الصحافة

اشتباك الحجّار – شرف الدين ليس الأول... ولن يكون الأخير؟!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا يمكن فصل ملفّ اللاجئين السوريين في لبنان عن "أداء" الوزراء اللبنانيين الذين تعاقبوا على "إدارة" هذا الملفّ. فكان لكل واحد منهم رؤيته و"خطته" وطريقة عمله. هذا إذا أردنا أصلاً الحديث عن إدارة أو خطة، بكل ما للكلمتين من معنى حقيقي.

هكذا، مرّ هذا الملف بالكثير من المطبّات، وترافق مع مزايدات سياسية لا تحصى، ليس آخرها التجاذب الحاد بين الوزيرين هكتور الحجار وعصام شرف الدين، الذي لم يبق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، شخصياً، بعيداً منه.

فهذا التباين لم يكن الوحيد، وبالتأكيد ربما لن يكون الأخير، إذا بقي ملف اللاجئين بعيداً عن خطة واحدة موحدة، تثبّتها السلطة اللبنانية، بكل مؤسساتها، وإن تبدّل وزير من هنا أو رئيس من هناك.

ولعلّ تقسيم المراحل التي مرّ بها هذا الملف يمكن أن يتم بسهولة مع تقسيم ولاية عدد من الوزراء وفق التراتبية الزمنية التي تسلّموا خلالها هذا الملف.

في منتصف آذار 2011، بدأت الأزمة السورية عند خروج تظاهرات في مدن سورية عدة، مطالبة بإطلاق الحرّيات وإخراج المعتقلين السياسيين من السجون ورفع حالة الطوارئ، ثم مع الوقت ازداد سقف المطالب تدريجاً حتى وصل إلى إسقاط نظام بشار الأسد بالكامل... كان لا بدّ من الانتظار حتى بداية عام 2012 حين أخذت الاحتجاجات بالتوسُّع تدريجاً حتى بدأت تصل الى مستوى المعارك المباشرة... وسريعاً، كان من الطبيعي أن يتأثر لبنان، كما عدد من البلدان المجاورة، بحركة لجوء سورية الى داخل أراضيه، سرعان ما تطوّرت وارتفع منسوبها.

وفيما عمدت بلدان أخرى الى بناء مخيمات وتنظيم هذه الحركة، ترك لبنان الأمر الى "شبه فوضى"، تأخّر "تأطيرها"...

جبران باسيل... ولا رئيس
جبران باسيل: كان أول الوزراء الذي "فجّر" معه هذا الملف، أو خلق حوله الكثير من التباينات والانقسامات. فباسيل كان وزيراً للخارجية عام 2014، حين اشتدّت وطأة حركة اللجوء وبدأت ملامح تأثيراتها السلبية ترخي على الداخل اللبناني، من النواحي الاجتماعية، المعيشية وحتى الأمنية.

في 6 أيار 2014، ومن برلين، انتقد باسيل، بصفته وزيراً للخارجية اللبنانية، ما وصفها "بطريقة تعاطي المجتمع الدولي مع ملف اللاجئين السوريين إلى لبنان"، كما أكد حرص بلاده على النأي بالنفس عن الحرب في سوريا.

قالها صراحة: "المعالجة الحالية من جانب المجتمع الدولي تؤذي لبنان أكثر من أن تنفعه"، موضحاً أن "المساعدات التي تُمنح للاجئين السوريين مباشرة تشجّعهم على البقاء في لبنان واستقدام مزيد من أصدقائهم وأقاربهم ما يجعل اللجوء لجوءاً اقتصادياً".

في تلك الفترة بالذات، كان لبنان يعيش فراغاً قاتلاً في سدة الرئاسة الأولى. فلا رئيس للجمهورية موجود لحمل لواء قضيّة بهذا الحجم تكبر شهراً بعد شهر، في ظل تصاعد النيران السورية يومها، ولا الحكومة اللبنانية استطاعت أن تفي بالغرض المطلوب تجاه مسألة حساسة كمسألة اللاجئين. فبدا لبنان كأنه جسم بلا رأس تجاه "لا–إدارة" مخيفة لقضيّة اللاجئين.

