الصحافة

اغتيال “السّيّد”… أو “فائض القوّة الشّيعيّ”؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لن يكون اغتيال الأمين العامّ للحزب عابراً أو حادثاً عرضيّاً في تاريخ الشيعة في لبنان، بل هو حدث سيلقي بأوزاره على الطائفة الشيعية لسنوات وربّما لعقود لاحقة. هذا حصل في سياق تتابع الأحداث التي تراكمت منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول 2023)، وكانت له تأثيراته على سياق شيعيّ عام. وهو إن أصاب رهط الحزب ومشايعيه، إلا أنّ شدّته ستطال جسماً شيعياً عريضاً عقد الآمال على السيّد نصرالله بوصفه رمزاً للنصر دائماً وأبداً.

في 27 أيلول المنصرم، هزّ انفجار عنيف معقل الحزب في حارة حريك بضاحية بيروت الجنوبية. دقائق بعده، انتشر اسم الأمين العام للحزب كهدف للانفجار الضخم. في اليوم التالي، نعاه الحزب، لتتوالى النعيات وينعاه الخصم قبل الصديق.

كان الخبر صاعقاً، وإن غير مفاجئ. فاغتيال نصرالله تتويج لاغتيالات عديدة نفّذتها إسرائيل منذ نقلت ثقلها العسكري من جبهتها الجنوبية في قطاع غزة إلى جبهتها الشمالية على الحدود مع لبنان.

استهدفت إسرائيل خلال عام من “حرب الإسناد” التي دشّنها الحزب دعماً لحليفته حركة حماس وقطاع غزة والفلسطينيين عموماً، عدداً من القادة الميدانيين البارزين في الحزب، من وسام الطويل مروراً بأبي طالب فأبي نعمة وصولاً إلى فؤاد شكر ثمّ إبراهيم عقيل وليس انتهاءً بالأمين العام، وبعده نبيل قاووق وهاشم صفيّ الدين…
ابن موسى الصّدر

إلا أنّ لاستهداف الأمين العامّ معانيَ كثيرةً ودلالات لا حصر لها ولا عدّ. فالسيّد نصرالله هو رمز “القوّة الشيعية” التي طغت على الحياة السياسية في لبنان، خاصةً في العقدين الأخيرين. هو رمز “فائض القوّة الشيعي” الذي شكّل لسنوات عدّة محور كلّ حديث في السياسة في لبنان وخارجه. وهو أيضاً فائض قوّة مستمدّ من الداخل اللبناني والشيعي تحديداً، بقدر ما هو مستمدّ أيضاً من الخارج الشيعي الذي يبدأ من إيران ولا ينتهي في اليمن.

عليه، يصير السؤال المطروح حالياً هو التالي: هل استهدفت إسرائيل “فائض القوّة الشيعي” هذا؟

لفائض القوّة الشيعي هذا تاريخ لم يبدأ مع نصرالله، بل بدأ قبله بكثير. نعى رئيس مجلس النواب اللبناني السيد نصرالله مخاطباً إيّاه بـ”يا ابن موسى الصدر”، بما تحمله هذه العبارة من دلالات قد تختصر تاريخ الشيعة المعاصر في لبنان.

“فائض القوّة الشيعي” أو الشيعية السياسية وفق المصطلحات اللبنانية بدأت تتشكّل منذ مطلع القرن المنصرم، وتحديداً مع قيام دولة لبنان الكبير. يومها قرّر الحلفاء بطلب من البطريرك الياس الحويك ضمّ جبل عامل “الشيعي” إلى لبنان الكبير. عارض موارنة كثر هذا الأمر ورفضوه محذّرين من المئة ألف شيعي يومها الذين كانوا في الجنوب. قالوا إنّهم لا شكّ سيشكّلون خطراً ديمغرافياً على لبنان. أبرز المحذّرين والمعارضين يومها كان إميل إدّه وسليمان البستاني وآخرين.

لاحقاً، راح “الخطر الديمغرافي” هذا يتمدّد ويتوزّع على الأحزاب اللبنانية من كلّ المشارب والمناطق والعقائد، إلى أن وصل إلى لبنان قادماً من إيران، عبر السيّد موسى الصدر، الذي دعا إلى نهضة شيعية وقام ببلورة كينونة طائفية رسمية للشيعة في لبنان، عبر تأسيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أسوةً ببقيّة الطوائف، وحركة المحرومين التي وإن كانت لها امتدادات غير طائفية إلا أنّ شيعيّتها لم تخفَ على عينٍ.

سياق شيعيّ: من طهران إلى الجنوب

لاحقاً مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وقيام دولة دينية شيعية هناك، صار للشيعة، حيث وُجدوا في العالم العربي، عمق ديني-سياسي، ومرجعية دينية-سياسية، سرعان ما انبثقت عنها أحزاب وقوى توزّعت على مختلف الدول العربية، كان أبرزها الحزب الذي انبثق من خطّين غير متناقضين:

– الأوّل محلّي خطّه الإمام موسى الصدر منتصف ستّينيات القرن الماضي.

– والثاني إقليمي دشّنه الإمام الخميني في إيران، وهما خطّان في سياق واحد، هو سياق النهوض الشيعي في إيران ولبنان والمنطقة عموماً.

أشرفت إيران دولةً ونظاماً وجيشاً وحرساً ثورياً على الحزب منذ نشأته، وموّلته وسلّحته ودعمته بشتّى الوسائل حتى صار ذراعها الأقوى والعليا في المنطقة. وصار عمليّاً سلاحها الفعّال المكافئ والموازن للقنبلة النووية التي لم تعلن امتلاكها حتى اللحظة.

هذه الذراع أثبتت فعّاليتها وجدواها في أكثر من محطّة تاريخية وأكثر من بلد عربي، من كوسوفو إلى لبنان فالعراق فسوريا فاليمن. وحقّقت إنجازات بالمعنيَين السياسي والعسكري، أبرزها تحرير جزء كبير من الأراضي اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي عام 2000، ثمّ الصمود في وجه إسرائيل عام 2006، فالحفاظ على نظام بشار الأسد في سوريا ضدّ شعبه، بالإضافة إلى مساهمات عديدة في اليمن والعراق.

هواجس العيش ولعنة الاغتيال

رمز السردية هذه، أو السياق هذا، هو الأمين العام للحزب، المُغتال في مقرّ قيادته في حارة حريك. فهل اغتياله قطع للسياق الشيعي هذا، أو قضاء على السردية تلك؟

بمعنى آخر: هل اغتيال نصرالله اغتيال لهذا التاريخ الشيعي، وقضاء على فائض القوّة هذا الذي لطالما شكا منه كثيرون؟

لا شكّ أنّه حدث ستقف عنده أجيال كثيرة، وستكون له تداعيات كثيرة على المستويات كلّها: شيعياً ولبنانياً وعربياً وإسلامياً. كما ستكون له تداعيات كبيرة على مجريات الصراع العربي الإسرائيلي. فما بعد نصرالله ليس كما قبله.

فقد الشيعة باغتيال “السيّد” فائض قوّة معنويّاً، قبل أيّ شيء آخر، من الصعب تعويضه نظراً إلى امتلاكه كاريزما خاصةً ومميزةً طبعت الطائفة الشيعية بكاملها بطابعها. ونظراً إلى اختزال الرجل في حياته سيرة الطائفة في شخصه، حتى ليتبادر اسمه فور ذكر مفردة شيعي في لبنان حتى اللحظة، أي حتى ما بعد اغتياله.

من الصعب القول إنّ اغتياله اغتيال للطائفة الشيعية، لكنّ اغتياله دون شكّ أصاب الطائفة الشيعية في مقتل، وأحدث فيها جرحاً بالغاً تحتاج إلى الكثير من الوقت والمجهود والدعم لتتعافى منه.

يبقى أن تفصح الأيام المقبلة عمّا إذا كان الاغتيال نهايةً لسياق شيعي في المنطقة بدأ قبل عقود، أو نهاية لشخص بعينه سرعان ما سيملأ فراغه شخص آخر.

لكنّه بالتأكيد واحدة من هزائم 7 أكتوبر المتراكمة منذ تاريخها حتى اليوم. وهو بلا أدنى شك اغتيال لسياق انفرد بتميّز جعل من الأمين العام للحزب شخصية إقليمية تقاطعت عندها سياسات المنطقة وأهوالها الإسلامية والعربية حتى تفرّد هو وحزبه بالسيطرة والتحكّم بمختلف السياسات ورسم معادلات مع إسرائيل ما عاد ممكناً الآن أن يخطّ فيها أيّ خطّ.

أيمن جزيني - اساس ميديا

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا