"مذكرات من تحت الأرض"... يحيى السنوار: تمنّيت ظهور صلاح الدين!
نشرت مجلة "ذي نيويوركر" تقريرًا بعنوان "مذكرات من تحت الأرض" يتناول حياة زعيم حركة حماس في غزة يحيى السنوار، وقراءة لأرشيفه من السجن.
في أرشيف محاكم الجيش الإسرائيلي، هناك وثيقة مؤلفة من 6 صفحات ، تسجل إستجواب يحيى إبراهيم حسن السنوار، زعيم حماس في قطاع غزة، الوثيقة مؤرخة في 8 شباط 1999، ورقم التعريفي 955266978.
كان السنوار يبلغ من العمر ستة وثلاثين عامًا في ذلك الوقت، وكان مسجونًا لمدة 11 عامًا، قبل أن يتم سجنه، كان يقود وحدة تدعى "منظمة الجهاد والدعوة"، أو "مجد"، وهي فرقة تعاقب أولئك الذين تعاونوا مع إسرائيل أو الذين إرتكبوا جرائم ضد الأخلاق الإسلامية.
كان السنوار في سجن "النقب" بتهمة إعدامه فلسطينيين متهمين بالعمل مع العدو، كما تآمر من السجن لتدبير إختطاف جندي إسرائيلي، ومقابل إطلاق سراحه، سيطالبون بحرية ما لا يقل عن 400 أسير.
ويرصد الكاتب الصور المتعددة للسنوار بين مجايليه وسجانيه والمحللين والمراقبين الإسرائيليين والفلسطينيين واليهود والمؤرخين بشكل عام.
وكان محمد شراتة، القيادي في حماس قد تعاون مع السنوار وأصبحا في عام 1997 في الزنزانة عينها، حيث كان يقضي حكما طويلا في السجن بتهم الإنتماء للوحدة 101 في حماس، وشارك في إختطاف وقتل جنود إسرائيليين.
ويقول الكاتب إن السنوار تعامل منذ البداية مع السجن كجامعة أو أكاديمية، ومكان لدراسة اللغة وعلم النفس وتاريخ العدو. وكان مثل بقية الفلسطينيين "سجينا أمنيا"وأصبح يتحدث العبرية بطلاقة، تحضيرًا لخروجه من السجن ومواصلة المقاومة المسلحة.
وأيقن السنوار مع شراتة أنه لا يمكن الإفراج عن الأسرى من خلال الوسائل السياسية، ولهذا قاما بالتفكير في طريقة مثل دفع أموال للخاطفين من الخارج، وإختطاف جندي إسرائيلي.
وبحسب الكاتب: "أخبر السنوار المحققين "فقد إختطف الجنود من قبل، ولكنهم قُتلوا بسبب عدم الحصول على مقابل". ولهذا فكرا بنقل الجندي إلى مصر، حيث لا تتمكن إسرائيل من إستعادته.
وذكر شراتة أن أحد أشقائه على علاقة مع عصابة. ومن هنا، هرّب السنوار رسالة إلى الزعيم الروحي أحمد ياسين طالبًا مباركته للعملية ومبلغا من المال، فوافق الشيخ".
ولكن لم تتم العملية، حيث إعتُقل شقيق شراتة وهو يحاول الخروج إلى مصر.
وقد نُسيت الخطة، لكن قراءتها اليوم تعطي صورة عن الآتي، وما يحدث من فصل دموي في النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، وفي عام 2006 قام مقاتلو حماس بإجتياز الحدود مع إسرائيل وقتل جنديين وإختطاف آخر إسمه جلعاد شاليط، الذي بقي أسيرًا حتى 2011، حيث وافقت إسرائيل على مبادلته بنحو 1000 أسير فلسطيني منهم السنوار وشراتة.
وبعد هجمات 7 تشرين الأول التي أعلن عنها مع محمد الضيف، وأطلق عليها "طوفان الأقصى"، قضى السنوار وقته في شبكة الأنفاق.
وأفادت مصادر فلسطينية وأميركية وإسرائيلية، أنه لا يزال لاعبًا مهما في القرار داخل حماس وفي مفاوضات وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن. ويُعتقد أن مخبأه كان في خان يونس حيث وُلد، ولكنه إنتقل إلى رفح بعد دخول القوات الإسرائيلية الى مدينته.
ويتجنب السنوار الأجهزة الإلكترونية، ويتواصل مع قيادة الحركة من خلال المراسيل، كتابة أو شفويًا.
وأشار الكاتب إلى صورة إلتقطت للسنوار عام 2021 وهو جالس على كرسي وخلفه أنقاض بيته، وتعود عائلة السنوار لقرية المجدل التي عاشت فيها حتى عام 1948 قبل أن تهجّر إلى غزة وقت النكبة.
وكتب السنوار رواية عام 2004 بعنوان "الشوك والقرنفل"، حيث عمل زملاؤه في السجن لتهريب نسخة منها إلى الخارج، وأعلنت أمازون في كانون الأول عن توفرها مترجمة بالإنكليزية، بحيث تعطي فكرة عما يجري في عقل الرجل، لكن الرواية سحبت من الموقع، بعدما إحتج مؤيدو إسرائيل وهددوا جيف بيزوس بأن نشرها سيكون إنتهاكا للقوانين الأميركية والبريطانية.
وروى السنوار حياة الفلسطينيين ومقاومتهم على طريقة "دون كيشوت".
تبدأ الرواية عام 1967، حيث لجأ البطل أحمد، مع عائلته إلى منطقة ما بين غزة ومصر، وكانت العائلة تستمع لإنتصارات العرب، لكنها تحولت إلى حزن: "بدأت أحلامنا بالعودة إلى بيوتنا التي هُجرنا منها، وتتهاوى مثل قلاع الرمال التي كنا نبنيها ونحن أطفال".
وتصوّر الرواية تحولات أحمد (السنوار) أثناء الإحتلال، والأفكار التي واجهها في نشأته مثل الماركسية والقومية والإسلامية، حيث أصبح أحمد إسلاميا.
وتتناول الرواية الأحلام التي تبددت عام 1973 عندما قرر أنور السادات عقد سلام مع إسرائيل.
وتناولت الرواية، حياة الغزيين، وأثر العمل في إسرائيل على أخلاقهم. وكلما شاهد أحمد الإنهيار الأخلاقي لمن يقيمون علاقات مع نساء في تل أبيب، كلما تعززت صلته بالحركة الإسلامية.
ووفق الرواية، ذهب أحمد ورفاقه في رحلة إلى إسرائيل، ومروا بالقرى المدمرة حتى وصلوا إلى المسجد الأقصى. وفي طريق العودة، فكر أحمد بمنبر صلاح الدين في الأقصى، وتساءل: "ألا يوجد صلاح الدين في هذا الزمان؟"
وتغيرت حياة السنوار عندما إلتقى الشيخ أحمد ياسين، الذي كان مؤثرا في سنوات السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، وأسس المجمع والمركز الإسلامي قبل سجنه عام 1984 بتهمة حيازة السلاح.
ويقول ديفيد هاتشمان، العقيد الإسرائيلي المتقاعد: "كان الشيخ ياسين عبقريا قابلته أكثر من مرة. عندما تراه، ترى رجلا صغيرا مقعدا، ولكن عقله كان يعمل دائما".
ودرس السنوار العربية في الجامعة الإسلامية بغزة، وأصبح مقربا من الشيخ ياسين، وتأسيس حماس ومسؤولية السنوار في وحدة "مجد" عن القسم الجنوبي من غزة.
وبعد إعتقال السنوار عام 1988، لم يعبّر عن أي خوف من سجانيه. وقال لمحقق: "هل تعرف أنك يومًا ما ستكون تحت التحقيق، وسأقف هنا للتحقيق معك؟"
لكن الصورة المشوهة للسنوار يرفضها أنصار حماس وقادتها، ويزعمون إن الإسرائيليين جعلوا من السنوار شريرًا. وأضافوا أن كل حركات المقاومة عاقبت العملاء.
وقال باسم نعيم، أحد قادة حماس، إنه لم يسمع أبدا بلقب السنوار "جزار خان يونس" الذي أطلقه الإسرائيليون عليه.
وقال غيرشون باسكن، المعلق وناشط السلام الإسرائيلي الذي عمل كصلة وصل مع قادة حماس، إن كل المحققين في السجن يخبرونك كل شيء عن السنوار، ولكنهم لا يعرفون، فدينامية مقابلة شخص هو عدوك محفوفة بالمخاطر.
وبعيدا عن الشهادات المتضاربة حول شخصية السنوار، فقد إعتبر الرجل السجن بمثابة مؤسسة بناء و"خاصة لو كنت فلسطينيا تعيش وسط كل أنواع الحواجز. فقط في السجن تستطيع أخيرا لقاء بقية الفلسطينيين، ويكون لديك وقت للحديث والتفكير بنفسك وما تؤمن به، والثمن الذي لديك إستعداد لدفعه".
ووصفه إيهود يعاري، الخبير الإسرائيلي بحركة حماس، بأنه "رجل صريح ولا يتحدث بما لا معنى له، وداهية".
وأشار الكاتب إلى صعود السنوار بعد الإفراج عنه في صفقة شاليط، وكيف أصبح زعيم حماس في غزة، ويقرأ أفكار السنوار والظروف التي قادت إلى 7 تشرين الأول، وفشل بنيامين نتنياهو وقادته في الكشف عن العملية التي يؤكد قادة المكتب السياسي في حماس أنها من مسؤولية الجناح العسكري.
ويقدم الكاتب سردا مفصلا لخطابات وتصريحات السنوار وما طرأ عليها من تغير، وتوصله مع قادة حماس إلى أن إسرائيل لا تريد تغيير سياستها من غزة والقضية الفلسطينية. كما يتحدث عن الإشارات التي فاتت إسرائيل بشأن طوفان الأقصى.
وقال المؤرخ الفلسطيني رشيد خالدي: "سيدرّسون هذه في كليات الحرب: كيف نفذت هذه العملية، وكيف حدث هذا الفشل الإستخباراتي، بنفس الطريقة التي يدرّسون فيها بيل هاربر وحرب 1973".
وأضاف خالدي معلقا على الحرب: "بدأ شيء غير كل شيء، وهذه هي أسوأ هزيمة لإسرائيل".
ويورد الكاتب المواقف من داخل إسرائيل وغلاف غزة ورام الله حيث يتوقف عند الكثير من الآراء حول المقاومة والمقاومة السلمية وعبثية التفاوض وأثر الحرب العنيفة في غزة، ومواقف الناس من السنوار.
ويقول البعض إنه موجود في كل بيت في فلسطين وهو اليوم أشهر فلسطيني في العالم.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|