السلطة تزيد للعمال بـ"يد" وتأخذ باليد الأخرى
تمخّض جبل ارتفاع الأسعار، «فولد فأر» زيادة الأجر بمقدار 14.6 دولاراً. بعد أكثر من 4 أشهر على إقرار لجنة المؤشر إضافة مبلغ 600 ألف ليرة على أساس الراتب، صدر بـ19 الجاري المرسوم رقم 10598 الذي يثبتها. وعليه ارتفع الكسب الذي يتخذ أساساً لحساب اشتراكات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، إلى 2.6 مليون ليرة. مع العلم أن الحدّ الأدنى للأجور ما زال ثابتاً عند عتبة 675 ألف ليرة منذ العام 2012.
في 12 أيار الماضي أضيف إلى الحدّ الأدنى الرسميّ للأجر الشهري مبلغ مليون و325 ألف ليرة ليصبح 2 مليون ليرة. وبعد نحو شهر أقرّت لجنة المؤشر زيادة ثانية بقيمة 600 ألف ليرة، صدرت منذ يومين بالمرسوم 10598.
زيادة الأكلاف على الأجراء
خطورة هذه الإضافات على الأجور في القطاع الخاص، لا تنحصر بقيمتها الهزيلة، ولا بتآكلها السريع في الفترة الممتدة بين أخذ القرار، ونشره في الجريدة الرسمية، إنما بمضاعفتها الأعباء على كاهل العمال والأجراء وأرباب العمل بدلاً من تخفيفها.
من الناحية الضريبية سيخضع الفرق بين الحدّ الأدنى الرسميّ للأجور، والزيادة المقرّة على شكل بدلات غلاء معيشة لضريبة دخل شهرية بنسبة 4 في المئة. وذلك بعد التعديلات التي لحقت الشطور في موازنة 2022»، يقول خبير المحاسبة المجاز والعضو في «جمعية مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد» الأستاذ جوزيف متّى. وبالتالي فإنّ هذا الفرق الذي يبلغ مليوناً و925 ألف ليرة، سيُحسم منه 77 ألف ليرة، فيما يجب أن يكون معفياً بشكل كلّي من أي ضريبة، بحسب قانون ضريبة الدخل رقم 107 الصادر عام 1977.
أما من ناحية الضمان الاجتماعي، فإن هذه الزيادة ستخضع لرسم اشتراك شهري بنسبة 3 في المئة، أي ما يعادل 58 ألف ليرة، في الوقت الذي لم تزدد فيه تقديمات الضمان الاجتماعي، بشكل يلبّي أبسط متطلبات التغطية الصحية والدوائية للمضمونين.
وعليه، فإن إبقاء الزيادات على الأجور كبدلات غلاء معيشة، وعدم احتسابها من ضمن الحدّ الأدنى الرسميّ للأجور، سيكلّف كل أجير لغاية الآن، مبلغاً يناهز 135 ألف ليرة شهرياً يشكل 7 في المئة من دخله. أما على الصعيد السنوي فسيدفع الأجير مليوناً و620 ألف ليرة سنوياً بالحد الأدنى، تشكل أكثر من نصف راتب شهري. ذلك أن ضريبة الدخل تصاعدية وهي تبدأ بنسبة 4 في المئة على الشطر الأول. المفارقة أن هذا المبلغ المرشح للارتفاع مع كل زيادة على الأجر كان يجب أن يكون الأجير معفى منه بشكل كلّي.
الأمور تبدو أشدّ وطأة على المؤسسات الملزمة بتسديد ما يقارب 21 في المئة من دخل كل عامل إلى الضمان الإجتماعي كبدل عن هذه الزيادة غير المحتسبة كحدّ أدنى للأجور. لكن في المقابل فإن هذه الزيادات لا تدخل ضمن تعويض نهاية الخدمة في الضمان الاجتماعي كونها بدل غلاء معيشة. وبالتالي فهي تتوفر من دفع مبالغ مالية كبيرة بالليرة في حال احتساب الزيادات كحدّ أدنى للأجور.
الخطأ التاريخي
أساس هذه الفوضى يعود بحسب متى إلى العام 2001 حيث جرى احتساب «التنزيل العائلي»، على الفرد غير المتأهل على أساس 7.5 ملايين ليرة، أو ما يعني 625 ألف ليرة شهرياً. بمعنى آخر، أن أيّ دخل يوازي أو يقلّ عن هذا الرقم يعفى تلقائياً من ضريبة الدخل. وفي العام 2012 رُفع الحدّ الأدنى للأجور إلى 675 ألف ليرة، ولم تغيّر الإدارة الضريبية نسبة التنزيل العائلي. فأصبح الفرق بين الحدّ الأدنى والتنزيل العائلي والمقدّر بـ50 ألف ليرة خاضعاً لضريبة الدخل. ورغم كلّ المطالبات من الجهات النقابية والعمالية وحتى المحاسبية بتصحيح هذا الخلل الجوهري، بقيت الأمور على ما هي عليه طيلة السنوات العشر الماضية. وبقي الأجراء يدفعون ضريبة دخل غير قانونية بنسبة 2 في المئة عن 50 ألف ليرة زائدة عن 625 ألف ليرة من الحدّ الأدنى. هذا الفرق الذي كان يقدّر سابقاً بحوالى 1000 ليرة شهرياً، أصبح اليوم بحدود 80 ألف ليرة، وهو مرشح للارتفاع مع أي زيادة تلحق بالأجور.
أمام الإصرار على اعتبار الزيادات على الأجور بمثابة بدلات غلاء معيشة لا تحتسب من ضمن الحد الأدنى للأجور، يفترض بالإدارة الضريبية رفع التنزيل العائلي إلى 31 مليوناً و200 ألف ليرة. ذلك أنه تاريخياً يفترض بالتنزيل العائلي أن يوازي الحدّ الأدنى الشهري للأجور.
تآكل الزيادات
كل الزيادات التي أعطيت على الاجور لغاية اليوم تبقى أقل من ارتفاع كلفة المعيشة بين تاريخ إقرارها واليوم، وهي لم تعد حتى تكفي للذهاب والاياب بين بيروت وبنت جبيل لمرة واحدة. ففي العاشر من الشهر الحالي صدرت دراسة «للدولية للمعلومات» حول الكلفة الأدنى لمعيشة أسرة لبنانية مؤلفة من 4 أفراد مع الأخذ بعين الاعتبار الفروقات بين السكن في القرية أو المدينة، وبين التملّك والاستئجار. وخلصت الدراسة إلى أن كلفة المعيشة تتراوح بين 20 و26 مليون ليرة شهرياً بالحدّ الأدنى، وبمتوسط 23 مليون ليرة شهريًا. في المقابل فانه مع ارتفاع سعر صفيحة البنزين إلى 748 ألف ليرة وبلوغ سعر صرف الدولار مستوى 40 ألف ليرة، «ارتفعت كلفة النقل إلى حدّ قد لا تتحمّله غالبية اللبنانيين». إذ أصبحت كلفة الكيلومتر الواحد 6211 ليرة لدى استخدام سيارة خاصة يبلغ متوسط استهلاكها 170 كلم للصفيحة الواحدة سعة 20 ليترا من البنزين. وأصبح التنقل بين بيروت وبنت جبيل مثلاً ذهاباً واياباً يكلف 1.5 مليون ليرة.أمام هذا الواقع يظهر أن الحلول الترقيعية المعتمدة لحل أزمة الأجور، تفاقم المشاكل بدلاً من أن تحلّها. وذلك على غرار كل الحلول التي اعتمدت لحل أزمة الودائع والسكن والكهرباء والمياه والنقل والزراعة والإنتاج... وغيرها الكثير من القطاعات المأزومة.
خالد أبو شقرا - "نداء الوطن"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|