محليات

الدعارة في لبنان... أمام الكاميرا

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ثلاث دقائق من الإثارة والتشويق، وموسيقى تصويرية تكاد تشعر المشاهد بأنه أمام فيلم thriller وليس تقريراً صحافياً ذا هدف. هذا باختصار شديد، حال التقرير الذي بثته LBCI قبل أيام في نشرتها الاخبارية، عن انتشار الدعارة في مناطق برج حمود والدورة والجديدة، حيث استعانت الصحافية لارا الهاشم، مُعدّة التقرير، بمشاهد تمثيلية وأخرى حيّة.
 

"جزء من اللبنانيين يناضل لرفع اسم لبنان في الخارج، وجزء آخر مُصرّ على تشويه صورة لبنان". بهذه الكلمات التي تحمل أحكاماً مسبقة على فئات المجتمع اللبناني، قدمت مذيعة النشرة، ندى اندراوس، التوطئة قبل عرض التقرير.

اختزال الوقائع

والتقرير لا يعاين ظاهرة الدعارة من كافة الجوانب، وإن ركز بشكل خاص على الفتيات اللواتي يقمن بالفعل، وهذه زاوية اختزالية وجدلية باعتبار أنّ المرأة التي تقوم بفعل الدعارة في المجتمعات الفقيرة هي عادة ضحية وليست جانية، وغالباً ما ترتبط الدعارة في هذه المجتمعات بالجرائم ضد النساء، كون الدعارة "العلنية" ظاهرة اجتماعية تستأهل النظر إلى الأسباب والظروف والعواقب التي تحملها على المجتمع، وخصوصاً أن الدعارة "العلنية" تُصنّف جريمة وفق للقانون اللبناني، وهذا ما غفل  التقرير عن معاينته.
 

فمن الذي يشوه صورة لبنان؟ طالبو الجنس من الرجال؟ أم النساء اللواتي يقدّمن هذه الخدمة المدفوعة؟ أم الدولة التي ادعى التقرير أنّها تعلم ولا تحرك ساكناً؟
 

في معرض مشاهدة التقرير لا بد من التوقف عند التوقيت، أي غاية نشر، فالتقرير بدأ بجُملة "لطالما سمعنا عن دعارة نشطة... لكننا هذه المرة قررنا معاينة الأمر بشكل مباشر". فإذا كان الكل يعلم، حسب هذه العبارة، فما هو الهدف من تعميم المعرفة الآن؟ وما الهدف من الصحافة السرية (under cover) التي استندت إليها الصحافية بالاشارة الى الأدوار التي لعبتها، كأن تكون فتاة تبيع الجنس أو أن تستعين بشبان يؤدون دور طالبي الخدمة، ما دام الكل يعلم ذلك بالملاحظة والتجربة. 


الكل يعلم؟

والحال أنّه اذا انطلقت فرضية التقرير من أن الجميع يعلم، كان الأجدر بالتقرير أن يذهب بعيداً ليعاين التأثيرات التي تتركه هذه الآفة في المجتمع، وأن ينظر الى عمق المشكلة، مثل عرض الظروف التي دفعت تلك النساء للعمل في الدعارة، ويوضح ما إذا كانت الدعارة بشكلها الحالي هي شبكة تتوسع من منطقة الى أخرى، والأهم: ما إذا كانت مرتبطة بعصابة ومشغلين وشبكات.
 

مما لا شك فيه أن تسمية المناطق بشكل فاضح، لا تخدم في ايجاد حل للمشكلة، وإنما قد تدفع الكثيرين من الباحثين عن الجنس مدفوع الثمن، للذهاب الى تلك المناطق، خصوصاً أنّ التقرير لم يحمل شهادات من أهل المنطقة والمعنيين تثبت رفضهم وتذمرهم من هذا الفعل، أو على الأقل تعبيرهم عن رفض هذه الممارسات. وعليه، يشارك الاعلام بطريقة غير مباشرة، في الترويج لهذه الظاهرة عبر نشر هذه المعطيات لمن تسول لهم أنفسهم اللجوء الى هذه المناطق للحصول على خدمة جنسية. 


قواعد الصحافة السرية

بالعودة الى "المعطيات"، فإن الصحافية اختارت أن تستخدم الكاميرا الخفية من أجل الحصول على شهادات حية يمكن أن تظهر كأدلة في تقريرها. والمعلوم، أنّ إحدى قواعد الصحافة السرية، التي عادة ما تظهر في معالجة قضايا الفساد والرشوة في لبنان، هي معرفة جوانب القصة كاملة، والتغيير الذي يُفترض بالمعنيين والرأي العام الدفع لتحقيقه. والفرق بين الفيلم السينمائي الذي يعالج مثل هذه القضايا، والتقرير الصحافي، أن الأول يعرض القصة من الواقع كما هي، أمّا الصحافي فيبحث في عمق القضية ليبين الدوافع والأسباب الاجتماعية للظاهرة.
 

ناهيك عن الخلل في العرض، فإن التقرير يركز على عمالة الفتيات الأجنبيات في الدعارة، كون الجنس عادة ما يحصل "في بيوتهن أو في السيارة"، وهذا ما يشكل خطراً على العاملات الأجنبيات كون هذا التنميط يشمل جميع الفتيات الأجنبيات من دون استثناء. وهكذا، تكمن مشكلة أخرى في التقرير في أنّه يلقي اللوم على هذه الفئة تحديداً، وبالتالي هل هذه هي الفئة التي ألمحت اليها التوطئة في البداية هي المسؤولة عن تشويه صورة البلد؟ 


حق الردّ

أمّا القاعدة الأخرى في الصحافة السرية فهي "حق الرد". لم نسمع من تلك الفتيات شيئاً، لم نعرف الدوافع التي أجبرتهت على احتراف الدعارة العلنية، واذا اعتبرنا أن الصحافية لم تحظ بقبول لنشر مقابلة معهن فإنّه من الواجب الإشارة الى الواقع الصعب التي تعيشه تلك العاملات في لبنان وكيف يتم تجنيدهن وابتزازهن لصالح شبكات دعارة واتجار بالبشر.
 

بالعودة الى القانون الصادر العام 1931، فإن الدعارة أو "البغاء" في لبنان حسب العبارة المكتوبة في نص القانون، مشرعة ضمن شروط معينة ورخص خاصة رغم عدم صدور أي منها منذ السبعينات. وهذا ما يبرر استخدام مصطلح المهنة في التوطئة الخاصة بالتقرير، لكن كان من الأجدر أن تعالج الصحافية هذه الظاهرة في قالب اجتماعي بدلاً من أن تكتفي بعرضها وكأنها مشهد درامي عابر... وبدلاً من الاكتفاء بالإثارة والتشويق كرافعتَين للتقرير (والرايتنغ؟) دون الصحافة الحقيقية. 

نور صفي الدين

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا