ألم نشاهد ما فعلوه في قطاع غزة؟
باتت العمليات العسكرية الإسرائيلية، والابادة التي يقوم جيش العدو بها في غزة، أكثر من مجرد مضرب مثل، بل أصبحت اليوم استراتيجية محققة يقوم بها كنموذج دائم لكل عملياته، وها هو يعيدها في حربه الشاملة في لبنان. من هنا يصبح القول الشائع في اليومين الأخيرين، من أن العدو أنهى بنك أهدافه وهو يبحث عن بنك اهداف جديدة، وبين هذه وتلك، يقوم بضرب أماكن يستحدثها، كلام من خارج السياق، إن لم نرد قول إنه كلام متناقض أو بلا معنى حقيقة. فالوقائع تعزّز فرضية أنه في اليومين الأخيرين من سلسلة الاستهدافات، وفي السياق العام الذي وصلت الحرب إليه، هو أن إسرائيل لا تريد استهداف المراكز العسكرية والمالية للحزب فحسب، ولا تريد القضاء عليه ككيان عسكري فقط، بل هي تريد استهداف كافة المرافئ الحيوية والشروط الحياتية للطائفة الشيعية بما تمثلّه من شروط العيش والاستمرار في هذه المناطق ذاتها.
خطورة ما يحدث
لكن ما السبب من خلف كل هذا؟ يمكن الجزم بأن السبب لا يعود لشيء بقدر الامعان في ضرب أي إمكانية اجتماعية للمناطق الشيعية في المقبل من الأيام، وذلك في خطوات متتالية تقدم عليها إسرائيل بهدف تكريس شروط الترانسفير الشيعي من المناطق المستهدفة الى مناطق النزوح، ومن ثم الى مناطق النزوح الجديدة، وهكذا الى ما لا نهاية، أو بالأحرى إلى نهاية يبغاها هذا العدو، وهي التهجير المستمر وصولًا إلى ابعاد أي تجمّع شيعي مستقبلي عن كل ما يحيط بالأراضي المحتلة. فالأهداف التي تحاول إسرائيل تحقيقها اليوم ليست خبط عشواء، ليست مجرد تغطية عن فراغ بنك المعلومات والقيادات التي تريدها، كما يحلو للبعض أن يعتبر، وفي محاولة من هذا البعض التخفيف لربما من وطأة ما يجري، أو ربما محاولة لزرع الوهم على صيغة الأمل في نفوس القاعدة الشعبية الشيعية. بل إن ما يتم استهدافه في الأيام الأخيرة هو الأخطر، لا بل الأشد خطورة من مراكز الحزب ذاتها، وهذا ما يدهش المتابع حين يشاهد ما يشاهده من ناحية، ويعايش ما يعايشه من ناحية ثانية، وحين يسمع ما يسمعه على الشاشات من تحليلات من نواح أخرى. وكأن المحللين الذين ينطقون بلسان الحزب، أم أولئك القريبين منه، لا يعلمون حقيقة ما يجري، وكأنهم لا يدرون خطورة ما يحدث والغايات المباشرة وغير المباشرة منه!
إن كان لنا أن نتكلم عن الأهداف في الأيام الأخيرة في سياقها العام، والتي لم تكتف فقط بمراكز الحزب، بل بدأت باستهداف وتدمير مباني البلديات، ومراكز الدفاع المدني، والقرض الحسن بما يمثله في دورة الحزب ومن الدورة الشيعية المالية، وصولًا إلى استهداف المستشفيات وما يحيط بها، ومن مراكز بحرية... الخ، ولاحقًا لربما أهداف أخرى لا نعرف كنهها، ولا نعرف إلى أي مدى يخطط هذا العدو الى اخلاء وافراغ المناطق واستهداف مراكز حيوية جديدة، من خلال الامعان ليس في تهديمها فحسب، بل تدمير كل إمكانية لإعادة بنائها، في ظل كلام وممارسة لا تشي إلا بالإمعان في التهجير الجماعي لكل ما يمكن أن يشكل قاعدة بناء جديدة للحزب، فهذا مستوى آخر من مستويات الحرب المفتوحة والشاملة التي نعيشها، ومن مستويات تحقيق الشروط التي يبدو أن العدو لن يرضى بأقل منها بوصفها الشروط الضرورية لتأمين أراضيه ليس في الحاضر فحسب، بل في المستقبلين القريب والبعيد أيضًا.
يبدو في السياق كله أن إسرائيل باتت تفكّر في مكان آخر مختلف تمامًا عن كافة الشروط السياسية التي لا يزال الكلام ينصبّ عليها اليوم، خصوصًا الكلام الخاص بمحور الممانعة ومحلليه، بل باتت في حرب اجتماعية وإنسانية شاملة، في حرب تتخطى المنوال الذي كان عليه منوالها عام 1948، بالإضافة إلى تخطي قدرتها التدميرية الحروب القديمة التي نقرأ عنها في التاريخ، والتي تتعزّز اليوم بشروط تكنولوجية استثنائية وبقدرات قتالية لم يرَ التاريخ البشري مثيلًا لها.
1701 بات خلفنا
من هنا يمكن فهم السياق والشروط التي يحاول المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين العمل عليها منذ أشهر، وهو أن القرار الدولي 1701 بات خلفنا، وأن إسرائيل لن ترضى بنسخته السابقة بعد اليوم، لأن حوالي 18 سنة من عمر هذا الاتفاق لم تحقق ما تريده اسرائيل، ولذلك فهي باتت تنظر إليه وكأنه اخفاق، وكأن شكله الحالي عائق، بل وكأنه اتفاق أكل الدهر عليه وشرب ولا يمكن أن يحقق لها ما تريده في حال بقي هو المنعطف الذي ينهي هذه الحرب اليوم. ففي هذه الأيام، يمكن الجزم بأن إسرائيل تنظر الى كل السياق وهي تعلم جيدًا أن تجفيف المنابع الاجتماعية والمالية والجغرافية والبشرية للحزب هي الآلية التي تستطيع من خلالها الوقف النهائي لخطره. فليس ضرب مراكزه ومنابع قوته بكافٍ، بل يبدو أن المطلوب اسرائيليًا اليوم هو ضرب وتجفيف كل المنابع التي يمكن أن تشكّل إحدى الروافد التي قد تغذّي إعادة انتاج الحزب نفسه ما بعد هذه الحرب.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|