لماذا أصيبت بيئة "محور المقاومة" بهذا الإحباط بعد حادثي الضاحية وطهران؟
منذ عصر الثلاثاء الماضي وبيئة "محور المقاومة والممانعة" تعيش تحت وطأة حال من الإحباط واللايقين وفوضى الرؤى حول كيفية الرد على الضربتين الثقيلتين اللتين نجحت تل أبيب في توجيههما الى رأس المحور، ووضعته تالياً أمام تحديات كبرى واحتمالات شاقة ومكلفة.
وبناءً على ذلك بات السؤال الملحّ في تلك البيئة: ماذا بعد؟ واستطراداً، كيف سيكون الرد العملاني الذي يمكن أن يشفي غليل الصدور من جهة ويعيد لهذه البيئة توازنها ويبعد عنها الشعور بالمرارة والانتكاس؟
ومع هذا انطلقت هذه البيئة في رحلة البحث عن معطيات ومؤشرات تعيدها على الأقل الى مرحلة ما قبل الثلاثاء الماضي عندما ظهرت فجأة في سماء الضاحية الجنوبية طائرات إسرائيلية وألقت بصواريخها على أبنية سكنية مكتظة في محلة حارة حريك ليتضح بعدها أن المستهدف هو القيادي العسكري الأول للحزب فؤاد شكر ولم يطل الوقت حتى ثبت بالرهان الزعم الإسرائيلي المبكر بأن الرجل قد قضى حتماً.
من غزة التي تعبق في جنباتها المدمّرة رائحة الموت كتب الكاتب والباحث والصحافي الفلسطيني حلمي موسى رسالة مقتضبة مشبعة بالمعاني: "إن الجميع هنا في حال انتظار لمآلات التطوّرات على أكثر من جبهة، إذ إن ما شهده اليومان الماضيان من تطورات دراماتيكية كبيرة جداً الى درجة يصعب أن تُحسب كأيام عادية، أو كأحداث في السياق المألوف، على أمل أن تتضح الصورة وينجلي الغموض في خلال الساعات الـ36 المقبلة لكي يُبنى على الشيء مقتضاه".
وفي بيروت كتب الكاتب والأكاديمي الدكتور علي حمود خاطرة معبرة جداً عما يجول في وجدان "أبناء محور المقاومة" من مشاعر وتساؤلات إذ يقول: "إن الصدمة (اغتيال شكر في الضاحية وهنية في طهران) في حاجة الى صدمة أكبر لاستيعاب ما جرى ولتثبيت معادلة الرد واستعادة الشعور بالتوازن". ومن عناوينه العريضة: "إن المنطقة تمر بمرحلة خطيرة حساسة ودقيقة، ونقف على حافة الحرب المفتوحة، لكن هذا لا يعني أننا سائرون إليها بالضرورة"، ويتوقع أن يكون الرد على اغتيال القادة "كبيراً ومناسباً ومماثلاً شكلاً ومضموناً".
ويستطرد: "إن استهداف الضاحية واغتيال الحاج محسن (فؤاد شكر) لا يعني أنه بات لإسرائيل اليد الطولى في لبنان أو أنها بهذا الفعل قد حققت نصراً استراتيجياً. وإن اغتيال الحاج إسماعيل (هنية) في طهران لا يعني أيضاً أن تل أبيب نجحت في تحقيق خرق استخباراتي أو إنجاز استراتيجي.
ويخلص الى استنتاج فحواه "إننا ننتظر رداً مباشراً على هذا الاعتداء الغاشم، وردّ الحزب سيكون بليغاً وخارج قواعد الاشتباك. ولكن أيضاً، إن الحزب لا يريد حرباً مفتوحة إلا إذا فُرضت عليه وعندها سيرى العالم من هو هذا الحزب وأيّ قدرات ومفاجآت يملك".
وللخبير الاستراتيجي في قضايا المنطقة الأكاديمي طلال عتريسي رأي أكثر موضوعية إذ يقول: "إن محور المقاومة بات ولا ريب بعد حادثي الضاحية الجنوبية وطهران أخيراً، أمام تحدّ كبير، إذ صار يتعيّن عليه حكماً ووجوباً أن يبادر الى ردّ على الضربتين الموجعتين اللتين تلقاهما من الجانب الإسرائيلي، لكنه في موازاة ذلك عليه أن يحرص على الالتزام بموازين القوى والمعادلات الإقليمية والدولية التي تملي عليه أن يكون الرد ضمن ضوابط لا تفتح الأبواب أمام حرب واسعة بلا سقوف وبلا ضوابط، تقود المنطقة الى مواجهات مفتوحة".
وفي كل الأحوال يستطرد عتريسي أن اغتيال إسماعيل هنية في طهران والقيادي العسكري البارز في "حزب الله" فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية "لا يمكن إطلاقاً أن يمر مروراً عابراً أو أن تبقى هاتان الجريمتان بلا عقاب. لذا المطلوب من حزب الله أن يبادر الى تنظيم رد موجع بمواصفات ونتائج استثنائية، لكن من دون أن يمنح الفرصة للإسرائيلي وشريكه الأميركي لفتح الأبواب أمام حرب واسعة قد يكون من مصلحتهما بلوغها".
وفي كل الأحوال يخلص عتريسي: "أستبعد فرضية أن نشهد خلال الأيام المقبلة انفلات الأمور على نحو يقود الى انفتاح أبواب الحرب الواسعة. وحسب تقديري إن حزب الله لم يعدّ العدة لمثل هذه الحرب فهو لم يضعها في صلب حساباته الأصلية ونحن نعلم أن قادته ورموزه يعلنون ذلك صراحة ويؤكدون مراراً استعدادهم لوقف النار على الحدود الجنوبية في اللحظة التي تتوقف فيها حرب الإبادة على غزة. وأنا أزعم أيضاً أن طهران نفسها لا ترغب يقيناً بالانخراط في مثل هذه الحرب وتسعى لعدم الانجرار إليها".
ومن جهته يعطي الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد الياس فرحات رؤية قريبة إذ يقول "إن المفتاح الأساسي لمآلات الأوضاع في الساعات المقبلة هو في قبضة طهران حصراً، لدواعٍ وأسباب متعددة، لذا لكي تكون الصورة عندنا جلية وواضحة ينبغي أن نعرف بالضبط ما الذي يدور في رأس القيادة الإيرانية للرد على الضربة التي تلقتها في الساعات الماضية. وهذا لا يعني إلغاء دور حزب الله في التقدير والتقرير، لكن تزامن الضربتين وقوتهما يفرضان أن يكون هناك ردّ منسق من جانب أطراف المحور".
ورداً على سؤال عما يريده نتنياهو من خلال هذا الفعل الذي بدا متهوراً في نظر البعض؟ أجاب فرحات "في تقديرنا إن الضربتين كانتا أميركيتين، لذا يجب أن نعرف ما الذي تريده واشنطن عندما أعطت الضوء الأخضر لنتنياهو للإقدام على هذا الفعل الجنوني. وفي رأينا إن ما تريده واشنطن هو ألا تلحق أي هزيمة بإسرائيل مهما طال أمد الحرب والاستنزاف، إذ ليس من الهيّن على واشنطن أن ينهزم الكيان الصهيوني تحت بصرها فهو بالنسبة لها هزيمة مدوّية للغرب كله. لذا لانبالغ إذا قلنا إننا نتوقع أكثر مما رأيناه خلال الساعات الماضية لأن قرار واشنطن وتل أبيب هو استعادة صورة الردع الإسرائيلية وهذا يستلزم بطبيعة الحال الخروج عن قواعد الصراع المألوفة".
"النهار"- ابراهيم بيرم
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|