مرّت أعوام، وكانت "قنبلة" اللاجئين تكبر. فالنيران السورية داخل سوريا لم تهدأ، تماماً كما توافد السوريين الى لبنان... تزامناً، بدأت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان تهتم "بتنظيم" أمور هؤلاء، ولا سيما مع بدء ارتفاع أعداد الولادات السورية على الأراضي اللبنانية، وسط ضياع أو "تناقض" أحياناً في رصد الأعداد الرسمية للاجئين أو للولادات الجديدة.

عام 2016، وفي الحكومة الأولى من عهد الرئيس ميشال عون، عُيّن وزير دولة لشؤون اللاجئين، كان الوزير معين المرعبي.

كان يُفترض بالمرعبي أن يكون المتسلّم الأول لهذا الملف، ولكن سرعان ما ظهرت التباينات مجدداً بين الوزراء، وهذه المرة كانت أشد ثقلاً، لأن ملامح السلطة كانت قد اكتملت. كان ثمة رئيس جمهورية "قوي"، وحكومة وحدة وطنية برئاسة الرئيس سعد الحريري، وكان يُفترض أن تنطلق ورشة العمل على مختلف المستويات، ومنها طبعاً قضية اللاجئين التي كبرت وازدادت.
موقف أحادي... ولا سياسة؟!

لكن رياح "التوافق والحب" لم تجر كما يشتهي البعض. كانت مواقف المرعبي أكثر من واضحة وصارمة. في إحدى المقابلات التلفزيونية، اتهم "النظام السوري بممارسة التطهير العرقي من خلال مزيد من عمليات التهجير"، مطالباً "حزب الله بالخروج من سوريا لتسهيل عودة جزء من اللاجئين السوريين"، كما رفض تماماً "أي حوار مع دمشق بهذا الخصوص"، معلناً أنه "يتعيّن على الأمم المتحدة وحدها التنسيق مع كل الجهات لتأمين عودتهم".

هكذا، "نحرت" الانقسامات الداخلية اللبنانية في ملف اللاجئين، عمودياً وأفقياً، وبدل أن يتقدّم أي موقف رسمي لبناني بهذا الخصوص، كانت التباينات في الرأي بين القوى السياسية هي التي تتقدم على حساب أي عمل جدّي وتنظيمي. وحدها، كانت المفوضية تسعى الى التنظيم وترتيب شؤون اللاجئين.

ولم يتوقف التباين عند حدّ معيّن، أو هو لم يبق خفياً، بل كان يظهر على العلن، بلا خجل أو تفكير بمصلحة لبنان العليا، كدولة، تجاه ملفّ مصيري بهذا الحجم.

ففي إحدى المرات، هاجم المرعبي وزير الخارجية جبران باسيل الذي اتّهمه صراحة "بإفشال إقرار سياسة عامة لملف اللجوء السوري، وافتعال أزمة مع مفوضية شؤون اللاجئين"، ولم يوفر "حزب الله" من سهامه، باعتبار أنّهم عامل أساسي في الأزمة السورية وفي تهجير السوريين إلى لبنان، وأنّ "حرصهم على عودة اللاجئين إلى بلادهم وهمي وفولكلوري".
لا بل أكثر، قال المرعبي ما يختصر كل هذه الازمة، "لا سياسة موحّدة داخل الحكومة اللبنانية لاحتواء ملفّ اللاجئين".

هنا المعضلة القديمة – الجديدة التي لا تزال مستمرة. يومها، تشعّبت التباينات، حتى وصلت الى حدود مفوضية اللاجئين، إذ شهد لبنان، عام 2018، تصعيداً غير مسبوق حيال المؤسسات الدولية، وذلك مع رفع باسيل (كان لا يزال وزيراً للخارجية)، السقف عالياً عبر إصداره تعليماته إلى مديرية المراسم في الوزارة بوقف طلبات الإقامة المقدّمة إليها والموجودة فيها لمصلحة المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، وذلك اعتراضاً على سياساتها في شأن عودة اللاجئين السوريين من لبنان الى سوريا.

أثار هذا الإجراء جدلاً واسعاً، لكون باسيل اتخذ قراراً فردياً وأحادي الجانب من دون العودة إلى الحكومة اللبنانية، وخصوصاً أن هذا الإجراء يتعلّق بسياسة لبنان الخارجية مع إحدى أهم مؤسسات الأمم المتحدة، والبارز كان رفض الرئيس الحريري هذه الخطوة.

.... لاحقاً، لم يبدّل تعيين الوزير صالح الغريب المنحى اللبناني – الرسمي تجاه ملف اللاجئين... حتى وإن رفض المرعبي المشاركة في حفل التسلم والتسليم البروتوكولي بينه وبين خلفه... ومن اللحظة الأولى، عادت التجاذبات بين الوزيرين المتخاصمين أصلاً في التصنيف السياسي، لكن المعيب أن هذه الانقسامات كانت تتظهّر خارجياً، وعلى مستوى مؤتمرات دولية، كمؤتمر بروكسل الذي انعقد في تلك الحقبة، فتعمّق العجز اللبناني عن إبراز موقف موحّد لدولة قائمة بذاتها.

نظرة قواتية... ولا إجماع
... تبدّلت الوجهة. برزت نظرة "قواتية" للملفّ، مع تسلم الوزير بيار بو عاصي، وبعده، الوزير ريشار قيومجيان وزارة الشؤون الاجتماعية، التي باتت تُعدّ "صلة الوصل بين المنظمات الدولية واللاجئين السوريين"، وسرعان ما أعلن الوزير عن ورشة عمل لوضع خطة مع المجتمع الدولي، من أجل عودة اللاجئين. وفي العنوان العريض لخطة العودة، كانت المطالبة بتأمين عودة هؤلاء، ولا سيما مع بدء تباشير ملامح أزمة معيشية – اجتماعية غير مسبوقة تعصف بلبنان... لكن التجاذب لم يتوقف... وكان يحضر مراراً، وبقوة، على طاولة مجلس الوزراء، وفي حضور الرئيس عون نفسه... إلا أن قيومجيان ظلّ يصر على أن "يتحمّل مجلس الوزراء مجتمعاً، عاتق هذا الملف عبر إقرار خطة موحدة لتأمين العودة، لأن هذه الملفّات تعالج على مستوى دولة وحكومة".

وبالفعل، كانت مراحل عودة عدد من اللاجئين تظهر بوضوح في تلك المرحلة، وخصوصاً بعدما دخل لبنان أفقاً مجهولاً في أزمة متعدّدة المستويات...

ووفق أرقام "الدولية للمعلومات"، فإنه "بين عامي 2018 و2020، عاد نحو 400 ألف من العائلات السورية الى بلادها"، وتوقعت أن ترتفع الأرقام أكثر في مرحلة مقبلة.

... أخيراً، وليس آخراً... كان السجال الحادّ والاختلاف الكبير في وجهات النظر، الذي وصل الى حدّ "تناتش" إدارة الملف بين الوزيرين شرف الدين والحجار... الأول بصفته وزيراً للمهجرين ولشؤون اللاجئين والثاني بصفته وزيراً للشؤون الاجتماعية، فيما بقي مجلس الوزراء عاجزاً، ضعيفاً، عن توحيد الخطة الرسمية التي تكاد تلخص موقف لبنان كدولة، لا كطرف... فأيّ مستقبل سيحمله هذا الملف مع تغيّر العهود؟!

"النهار"- منال شعيا

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا