رياضة

قصة باولو روسي المثيرة في مونديال 1982...هكذا أبكى البرازيل

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

هذا ما قاله الكاتب جون فوت مؤلف كتاب "الكالتشيو: تاريخ كرة القدم الإيطالية"، عن الفتى الذهبي لإيطاليا في ثمانينيات القرن الماضي "باولو روسي"، إذ كان أداؤه غير مبشر بالخير، حتى بعد انضمامه إلى المنتخب للمشاركة في كأس العالم 1982 بإسبانيا، فلم يستطع إحراز هدف أو حتى المشاركة في صنعه، أثناء مباريات الدور الأول لكأس العالم، حيث كانت آثار ابتعاده عن الملاعب لمدة عامين لا تزال مسيطرة عليه، وكان أكثر اللاعبين الذين هاجمتهم الصحف في بداية كأس العالم بسبب ضعف مستواه، لكن سرعان ما تحول هذا الهجوم إلى مدح، وأصبح في خلال 270 دقيقة أشهر وأفضل لاعب في العالم آنذاك، حتى وصفه البعض بأنه "موناليزا الساحرة المستديرة"، وأطلقت عليه الجماهير اسم "بابليتو"، وهو اسم إسباني، لغة الدول الثلاثة التي استضافت نسخ كأس العالم التي شارك فيها وهي: الأرجنتين،إسبانيا، المكسيك.

  البداية
في مدينة براتو إحدى مدن إقليم توسكانا في 23 سبتمبر/أيلول لعام 1956، ولد باولو روسي، وعند اكتمال عامه السادس بدأ مثل أي طفل في ممارسة كرة القدم كهواية في الشارع مع أصدقائه، لكن سرعان ما تحولت هذه الهواية إلى شغف وطموح أكبر بكرة القدم، إذ انضم روسي للعب في أحد الفرق الصغيرة في مدينة فلورانسا بإيطاليا، وقد بلغت شهرته أنحاء البلدة التي يعيش فيها. ونتيجة لذلك انضم إلى يوفنتوس في سِنّ 16عاما، وظل فيه من الفترة 1972حتى 1975، لكنه لم يشارك خلال هذه الفترة في أي مباراة بسبب كثرة الإصابات التي تعرض لها منذ الانضمام، وعلى إثر ذلك قرر النادي التخلص منه وإعارته إلى نادي كومو لبضعة أشهر، ليظل سوء الحظ حليفه أيضا، فلم يوفق في أي مباراة لعبها مع ناديه الجديد، ولم يحرز أي هدف، حتى انتهى به الأمر بدون مشاركة، بسبب شبح الإصابات الذي طارده من جديد.  

وعلى إثر ذلك انتقل روسي في الفترة من 1977-1976 إلى نادي فيتشيننرا، أحد أندية الدرجة الثانية، في صفقة هي الأغلى في تاريخ كرة القدم في الفترة من 1976-1982، إذ بلغت الصفقة 1.75 مليون دولار.وهناك، بعيدا عن أضواء دوري الدرجة الأولى، بدأت موهبة ومهارة روسي في الظهور من جديد، إذ أحرز خلال هذا الموسم 21 هدفا، وقاد فريقه للصعود إلى دوري أضواء الدرجة الأولى، وفي موسم 1976-1977 قاد ناديه إلى المركز الثاني خلف ناديه السابق يوفنتوس، وقد أحرز في هذا الموسم 24 هدفا، وتُوّج هدافا للدوري.    

أما عن الشخص الذي كان سببا في استعادة مستوى روسي وعودته للعب من جديد فيقول: إن مدربه جيوفاني باتيستا فابري "كان له دور كبير في حياته الكروية، إذ كان سببا في تغيير مركزه داخل الملعب من خط الوسط إلى اللعب كمهاجم، نتيجة لافتقار النادي آنذاك إلى مهاجم، ليكون هذا المركز الجديد نقلة في حياته الكروية، وإنه مدين له بالكثير، إذ كان مرشدا له، وترك بصمة في حياته لا يمكن محوها".

كان من الطبيعي بعد تفوق روسي مع ناديه أن يكون محط أنظار مدرب المنتخب الإيطالي آنذاك إينزو بيرزوت، فقد ضمه في شتاء عام 1977 إلى المنتخب. يصف روسي شعوره عن هذا الانضمام قائلا: "على الرغم من أن أول مباراة كانت ودية، فإنها بلا شك واحدة من أقوى المشاعر التي مررت بها على الإطلاق. وهي ارتداء قميص المنتخب الأزرق، هذا معناه أن الحلم أصبح حقيقة، ويكمل أنه عندما بدأ عزف النشيد الوطني، شعرت وقتها بأنني هنا ليس من أجل نفسي وتحقيق حلمي، لكن من أجل تمثيل إيطاليا كلها".    

 وفي صيف عام 1978 شارك روسي في كأس العالم المقام في الأرجنتين، وأحرز خلال هذه البطولة ثلاثة أهداف، وحصلت إيطاليا على المركز الرابع، ليزداد بزوغ نجم روسي أكثر، ويكون محط أنظار ناديه السابق "يوفنتوس"، لكن "تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن"، إذ وقف نادي "فيتشيننرا" عقبة في انتقاله، بسبب فشل روسي هذه المرة في إنقاذ فريقه من الهبوط للدرجة الثانية، ليكون ذلك سبب في وضع النادي مبلغ خمسة مليارات ليرة مقابل انتقاله لنادي يوفنتوس، الذي عجز عن تسديدها، لتكون النهاية هي انتقاله إلى نادي بيروجيا.   

هناك مر بأسوأ مراحل حياته، ففي فبراير/شباط 1980 انفجرت قضية المراهنات الرياضية المعروفة باسم توتونيرو، التي تورط فيها أندية وشركات ولاعبون، وقد تم معاقبة الأندية التي تورطت في هذا الأمر بالهبوط إلى دوري الدرجة الثانية، وإيقاف بعض اللاعبين، وكان أبرزهم روسي الذي اتهم بالتلاعب في نتيجة مباراة فريقه ضد "أفيللينو" في ديسمبر/كانون الأول 1979، فحكم عليه بالسجن وإيقافه عن اللعب لمدة ثلاث سنوات، ثم خُفّضت العقوبة بعد ذلك إلى سنتين، وقد دافع روسي عن نفسه في هذه القضية قائلا:  "كان يجب أن يدفع الثمن شخص مهم، وفهمت بسرعة أنني الضحية التي تم تعيينها… كنت كبش فداء لمنع أزمة أخطر وأعمق"    

على الرغم من منع روسي من اللعب، فإن ناديه السابق يوفنتوس قرر شراءه عام 1981، وبعد انتهاء فترة عقوبته ضمه إلى التشكيلة الأساسية للفريق في موسم 1981-1982، ولم يشارك مع الفريق سوى في ثلاث مباريات فقط، وقد حصل فريقه على لقب بطولة الدوري في ذلك الوقت. على الرغم من أن روسي لم يقدم مع يوفنتوس شيئا يضاف إلى سجله، لتكون المفاجأة هي ضم مدرب المنتخب إينزو بيرزوت روسي إلى تشكيلة المنتخب الذي سيلعب في كأس العالم 1982 بإسبانيا،  بيرزوت كان له وجهة نظرة أخرى تجاه روسي، الذي يدين له بفضل كبير قائلا:   

"بيرزوت ساعدني على استعادة لمستي الكروية بعد غياب سنتين واستعادة حاستي التهديفية، وثقتي بنفسي وتركيزي، إذا كان علي ذكر اسم واحد كان له تأثير في مسيرتي فلا بد أن يكون بيرزوت،كان واثقا من أنني سأعود في الوقت المناسب، ثقته فيّ كانت عاملا أساسيا بالنسبة لي".      

إيمان بيرزوت لم يكن كافيا بالنسبة لروسي، فمع بداية الجولة الأولى في كأس العالم 1982 بإسبانيا لم يكن هناك أي وجود أو ظهور يُذكر لروسي، وكان الأداء باهتا سواء بالنسبة له أو لمنتخب إيطاليا، إذ انتهت المباريات الثلاث بالتعادل، وتأهلت إيطاليا بأعجوبة على حساب الكاميرون بفارق هدف واحد، وهنا شنت الجماهير والصحف هجوما كبيرا على روسي، حتى إن الصحف الإيطالية وصفته بأنه "شبح يتجول في الميدان بلا هدف".

على الرغم من الهجوم الشديد على روسي، فإن بيرزوت لا يزال متمسكا به ومؤمنا بموهبته، على الرغم من سوء الحظ الذي لا يزال مستمرا، ففي الدور الثاني، وفي أثناء مباراة إيطاليا ضد الأرجنتين، لم يقدم روسي شيئا وفازت إيطاليا بصعوبة بنتيجة 2-1 لصالح إيطاليا، وبقيت المباراة الفاصلة بينها وبين البرازيل لتحديد من سيتأهل للدور قبل النهائي.    

270 دقيقة
من خلال 270 دقيقة فقط توج روسي نفسه على عرش الساحرة المستديرة في الثمانينيات من القرن الماضي، وخلّد اسمه بعد ذلك ضمن أساطيرها، إذ كانت ضربة البداية في ملعب ساريا بمدينة برشلونة في الخامس من يوليو/تموز 1982، بين إيطاليا– والبرازيل، وعلى الرغم من أن الصحف الإيطالية كانت لا تزال تشن هجومها على المنتخب الإيطالي وأدائه الباهت، وعن وجود روسي اللاعب "الشبح"، الذي ليس له دور، وعن قدرة منتخب إيطاليا في الفوز على منتخب البرازيل صاحب الأهداف الـ 13 في البطولة حتى الآن، والذي فاز في كل المباريات التي لعبها، والمرشح بقوة للحصول على لقب البطولة الرابع على عكس منتخب إيطاليا الذي تأهل للدور الثاني بأعجوبة، وعن مدى نجاح منتخب إيطاليا في ظل وجود الجيل الذهبي للبرازيل أمثال سقراط، وزيكو، وفالكاو في تحقيق الفوز على منتخب السامبا. 

كانت الإجابة عندما بدأت المباراة وبعد 5 دقائق أعلنت رأس روسي عن أول أهداف منتخب إيطاليا، ليرد منتخب البرازيل بهدف التعادل من سقراط، لكن فشل منتخب البرازيل في الحفاظ على الهدف، ففي الدقيقة الـ 25 أعلن روسي عن الهدف الثاني لصالح منتخب إيطاليا، وانتهى الشوط الأول بفوز إيطاليا. بعد 15 دقيقة أعلن الحكم عن بداية الشوط الثاني من المباراة، فبدأ منتخب إيطاليا بخطة دفاعية للمحافظة على الفوز، وبقاء شباكه نظيفة بدون أهداف، بينما كان يبحث منتخب البرازيل عن التعادل ثم الفوز فكانت الخطة الهجومية، والوصول إلى مرمى منتخب إيطاليا واختراق دفاعه هو الهدف، وبالفعل نجح منتخب البرازيل في إحراز هدف التعادل في الدقيقة الـ 68 من الشوط الثاني بقدم فالكاو.  

واستمر منتخب البرازيل في هجومه على مرمى منتخب إيطاليا على أمل إحراز هدف ثالث من أجل الفوز، لكن في الدقيقة 74 أحرز روسي الهدف الثالث لصالح إيطاليا. لم يفقد منتخب البرازيل الأمل، إذ بقي من الزمن 16 دقيقة على انتهاء الشوط الثاني، وبالفعل حاول الوصول أكثر من مرة إلى مرمى إيطاليا حتى اللحظات الأخيرة من المباراة، وكاد أن ينجح منتخب البرازيل في إحراز هدف التعادل لكن دون فائدة، إذ أعلن الحكم انتهاء الشوط الثاني من المباراة بفوز الطليان وتأهله للدور قبل النهائي.     

إنجاز كبير حققه روسي بأهدافه الثلاثة في مرمى السليساو، البطل الذي كان مرشحا بقوة للحصول على اللقب، لكن جاء روسي وحطم أحلام منتخب السامبا. إذ يعود كل ذلك إلى الأب الروحي لروسي وهو بيرزوت، إذ يحكي عن أول شيء فعله عقب انتهاء المباراة قائلا: "بحثتُ عن بيرزوت عقب المباراة مباشرة. يعود الفضل له في ذلك. كان نصرا استثنائيا ولحظات لا تُنسى. عانقته ولم يكن هناك حاجة إلى الكلام. أعتقد أنني في تلك اللحظة اختبرت أقصى مشاعر السعادة التي تجعل المرء يطير "من الفرح" بعد سنوات من المعاناة".

لم يهدأ روسي واستمر في إنجازاته من جديد، لتكون الانطلاقة الجديدة في ملعب كامب نو ببرشلونة في 8 يوليو/تموز 1982، إذ أعلنت صافرة الحكم عن بداية مباراة نصف النهائي بين إيطاليا – وبولندا، وعلى الرغم من أن هذه المباراة لم تكن بالإثارة نفسها التي كانت عليها مباراة منتخب البرازيل، فإن الإثارة كانت تكمن في استمرار روسي في تفوقه، وفي جلب الفوز للمرة الثانية لصالح الأتزوري، بإحرازه هدفين في مرمى بولندا، ليرفع رصيده من الأهداف إلى 5 أهداف، وتتأهل إيطاليا لنهائي البطولة لمقابلة ألمانيا الغربية.     

في ملعب سانتياغو بيرنابيو بمدريد في 11 يوليو/تموز 1982، أعلنت صافرة الحكم عن بدء الشوط الأول من نهائي كأس العالم بين إيطاليا – ألمانيا الغربية، كانت بداية المباراة قوية، وكل فريق كان يسعى للتقدم، وبالفعل نجح منتخب إيطاليا في الدقيقة الـ 25 في الحصول على ركلة جزاء، لكنه أهدر فرصة التقدم لينتهي الشوط الأول بالتعادل السلبي. بعد 15 دقيقة من الراحة أعلنت صافرة الحكم عن بداية الشوط الثاني من المباراة الذي بدأ قويا أيضا، لكن بدون أي أهداف حتى الدقيقة الـ 57، التي أعلنت فيها رأس روسي عن إحراز هدف التقدم لمنتخب إيطاليا، وقد أدى ذلك إلى تفكك الدفاع الألماني، وعلى الرغم من الهجمات التي كان يشنها الألمان، فإنها باءت كلها بالفشل، لتحرز إيطاليا الهدف الثاني في الدقيقة 69، بقدم ماركو تارديلي.

يفقد المانشافت سيطرته أكثر على المباراة، ويحرز الأتزوري الهدف الثالث في الدقيقة 81، ليقترب الحلم الإيطالي من الحصول على اللقب الثالث، وقبل انتهاء المباراة بدقائق أحرز منتخب ألمانيا هدفا من أجل حفظ ماء الوجه بقدم بول برايتنر، الذي لم يعبر عن فرحته بعد إحرازه للهدف، بعد أن تأكد من ذهاب البطولة لروما، بعدها أعلنت صافرة الحكم عن انتهاء الشوط الثاني وفوز منتخب إيطاليا ببطولة كأس العالم للمرة الثالثة، وتتويج روسي بلقب هداف البطولة برصيد 6 أهداف، وبلقب أفضل لاعب في البطولة، وأفضل لاعب في العالم         

وقد تم اختياره بعد ذلك ضمن أفضل 100 لاعب في العالم، ومن ضمن أفضل 125 لاعبا في قائمة بيليه لعظماء كرة القدم، ومن ضمن أفضل 50 لاعبا في تاريخ أوروبا، وأصبح روسي حديث الصحف العالمية بعد إحرازه لبطولة كأس العالم 1982، واستمر في اللعب لنادي يوفنتوس حتى عام 1985، وحقق معه بطولة الدوري مرتين وكأس إيطاليا ودوري أبطال أوروبا، وكأس الاتحاد الأوروبي، والسوبر الأوروبي، ثم انتقل بعدها للعب لمدة عام مع نادي أي سي ميلان ثم إلى نادي فيرونا الذي لعب معه لمدة عام، دون أي إنجازات.        

وفي كأس العالم 1986 بالمكسيك، انضم روسي إلى تشكيلة منتخب إيطاليا، لكنه لم يشارك في أي مباراة، ليعتزل اللعب بعد ذلك في سِنّ 31 عاما، بعد مسيرة استمرت لمدة 12عاما في ساحات الساحرة المستديرة، أما في الوقت الحالي فقد افتتح روسي أكاديمية لتدريب كرة القدم تحمل اسمه، لتعليم الأجيال القادمة كيف صنع روسي مجده في 270 دقيقة.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا