على ضبط سقف الردّ. هذا ما قام به مستشار الرئيس الأميركي آموس هوكستين، وكذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مع رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو. وشملت الاتصالات بطبيعة الحال الحزب كي يكون ردّه المحتمل على ردّ إسرائيل محدوداً، للحؤول دون حرب واسعة. وتولّى هذه المهمّة ممثّلو الأمم المتحدة في بيروت، والجانب الفرنسي الذي يحتفظ بصلة روتينية مع الحزب.

هديّة لنتنياهو؟

سرعان ما انخفضت لهجة التصعيد الإسرائيلية بين السبت والأحد، من التهديد “بتدمير بيروت”، إلى حديث عن توجيه ضربة “مؤذية” للحزب لا تقود إلى حرب شاملة. من ناحية الأخير، كان نفيه مسؤوليّته عن إطلاق الصاروخ على مجدل شمس إشارة إلى رغبته بعدم التصعيد. وعلى الرغم من التحذير الإيراني لإسرائيل “من أيّ مغامرة في لبنان”، غضّ الحزب النظر عن تسريب أنباء حول إخلائه مواقع في الجنوب والبقاع. وجد العديد من المراقبين في ذلك دعوة مبطّنة لإسرائيل إلى قصف هذه المواقع، بحيث يجري تبريد العقول الحامية في الجيش والحكومة.

في هذا السياق ثمّة من تساءل: لماذا ينتقم نتنياهو وجيشه بقوّة إذا كان المدنيون القتلى من غير اليهود، بل من دروز بلدة رفض أهاليها الجنسية الإسرائيلية؟ فمجدل شمس لها سمعة مقاوِمة للاحتلال. ومنها انطلقت انتفاضة الجولان الشهيرة عام 1985 ضدّ الاحتلال بقيادة رموز من عائلات معروفة بعروبتها وانتماءاتها. وأبرز هؤلاء الرموز من عائلة أبو صالح التي سقط منها أربعة من الأطفال في قصف البلدة.

بصرف النظر عن اتّهام الحزب بالعملية ونفيه التهمة، فإنّ قصف الملعب كان هديّة لبنيامين نتنياهو بعد النتائج الملتبسة لزيارته واشنطن. فهناك نال تصفيقاً غير مسبوق على حربه ضدّ غزة بترتيب من اللوبي الصهيوني. لكنّه خضع لضغوط من جو بايدن كي يوافق على صفقة الهدنة، وكذلك خضع لإدانة من المرشّحة الرئاسية عن الحزب الديمقراطي نائبة الرئيس جو بايدن كامالا هاريس للمجازر التي يتعرّض لها القطاع. حتى صديقه دونالد ترامب دعاه إلى وقف الحرب ولو لأسباب مختلفة تتعلّق بـ”العلاقات العامّة” للدولة العبرية.

رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي يجيد الهرب من الاستحقاقات، وجد في قصف مجدل شمس ضالّته. وبتركيز الأنظار الدولية على تفاعلاته السياسية والعسكرية حوّلَ، مع متطرّفي حكومته، مجرى الأحداث نحو مزيد من الإلهاء عن هدنة غزة، لأيّام إضافية.

استيعاب جنبلاط لفتنة درزيّة شيعيّة

لكنّ هناك جانباً آخر من واقعة مجدل شمس استدعى جهداً واسعاً لاستيعاب حصيلتها البشعة بمقتل 12 طفلاً وفتى. وكان للزعيم الدرزي وليد جنبلاط دورٌ رئيسي في خفض منسوب المخاوف من فتنة درزية شيعية بحكم تركيز إسرائيل والتأكيد الأميركي على أنّ الحزب مصدر الصاروخ. فجنبلاط الذي كلمته مسموعة في الوسط الدرزي في الجولان، أخذ على عاتقه نفي أن يكون الحزب وراء إطلاق الصاروخ. وهو وصف اتّهام إسرائيل بالكاذب.

دأب جنبلاط في الأشهر الماضية على التضامن مع غزة، والدفاع عن قتال الحزب في الجنوب، للحؤول دون نجاح إسرائيل في استغلال علاقتها مع جزء من دروز إسرائيل. وكان همّه إفشال ما يعتبره نوايا نتنياهو إحداث شرخ درزي سنّي في فلسطين وسوريا والأردن، أو درزي شيعي في لبنان. ولذلك انتقد استقبال شيخ العقل الدرزي، موفق طريف، لنتنياهو قبل أسبوعين. وفي كلّ الأحوال فإنّ الوزراء الإسرائيليين الذين حضروا جنازات الضحايا تعرّضوا لردود فعل غاضبة من الجمهور الدرزي. كذلك زار نتنياهو الأهالي لكنّهم رفضوا استقباله.

لكن بموازاة تقدير القيادة الشيعية لموقفه في واقعة مجدل شمس استغلّ جنبلاط الفرصة للدعوة مجدّداً إلى وقف إطلاق النار في غزة والجنوب. وكان لافتاً تعليقه الآمال على دور صديقه رئيس البرلمان نبيه بري في هذا الصدد. فكلاهما لا يريدان للحرب في الجنوب، التي انطلقت بقرار إيراني، أن تستمرّ، نظراً إلى الخسائر التي أنتجتها والخطورة التي تنطوي عليها.

تزخيم جهود وقف النّار؟

هل تزخّم تلك الواقعة وأبعادها جهود وقف النار في غزة والجنوب، لأنّها النموذج الصافي عن “الخطأ غير المحسوب” الذي يقود إلى توسّع الحرب، فإمكانية تكرار الخطأ واردة في أيّ لحظة؟

هل الاستجابة ولو الشكلية للحكومة لمطالبة واشنطن لها بـ”كبح الحزب” كما قال وزير الخارجية عبد الله بوحبيب، مؤشّر إلى ذلك؟ فللمرّة الأولى يعقد بوحبيب اجتماعاً علنيّاً مع مسؤول قيادي في الحزب (عمّار الموسوي) لبحث مسألة خفض التصعيد جنوباً.

كما أنّه كان لافتاً أنّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بحث في حديثه مع نتنياهو “جهود التوصّل لحلّ دبلوماسي يسمح للمواطنين على جانبي الحدود الإسرائيلية واللبنانية بالعودة إلى منازلهم وتطبيق القرار الدولي الرقم 1701”.

لا استعداد إسرائيليّاً للحرب

قبل ساعات قليلة من سقوط الصاروخ الذي أصاب فتية في ملعب رياضي في مجدل شمس، كان بعض الدبلوماسيين يستبعدون شنّ إسرائيل حرباً شاملة ضدّ الحزب للأسباب التالية:

1- التقارير الواردة من بعض وحدات القوات الدولية في الجنوب تفيد بأنّ تموضع القوات الإسرائيلية في الشمال لا يدلّ على أنّها تستعدّ للحرب. فعديد الجيش ما زال منخفضاً قياساً إلى الحشد المنطقي لخوض حرب.

2- الجيش الإسرائيلي لا يمكنه خوض الحرب على جبهتين، في غزة وجنوب لبنان، في وقت واحد. يتطلّب الأمر تحريك وحدات من القطاع إلى الشمال، في وقت ما زال يخوض معارك عنيفة هناك.

3- المسؤولون الإسرائيليون يكرّرون في اللقاءات معهم العبارة نفسها التي ردّدها نتنياهو في واشنطن حول جبهة الشمال: “سنسعى لحل دبلوماسي، فإذا لم ينجح نلجأ للحل العسكري ونحن جاهزون له”. وهذه إشارة واضحة إلى عدم الرغبة بتوسيع الحرب، لمسها من التقوا القيادة الإسرائيلية في الآونة الأخيرة. ومن هؤلاء قائد القوات الدولية الجنرال أرولدو لاثارو الذي زار تل أبيب قبل أسبوعين. وقبله منسّقة بعثة الأمم المتحدة جنين تينيسي بلاسخارت التي تلتقي قيادة الحزب في بيروت وتؤكّد أنّه لا الحزب ولا إسرائيل يريدان الحرب.

فريقا الحرب يديران وتيرتها

4- وتيرة تبادل القصف والمواجهات قد تراجعت نسبياً خلال الأيام الأربعة الأخيرة من الأسبوع الماضي. والملاحظ عند وحدات “اليونيفيل” التي تراقب عن كثب تطوّرات الميدان أنّه ساد الهدوء النسبي خلال النهار، فيما كانت الجبهة تشتعل ليلاً. ربّما كان ذلك أثناء زيارة نتنياهو لواشنطن، في ظلّ الترويج لإمكان نجاح مفاوضات الهدنة في غزة.

الانطباع المزدوج لأوساط دبلوماسية أجنبية في بيروت:

– أنّ الفريقين يلعبان لعبة إظهار القوّة في الجنوب، لكن من دون إظهار كلّ منهما عضلاته في شكل كامل. فالحزب وخبراء مطّلعون على إمكانيّاته يقولون إنّه في حال اندلاع حرب واسعة ستكون لديه مفاجآت في وجه إسرائيل. والأخيرة أظهرت ما عندها من إمكانيّات في غزة، بينما الحزب لم يظهر كلّ ما عنده في جنوب لبنان. ومع أنّ القادة العسكريين الإسرائيليين يتوعّدون لبنان بالمفاجآت، فإنّ الرادع لتوسيع الحرب حتى إشعار آخر هو رغبة طرفيها بتجنّب الدمار الهائل الذي ستحدثه.

– أنّ جبهة جنوب لبنان وغزة وسائر الجبهات ستمرّ في حالة من المراوحة، من دون قدرة أيّ فريق على الحسم، حتى شهر تشرين الثاني المقبل حين تكون الانتخابات الأميركية قد حصلت وعُرفت النتيجة واتّضح من سيحكم أميركا، الجمهوريون أم الديمقراطيون، وكيف سينعكس ذلك على المنطقة.

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا

فيديو إعلاني