حرب الجنوب المفتوحة تُبعد التسوية وتُهدّد لبنان؟
التطورات الاخيرة في جنوب لبنان بعد الردّ الذي نفذه "حزب الله" والقصف التدميري الإسرائيلي للقرى الحدودية، وما رتبته المواجهات على مدى أحد عشر شهراً تقريباً أي منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 تجاوزت القرار الدولي 1701 وفق بنوده التي أقرت عام 2006، وإن كان لا يزال صالحاً كأساس للتفاوض على تسوية للوضع في الجنوب يؤدي إلى تكريس الاستقرار.
يتبين من خلال مجريات الأحداث جنوباً والمرتبطة بغزة وفق ما يعلنه "حزب الله" من اعتبار الجبهة مساندة دعماً لحركة حماس في القطاع، أن المنطقة الحدودية باتت خط تماس مواجهة يومي يشمل مناطق في عمق الجنوب ولبنان مع الغارات الإسرائيلية وعمليات الاغتيال، الأمر الذي يعني أن كل ما ينص عليه القرار الدولي بات عرضة للخرق، وبالتالي فإن العودة إلى ما قبل "طوفان الأقصى" بات شبه مستحيل في ظل الشروط التي تضعها إسرائيل واالتي تتجاوز الـ1701، وأيضاً ما يفعله "حزب الله" بربط لبنان ليس بغزة فحسب إنما بملفات المنطقة من زاوية وحدة الساحات والتطلعات الإيرانية وحساباتها.
التغيّير الذي يشهده وضع الجنوب مردّه إلى أن المواجهات المشتعلة لم تعد ضمن قواعد الاشتباك السابقة، وإن كانت لا تزال تحت سقف الحرب المفتوحة، وهي مسألة ليست متعلقة بالتمديد لقوات اليونيفيل الدولية الذي جاء في سياق إستمرار مهمتها من دون أن يكون لها دور حاسم في ضبط الامور، ولذا بات عملها معلقاً بتهدئة الأوضاع وتأمين الاستقرار المرتبط بانجاز تسوية تتخطى لبنان إلى الإقليم.
حتى الآن لا يزال "حزب الله" يعتبر أن وقف اطلاق النار في غزة سينسحب على جبهة الجنوب وسيعيد الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً، كذلك فإن تأجيل الرد الإيراني على اغتيال اسماعيل هنية في طهران مرتبط بالتوصل الى صفقة في غزة تنسحب على الساحات الأخرى وعلى الجنوب بما فيها المفاوضات حول الملفات الإيرانية المعلقة. لكن هذه العودة تصطدم بالواقع الجديد على الجبهة الجنوبية وإصرار إسرائيل على تغيير الوضع الحدودي إما بالديبلوماسية وفق ما يطرحه المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين حول القرار 1701 بصيغة جديدة معدلة يحكمها التفاوض للمرحلة المقبلة، وإما بحرب كبرى تبيّن أن الجميع غير مستعد لها أو هناك مخاوف من خوضها وإما باستمرار الحرب الحالية التي تشهد تصعيداً مستمراً وتبقي الجنوب ضمن دائرة المراوحة والفوضى والمزيد من الاستنزاف.
الخطر الذي يواجه لبنان انطلاقاً من جنوبه هو في استمرار المعركة المفتوحة التي تبدو اليوم مرشحة لأن تطول مع الحرب الإسرائيلية التي فتحت على الضفة الغربية والمستمرة أيضاً في غزة من دون تقدم فعلي في مفاوضات وقف اطلاق النار. وهذا التصعيد الذي يعكس قراراً إسرائيلياً بتمديد الحرب ومحاولة تحقيق أهداف في اطار سياسة تصفية القضية الفلسطينية، ترتفع شروطه حول لبنان، إذ أن إسرائيل تعتبر أن القوة العسكرية والصاروخية والطائرات المسيّرة الدقيقة التي يملكها "حزب الله" هي بمثابة تهديد مستمر، وبالتالي تحاول إسرائيل حشد الدعم الدولي حول مطلبها الداعي إلى إبعاد الحزب إلى شمال الليطاني أو إلى مسافة 10 كيلومترات عن الحدود.
وإذا كانت الشروط الإسرائيلية تحظى بتأييد أميركي، على الرغم من سقوط شرط المنطقة الآمنة أو العازلة عند طرح مشروع هوكشتاين في بداية مهمته بعد طوفان الأقصى، إلا أن الأميركيين يعملون على تجنب الحرب ويرفضون توسيعها بين لبنان وإسرائيل أو شن الأخيرة حرباً على لبنان قد تتحول إلى حرب إقليمية، وقد مارست الإدارة الأميركية ضغوطاً كبرى لمنع الانزلاق إلى الانفجار من دون أن يعني أنها قادرة نهائياً على لجم التصعيد الإسرائيلي، ولذا سعت الى إبقاء الوضع على ما هو عليه بموافقة ضمنية من طهران. وكان لافتاً أن واشنطن مررت التمديد لقوات اليونيفيل سنة إضافية وواصلت فتح قنوات خلفية مع طهران لإلغاء ردها على إسرائيل وهي مصرة على إبقاء المفاوضات قائمة حتى لو امتدت فترة طويلة كخيار وحيد لمنع التصعيد وإن كانت تستمر بدعم إسرائيل بالسلاح والذخائر. فالحلول الديبلوماسية هي الخيار الأميركي الوحيد الآن في ظل انشغال الإدارة بالانتخابات.
يتبين أيضاً من خلال العمليات الأخيرة لـ"حزب الله" اقتصارها على المواقع والمستوطنات القريبة من الحدود، بما يعني أنه لا يريد توسيع الحرب بل العودة إلى قواعد الاشتباك السابقة من دون أن يعني ذلك وقف العمليات بل الاستمرار بربط لبنان بغزة. ولعل ما يحدث في الضفة قد يزيد من الضغط على جبهة الجنوب، إذ أن إسرائيل تسعى إلى ضرب بنية حماس ومحاصرة الضفة بالاستيطان ودفع الفلسطينيين إلى الهجرة، فيما تسعى حماس إلى توسيع دائرة المعركة للتخفيف عن غزة مع ما يرتبه ذلك من أخطار على السكان.
لا أحد يستطيع تقدير إلى متى تستمر العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والضفة ولبنان. الواضح أن الوضع الحالي مرشح للاستمرار لفترة طويلة، في ظل تعثر المفاوضات التي لم تشهد تقدماً بفعل التشدد الإسرائيلي حول محور فيلادلفيا، وممر نتساريم. وبينما تواصل إسرائيل عملياتها في غزة والضفة مستفيدة من مراوحة المفاوضات لتحقيق أهداف قبل الوصول إلى وقف لاطلاق النار، لا تزال المخاوف ماثلة من تطور الأوضاع على جبهة لبنان مع احتمال نقل إسرائيل حربها بشكل كامل ضد "حزب الله" بعدما نقلت جزءاً من قواتها من غزة الى الشمال خصوصاً بعد الغارات الاخيرة التي استهدفت منطقة بعلبك والبقاع وحديثها عن تأمين الضمانات بالقوة لسكان مستوطناتها الشمالية، إضافة إلى إعلان "حزب الله" أنه ينشر صواريخه ومسيّراته من الجنوب إلى البقاع وصولاً إلى القلمون والقصير في سوريا، ما يعني أن القرار 1701 بات خارج السياق المرتبط فقط بالجنوب، فيما بات لبنان أمام أحد احتمالين، إما الوصول إلى تسوية للحدود برعاية خارجية وإما الحرب المدمرة...
ابراهيم حيدر - النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|