4 أشهر ساخنة
التجرؤ الإسرائيلي على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في طهران يعني جملة أمور، أهمها أنه مثّل ضربةً لمسار التفاوض بشكله الحالي مع "المحور" بما يمثله هنية، كجهة أمسكت ملف المفاوضات على مقلب جبهة قطاع غزّة. لذلك بدأنا نسمع تسريبات حول توقف المسار أو جموده، رغم محاولة واشنطن إظهار أنه ما زال سالكاً. ويُقال إن قرار التجميد اتُخذ بالإتفاق بين أركان المحور، وإن العودة إليه لن تحصل إلاّ بعد تحقيق مجموعة تغييرات يحكمها الميدان.
في المقابل، يفسّر تجرؤ تل أبيب على الضاحية الجنوبية لبيروت واغتيال القيادي الكبير فؤاد شكر (السيد محسن)، على أنه رغبة إسرائيلية في التصعيد العسكري في المسار العملياتي، أي الذهاب إلى مستوى أرفع من العمليات العسكرية أو المواجهة مع "حزب الله".
التقديرات الحالية تتحدث عن فترة سخونة تمتد لغاية 4 أشهر في الحد الأدنى، سنشهد خلالها تقلبات عسكرية تترافق مع تبدلات في الأجندات السياسية، وتغييرات عسكرية واضحة سيحكمها مشهد تبادل الضربات بشكلٍ مدروس من ضمن سقف عدم الإنزلاق إلى حرب واسعة. وعلى الرغم من الخسارة الكبيرة، بقيَ الحزب عند نفس التوصيف، أي عند تفضيل عدم الذهاب إلى هذا المستوى من الحرب ببساطة لأنها "أداة جرّ" نتنياهويّة. لذلك كان السيد حسن نصرالله دقيقاً في احتفال تأبين السيد محسن يوم أمس، في توصيف الردّ بأنه مدروس جداً، ذكي وحقيقي. ولا بدّ من الإشارة إلى أن عقل "حزب الله" ليس محكوماً بنظرية الرد لمجردّ الرد، أو الرد كرد فعل عكسي أو عاطفي، إنما أي فعل ينطلق من دراسة وخطط وسيناريوهات أعدت سلفاً، وليس محكوماً بتوقيت زمني أو حد جغرافي، أو من خارج القواعد المرسومة.
ولا بدّ من التأكيد أيضاً على ناحية تتعلق بورود احتمال مسبق لدى حزب الله في قيام العدو بقصف الضاحية، أو توسيع الإغتيالات من ضمن الجبهة الحالية في وقتٍ معين، وقد بنى مجموعة سيناريوهات ربطاً بذلك. أيضاً رصد الحزب خلال جولة الإتصالات الأخيرة التي سبقت الإعتداء على الضاحية أنها تنطلق من مبدأ أن الضاحية هي المرشّحة لأن تنال الضربة وليس البقاع. لذلك خرج مصدر مسؤول في الحزب صباح العدوان مهدداً ومعبراً عن طريقة تعاطي المقاومة مع أي ضربة محتملة، فيما الحزب كان، في مجال آخر، مستهجناً ثقة مستويات لبنانية رسمية بالإدعاءات الأميركية حول تحييد المناطق.
السخونة أمر واقع!
هناك جملة أمور تعطي مؤشرات إلى الدخول في منحى السخونة ومن المحتمل أن تدوم أشهراً. أولها رغبة بنيامين نتنياهو في التصعيد العسكري على المسار التفاوضي في شكله الحالي. لذلك قرّر اغتيال اسماعيل هنية الآن، وفي اعتقاده أنه سيعود إلى المسار التفاوضي فور إنتاج أوراق صالحة للمراكمة وتعزيز الشروط من خلال ما يمكن تسميتها أعمالاً أمنية. ويقال إنه نال في واشنطن من قبل مستويات أمنية معينة، حرّية التصرف في المجال الأمني.
يعتقد نتنياهو أنه يستفيد من عدة عوامل حالية تقف إلى جانبه. منها دخول الكنيست الإسرائيلي في عطلته الصيفية، بحيث يصبح رئيس وزراء العدو طليق اليدين من دون ضغوطات تمارس عليه من جانب الإئتلاف الحكومي، وهو يستعد الآن لاستبدال غالانت بواحد من شركائه المتطرفين في الحكومة. الأمر الثاني يرتبط بالإشتباكات السياسية الداخلية في الولايات المتحدة التي تسبق عادة الإنتخابات الرئاسية. وعلى ما يتردّد، عاين نتنياهو خلال زيارته إلى واشنطن جانباً من تلك التباينات، كمثل خروج عاموس هوكشتين إلى التصريح بشكلٍ خالف تصريحات نتنياهو في أثناء وجود الأخير في العاصمة الأميركية. وربما، يعتقد نتنياهو أنه في ظل الحالة الناشئة عن انسحاب الرئيس الأميركي جو بايدن من الإستحقاق الأميركي، ودخول كامالا هاريس في مقابل دونالد ترمب، تصبح الولايات المتحدة في انشغال داخلي يمكّنه من التحرّر في التحرّك عسكرياً على الأرض .
أيضاً لا بدّ من الإشارة إلى أن خطابه في الكونغرس الأميركي، تزامن وحالة مقاطعة لافتة، لكنه تزامن مع مسألة مهمة، حيث طرح نفسه راعٍ للسياسات الأميركية ومكلفاً حماية مصالح الغرب في المنطقة. لذلك يمكن الإعتقاد أن قراره باغتيال "السيد محسن" في الضاحية، نابع من موافقة أميركية واضحة في الدرجة الأولى، هذا إن لم يكن قراراً أميركياً رسمياً كون الرجل موضوع على قائمة المطلوبين لدى الأخيرة. وبات من شبه المؤكد أيضاً، أن القرار بعملية الإغتيال إتُخذ في جلسة "الكابينت" يوم الأحد الماضي، أي بعد عودة نتنياهو من واشنطن بساعات قليلة، فيما التنفيذ تمّ نهار الثلاثاء، أي بعد يومين، نتيجة الطلب الأميركي من تل أبيب إتاحة المجال للدبلوماسية وهو ما ترجمه عاموس هوكشتين بوضوح خلال إتصالاته اللبنانية. كذلك ايضاً، تظهر الموافقة الأميركية من بواطن التبريكات في نجاح العملية الصادرة عن المسؤولين الأميركيين، كذلك من عبارات السيد حسن نصرالله الذي كان واضحاً حيال ذكر الدور الأميركي في الإغتيال.
التجرؤ على الضاحية
ثمة من يسأل كيف تجرأ بنيامين نتنياهو على الضاحية في هذه الطريقة وبهذا الشكل، حيث تجاوز جميع الخطوط الحمراء. الأمر ببساطة يرتبط برغبته في الإرتقاء بمستوى العمليات العسكرية عند الجبهة الشمالية. وفي هذه اللحظة إستفاد من إعلان "حزب الله" رغبته في عدم الإنجرار إلى معركة واسعة، كذلك موقف الإيرانيين، وهما مستمران في اتباع الإستراتيجية نفسها. وخلال الفترة الماضية ألف الحزب أنواعاً من التهديدات وتظهير التدريبات والمناورات العسكرية التي تحاكي تغييراً عسكرياً تجاه لبنان، وكلها اتصلت في إعلان إسرائيلي واضح عن الإرتقاء في الجبهة.
وفي مناسبة هذا الحديث، ذهبَ نتنياهو إلى واشنطن جازماً أن الجبهة الشمالية لن تنطفئ إلاّ بتغير عميق في المعادلات الحاكمة لها، ولكون الحزب واضح جداً في أنه لن يوقف عملياته طالما أن معركة غزة مستمرة، وطالما أن نتنياهو شخصياً يعتبر أن خططه في القطاع لم تُنجز بعد وتحتاج إلى وقت إضافي. لذلك رسم في رأسه ضرورة إجراء تغيير في القواعد على مستوى الجبهة الشمالية يتولاها الإسرائيلي ويفرضها في ما بعد، فيما الدفاع إلى ذلك يتمثل في قناعةٍ لديه بأن هذه الجبهة تضغط عليه داخلياً ولا بدّ من حسم ما. من المؤشرات التي ظهرت إتخاذ قرار بتأجيل العام الدراسي المقبل في الشمال، ما اعتُبر مؤشراً إلى استمرار الحرب هنا عاماً إضافياً.
"ليبانون ديبايت" - عبدالله قمح
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|