بايدن استمع الى الخليجيّين في جدّة... سنجعلك تخسر "النّصفيّة" وأوكرانيا ولكن...؟؟؟
قد تكون زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الخليج، نجحت في التكتيك، أكثر من الاستراتيجيا.
فبمعزل عن انخفاض مستوى الثّقة المستمرّ بين الطرفَيْن الأميركي والسعودي، رغم الاتّفاقيات الموقّعَة بينهما، شكّلت الزيارة الأميركية أبهى صورة لأنشطة "الضّرورة"، وبما لا تخجل أي جهة في التعبير عنه.
انتخابات
فلسنا "ولاد مبارح"، حتى لا نلاحظ أن العرب "ابتهجوا" برؤية بايدن في جدّة، كإذلال له بعد تعهّده بجعل السعودية "منبوذة". ولسنا "ولاد مبارح"، لنتجاهل مسألة أن عَدَم تحقيق اختراقات صارمة في أسعار النّفط، سيشكّل مشاركة خليجية في المساعي الروسية لـ "اختراق" الانتخابات "النّصفيّة" الأميركية، بالتضخُّم، وبفَشَل الرئيس الأميركي أمام رأيه العام، وذلك للإطاحة بالديموقراطيين في تلك الانتخابات، ولتوجيه الكونغرس الأميركي في اتّجاه يقلّص المساعدات الأميركية لأوكرانيا، بحسب الرّغبة الروسيّة.
كما لسنا "ولاد مبارح" أيضاً، حتى لا نُدرك أن الأميركيين، بديموقراطيّيهم وجمهوريّيهم، لم ولن يصدّقوا أي رواية رسميّة حول مقتل الصّحافي السعودي جمال خاشقجي، وأن هذا الملفّ لن يشكّل مادة "مُتعِبَة" مع واشنطن، خلال العقود القادمة.
أوكرانيا
محاولة تأثير أي جهة خارجية، على نتائج الانتخابات في أي بلد يعيش على الديموقراطية، وعلى الرأي العام، وعلى إدارات السنوات الأربع أو الثماني، وليس على أنظمة حكم الأشخاص لعقود وعقود، قد يكون سهلاً بالاقتصاد. ولكن ما لن يكون لعبة سهلة تماماً، هو تغيير نظرة الدولة الأميركية "العميقة" الى الحرب الروسيّة على أوكرانيا.
وبالتالي، بفوز "ديموقراطي" أو "جمهوري" في "النّصفية" الأميركية، قد لا يكون سهلاً تماماً، العمل ضدّ واشنطن في أوكرانيا.
"أوبك بلاس"
كما أن سواء بفوز "ديموقراطي" أو "جمهوري"، فإن لا شيء يغيّر واقع أن محاربة روسيا في حربها على أوكرانيا، باتت استراتيجيا أميركية، لها اقتصاداتها، واتّفاقياتها، وشراكاتها التجارية، والتكنولوجية... وفي عوالم الطاقة، والثّقافة، والقِيَم المشتركة... مُشابِهَة لتلك التي أفرزتها حقبة ما بعد الحرب على الإرهاب، وسقوط الاتحاد السوفياتي... في الماضي.
وهذا يعني أنه بتوقيع 18 اتّفاقية من هنا، أو 180 اتّفاقية من هناك، إلا أن لا شيء مهمّاً إلا على صعيد من سيعمل مع الولايات المتّحدة الأميركية أو ضدّها، في حربها، على الحرب الروسيّة في أوكرانيا. وانخفاض أسعار النّفط، مع ضمان الاستقرار المُستدام في أسواق الطاقة، من خارج أي لعبة بَيْع وشراء مع الروس في وجه واشنطن، ضمن "أوبك بلاس"، سيشكّل أحد المؤشرات الأساسيّة لتحديد العدوّ والصّديق، بالنّسبة الى الأميركيين، مستقبلاً.
قواعد
نجح بايدن في الخليج بإعادة تصوير الولايات المتحدة الأميركية كـ Super Power في المنطقة، ولكن من دون أن تكون الـ Super Power، أي ان لا مجال بعد اليوم لعلاقات أميركية - خليجية تُغري الخليجيّين بعَدَم النّظر باتّجاه موسكو وبكين.
فلعبة حقوق الإنسان، والمساءلة، والمُحاسَبَة المُعمَّمَة على الجميع، ومن أعلى الهرم الى أسفله، ليست جذّابة لبعض حكام منطقتنا، الذين يحلمون بعقود طويلة من حُكم مستقرّ، بمعزل عن أي خطوط حمراء، أو قواعد. وهؤلاء يجدون وسيجدون ضالّتهم أكثر مستقبلاً، في بلدان مثل روسيا والصين، حيث الحكم "الملكيّ المُقنَّع"، وحيث لا يُطلَب من الشعب إلا الاعتراف بأن الحاكم يعلم كل شيء، ويتحكّم بكل شيء، من دون أي نقاش.
وهذا سبب أساسي لزيادة التباعُد بين الأميركيين والخليجيّين، في القادم من الأشهر، والسنوات، والعقود.
وزير دفاعه
ولكن الى جانب "تلذّذ" بعض من في منطقتنا بـ "إذلال" بايدن في الخليج، كانت معالم "النّبذ" الأميركي للخليج تظهر بوضوح أيضاً، ومن خلال الجلوس الأميركي "التكتيكي" مع "الشركاء والحلفاء" هناك.
ففي العادة، لا بدّ من أن تكون الشراكات والاتفاقيات الاقتصادية والتكنولوجية... مُترافِقَة مع واقع دفاعي معيّن، وهو ما لم نجده في الخليج قبل أيام. فبايدن زاره (الخليج) من دون وزير دفاعه (لويد أوستن)، ومن دون أي وفد عسكري رفيع المستوى، ومن دون أي جانب أو كلام عسكري عالي النّبرة، بينما تفقّد (بايدن) بطاريات الدّفاعات الصاروخية الإسرائيلية، مُشيداً بالصناعات العسكرية الإسرائيلية، خلال زيارته إسرائيل، قبل 48 ساعة من "نزوله" في جدّة.
"إعلان القدس"
هذا فضلاً عن أن "إعلان القدس" بحدّ ذاته، أكد بما يسبق القدوم الى الخليج، أن لا مجال لثقة واشنطن الكاملة إلا بالشراكة الأميركية - الإسرائيلية، وأن لا مجال لضمانات أميركية مُوقّعَة لأحد، إلا لتل أبيب.
حتى إن واشنطن، ومن خلال "إعلان القدس"، وزيارة بايدن المنطقة، حصرت عملها على المخاطر بمتطلّبات إسرائيل فقط، إذ أعطَت توقيعها لتل أبيب، في شأن التعهّد بعَدَم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي. فيما أكد الرئيس الأميركي لإسرائيل، وليس لسواها، أنه لن يشطب "الحرس الثوري" من قائمة الإرهاب، وذلك حتى ولو انهار الاتّفاق النووي.
وهذا دليل على أن لا ثقة أميركية كاملة إلا بإسرائيل، وعلى أن لا مشروع أميركياً عسكرياً مُمكناً بين تل أبيب والدول العربية، بل مجرّد رغبة أميركية باندماج "مدني" لإسرائيل في المنطقة، لا أكثر، وبما ينسجم مع لغة واشنطن في مجال حقوق الإنسان، وفي محاربة معاداة السامية، وذلك بموازاة الاكتفاء بتشديد بايدن في الخليج على الخيار الديبلوماسي مع طهران، وعلى الحلّ السياسي في اليمن، وعلى حرية الملاحة للجميع في المنطقة.
النتيجة
الخليجيون رفعوا صوتهم بوجه بايدن، على طاولة جدّة، وبيّنوا له أن لا ابتعاد عربيّاً عن روسيا والصين. وبايدن بدوره، أوصل رسائله "الدّفاعية" للعرب، حول أن الجندي الأميركي لن يموت في الشرق الأوسط، في أي يوم مستقبلاً، إلا من أجل إسرائيل، ومهما تعاظمَت التهديدات في المنطقة، خصوصاً أن قِمَم جدّة أظهرت فقدان الثقة العربيّة - العربيّة، والخليجيّة - الخليجيّة، بعض الشيء أيضاً، وعلى مستويات عدّة.
ولكن تبقى نتيجة الزيارة النّهائية، في مجموعة من الجُمَل، من بينها "انخفاض أسعار النّفط"، و"مستقبل اتّفاق "أوبك بلاس" مع روسيا"، و"السلوك العربي والخليجي تجاه الحرب الروسيّة على أوكرانيا".
فتلك النّقاط ستحدّد طبيعة العلاقات الأميركية - الخليجية - العربية مستقبلاً، خصوصاً أن التحوّل العربي من الغرب الى الشرق، يحتاج الى وقت طويل، والى تكاليف كبيرة، بعد شراكات امتدّت لعقود كاملة سابقاً. والتحدّي الأساسي هو في إمكانيّة النّجاح بهذا التغيير، من دون متاعب، أو عقوبات، لا سيّما إذا اختار البعض نهجاً متهوّراً من السّرعة والخشونة، في الطريق نحو موسكو وبكين.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|