رسائل جعجع... نقاط على الحروف
كان لافتاً حراك رئيس حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع على مسرح معراب باتجاه جماهيره، مانعاً إياهم من "سبّ" "حزب الله"، في حين أمعن هو في شرح الواقع السياسي بالتفصيل وبلهجة قوية وراقية، أهم ما فيها أن الخطيب رجل دولة ماروني، والمخاطَب هو شعب لبنان كله من زعيم ماروني حريص على موقع رئاسة الجمهورية "وأياً كان الرئيس الذي يفوز نؤدي له التحية"، والأهم لديه أن الرئيس الماروني هو من يدير طاولة الحوار.
في الخطاب ثلاثة خطوط متوازية أبرز نقاطها ما يلي:
أولاً- لا عدائية تجاه أي فريق لبناني، وحرص على احترام شهادة الشهداء لكل اللبنانيين بمن فيهم شهداء "حزب الله".
ثانياً- لا سلاح خارج الشرعية، ولا إمكانية لأحد أن يحكم في اليوم التالي ضد أحد.
ثالثاً- ضرورة أن نتناقش حول أي لبنان نريد؟
وهذه المرة الأولى التي يخاطب فيها جعجع الرأي العام بكلام غير عادي أو تقليدي، بل بخريطة طريق إنقاذية جامعة تضع خطاً أحمر على حدود لبنان ووحدته، بما يعني رفض أي حديث عن التقسيم، وما يؤكد مدّ اليد للآخر، لا سيما إلى "الثنائي الشيعي"، ولكن ضمن حدود المنطق السياسي الذي رسمه جعجع.
وبمعزلٍ عن الملفات الإشكالية والنقاشات الدائرة على الساحة الداخلية، فقد بدا واضحاً أن إطلالة جعجع وخطابه البالغ الدلالات، والذي وجّه من خلاله الكثير من الرسائل يمنة ويسرة، وللحلفاء كما للمعارضة، فهو وضع النقاط على الحروف، وتقدّم، من حيث الطروحات، على ما عداه من قوى سياسية حيث أنه كان المبادر إلى طرح الحوار، ولكن ليس على انتخاب رئيس الجمهورية "وفق ما يتردّد منذ نحو عامين"، بل على العكس من ذلك، فقد فاجأ رئيس "القوات" الذين يتّهمونه بعرقلة ورفض الحوار أو التشاور، بأن دعا "خصومه" السياسيين، إلى الجلوس على طاولة حوار في اليوم التالي لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، ومناقشة التركيبة الجديدة للدولة، وحتى أنه ذهب بعيداً في طرحه الذي وضعه على طاولة البحث مع الشركاء في الوطن، إذ "أنزل" اتفاق الطائف عن الرف، وهو الذي دفع ثمناً غالياً لقاء توقيعه عليه وتأييده وتنفيذه من جهة واحدة.
الكثير من السياسة برز في سطور خطاب جعجع. فهو لم يوفِّر أي جهة سياسية في جبهتي الحلفاء كما الخصوم. وقد كان قاسياً إزاء الحرب التي أطلقها "حزب الله" من الجنوب، ودعا الحزب إلى العودة من خلال الحديث عن وجوب "أن يحمل اليوم التالي لهذه الحرب عملية مراجعة وإعادة نظر في كلّ شيء، ما عدا حدود لبنان ووحدته"، حيث أنه رفع السقف عالياً في الدعوة إلى عقد طاولة حوار وطنيّة تحت عنوان "أيّ لبنان نريد؟"
ومن هنا، فإن جعجع طرح تغيير بنية النظام، أو إحداث بعض التغييرات على اتفاق الطائف لجعله أكثر قابلية للحياة، ولكنه اشترط أن تأتي هذه المسألة بعد انتخاب رئيس الجمهورية وانطلاق الحوار تحت قبّة البرلمان حول كل ما هو متداول ومن قبل كل الأطراف، حيث أن الفيديرالية واللامركزية الموسّعة وغيرها تُطرح بعد الإنتخابات الرئاسية لأن تضليل وتقطيع الوقت بانتظار تفكك الدولة بالكامل، لا يخدم لبنان واللبنانيين لأن النظام سيتحلّل إذا استمر الشغور الرئاسي وسيذهب لبنان نحو حلول أخرى غير كل ما هو قائم حالياً.
وإلى حلفائه في المعارضة، جدّد جعجع دعوته لهم إلى عقد جلسة انتخاب مفتوحة لانتخاب رئيس، وقال: "انتخاب رئيس الجمهورية يجب أن يكون الخطوة الأولى حالياً، وألا يكون موضع مساومة، وعلى الرئيس برّي أن يدعو، وكما نصّ الدستور، إلى جلسة انتخاب مفتوحة بدورات متتالية حتى التوصّل إلى انتخاب الرئيس".
ولم يكن جعجع قاسياً فقط مع "حزب الله" وحلفائه الذين يتحدثون بلغة الأرقام وعن "العدد"، عندما أقرّ بأن "المسيحيين قليلو العدد ولكنهم كثيرو الفاعلية، وبأن الدستور غير مبني على العدد والأرقام"، ووجّه جعجع رسالةً إلى من تركه منفرداً ليدافع عن الدستور وعن اتفاق الطائف، ولم يؤيّده في المواجهة المصيرية التي بات فيها يجازف بأن يكون الطرف الوحيد الذي يرفع الصوت بوجه فريق الممانعة، "الذي يزجّ بلبنان في حرب عبثيّة لا أفق لها، وهي فُرضت على اللبنانيين ويجب أن تتوقّف، لأن اللبنانيين لا يريدونها ولم يكن للحكومة رأي فيها، ولذا، على من تورّط في هذه الحرب أن تكون له شجاعة الخروج منها".
"ليبانون ديبايت" - فادي عيد
شاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|