عربي ودولي

دمشق تستشعر التّغييرات: نصرالله شكّل مظلة منعت انتقاد سياسات الأسد

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

شكّل اغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله مناسبة جديدة للكشف عن مدى الانقسام الحاصل بين السوريين. ففيما خيّمت أجواء الحزن والصدمة على الموالين للنظام، كان نظراؤهم المعارضون يوزعون الحلوى ابتهاجاً في شوارع إدلب وشمال حلب. وتعود خلفية هذا الانقسام إلى اختلاف نظرة كل طرف إلى الدور الذي لعبه الحزب في الحرب السورية، فالموالون يعتبرون أنه أنقذهم من براثن التكفيريين المتطرفين، فيما اعتبره المعارضون بمثابة الثورة المضادة التي استهدفت إجهاض "الثورة" ضد النظام السوري.  

ومع ذلك، فإن اغتيال نصر الله بالنسبة إلى دمشق جاء في توقيت صعب تكابد فيه العاصمة السورية من أجل ترتيب بيتها الداخلي وإعادة علاقاتها العربية والإقليمية، وسط مخاوف متزايدة من عودة اندلاع العنف بعد هدوء نسبي استمر قرابة الأعوام الأربعة الماضية، وفي ظل تصاعد التهديدات الإسرائيلية التي شكلت ضربة مصياف قبل أسبوعين من اغتيال نصر الله ذروتها الكبرى، بما تضمنته من إنزال جوي واشتباكات مباشرة، وأسفرت عن تفجير مصنع "حير عباس" الذي كان مختصاً بصناعة الطائرات المسيرة والصواريخ الموجهة بإشراف إيراني، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. 
 
وبعد نحو أربع ساعات من إعلان "حزب الله" رسمياً مقتل نصر الله، وبعدما كان كل أطراف محور المقاومة قد سارعوا إلى التعليق على اغتياله على الفور، أصدرت وزارة الخارجية السورية بياناً نعت فيه الفقيد قالت فيه: «فقد لبنان الشقيق السبت الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله، إثر عدوان إسرائيلي غاشم وجبان استهدف منطقة سكنية في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت بأطنان من القنابل المدمرة، ما أدى إلى استشهاده إلى جانب عدد كبير من المدنيين الأبرياء". 
 
وأضاف البيان: "إن الجمهورية العربية السورية إذ تدين بأشد العبارات هذا الفعل الإجرامي الإسرائيلي، تعرب عن تعازيها للبنان الشقيق، ولكل الأحرار حول العالم باستشهاد قائد المقاومة الوطنية اللبنانية، وتحمّل كيان الاحتلال المسؤولية الكاملة عن عواقبه الجسيمة». 

وفي إشارة مقتضبة إلى دور الراحل في الحرب السورية، قال بيان وزارة الخارجية إنه "على رغم مشاعر الأسى والحزن التي أشاعها نبأ استشهاد السيد نصر الله لدى الأحرار في كل مكان، ولدى الشعب السوري الذي لم ينسَ يوماً مواقفه الداعمة، فإن مسيرته البطولية ستبقى منارة للأجيال القادمة لمواصلة نضالها من أجل تحرير جميع الأراضي العربية المحتلة، وضمان محاسبة إسرائيل عن أفعالها المشينة". 

وبعد وقت قصير من صدور بيان وزارة الخارجية، أعلنت الحكومة السورية الحداد ثلاثة أيام. وذكر بيان الحكومة أن "الجمهورية العربية السورية تشارك الشعب اللبناني الشقيق أحزانه بمصابه الجلل باستشهاد نصر الله، وتعلن حكومة الجمهورية العربية السورية الحداد الرسمي العام لمدة ثلاثة أيام، وتنكّس الأعلام في جميع أنحاء الجمهورية العربية السورية وفي جميع السفارات والهيئات الدبلوماسية في الخارج طوال هذه المدة».
 
في المقابل، أثارت مظاهر الفرح باغتيال نصر الله التي انتشرت في إدلب وأرياف حلب الواقعة تحت سيطرة "هيئة تحرير الشام" والفصائل الموالية لتركيا، جدلاً واسعاً سارع المجلس الإسلامي السوري، ومقره في إسطنبول في تركيا، إلى حسمه مشرعناً هذه المظاهر. 
 
وقال المجلس في بيان له السبت، إنّ "فرح الشعب السوري بهلاك المجرم "حسن نصر الله" وقادة حزبه المجرمين جائزٌ وله ما يبرره شرعاً وأخلاقاً".
 
وأكد المجلس أن الشعب السوري لا يمكن "أن يتسامح مع الذين دنسوا مساجده ورفعوا على مآذنها شعارات طائفية وقتلوا المصلين فيها، وشاركوا في تهجير الملايين".
 
ومما لا شك فيه أن العاصمة السورية تشعر بالخسارة والصدمة جراء اغتيال نصر الله، لأن غيابه عن زعامة الحزب سيدفعها إلى تحسس تفاصيل علاقتها مع زعامته الجديدة وترقب توجهاتها، لا سيما بخصوص السياسة الداخلية في لبنان والصراع مع إسرائيل وحدوده ومداه. 
 
وكان نصر الله متفهماً لتعقيدات الموقف السوري التي منعته من اتخاذ مواقف أكثر صلابة ضد حرب الإبادة التي شنها الإسرائيلي ضد قطاع غزة بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) الماضي. وتولى نصر الله شخصياً أكثر من مرة تبرير الموقف السوري، بما شكل مظلة غطت على سياسة دمشق، ومنعت من انتقادها بسبب عدم مشاركتها في دعم غزة عسكرياً، إذ أشار نصر الله في إحدى كلماته إلى ما تقوم به دمشق من دور في الإمداد. 
غير أن الأمور تغيرت جذرياً. ليس فقط بسبب اغتيال نصر الله، بل لأن المقاومة اللبنانية تعرضت لضربات قاسية أصابت بنيتها في الصميم، ويبدو أن لدى إسرائيل مفاجآت أخرى قد تجعل الأمر أكثر سوءاً، لذلك بدأت دمشق تستشعر أنها سوف تكون معنية بالتعامل مع هذه المتغيرات لأن التطورات وضعت مصير "حزب الله" باعتباره "درة تاج" محور المقاومة على المحك، ولن يكون من السهل على العاصمة السورية أن توازن بين ضرورة الحفاظ على "حزب الله" بعد رحيل نصر الله، وحرصها على البقاء ورغبتها في تعزيز علاقاتها العربية.

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا