هذه هي وصية البابا للبنانيين... وهذا ما أراد سماعه من الراعي
قد يعتقد بعضٌ من أصحاب النظرة الوجودية أن دعوات الفاتيكان الدائمة إلى الاستعانة بالقدرة السماوية عبر الصلاة المتواصلة لحلّ ما لا يمكن حلّه من أمور أرضية لا تجدي نفعًا، خصوصًا إذا كان لهذه الأمور علاقة عضوية مع من يؤجّجون نار الحروب. وقد يأتي رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو في رأس قائمة هؤلاء، الذين لا يؤمنون بأن من أخذ بالسيف والصاروخ فبهما يؤخذ، وقد لا يخطر على بالهم أن الأمور هي في خواتيمها، وأن من يضحك هو من يضحك أخيرًا، وإن كانت استعارة هذا التوصيف في غير محلها الصحيح، لأنه من كثرة البكاء لم يعد للإنسان قدرة حتى على التبسم وليس فقط على الضحك. فهول ما ستؤول إليه هذه الحرب القذرة ستجعل جميع المنخرطين فيها يبكون دمًا بدلًا من الدموع.
فصلاة الموجوع والمظلوم والمقهور مسموعة أكثر من الصلاة العادية أيًّا يكن معتقد من يطلب رحمة السماء. ولهذه الصلاة مفعول، وإن لم يكن بالمباشر، أقوى من أي مسعى أرضي. ولولا صلاة الأمهات الثكالى اللواتي فقدن فلذات الأكباد، أو تلك اللواتي يعشن الخوف اليومي على من لا يزال على قيد الحياة، لكان الوضع أسوأ بكثير مما هو عليه اليوم على رغم ما فيه من بشاعات وقذارة وانعدام للحس الإنساني.
ولأن قداسة البابا فرنسيس وجميع البابوات الذين توالوا على الكرسي الرسولي منذ بداية الحرب في لبنان يؤمنون بقوة الصلاة فإن دعواتهم المتكررة الموجّهة إلى جميع اللبنانيين، مسلمين قبل المسيحيين، لم تخلُ من حضّهم على الصلاة والتمسك بها كخشبة خلاص وحيدة. ولكن هذه الدعوات البابوية الصادقة كانت تصحبها دائمًا مساعٍ حثيثة لم يكتفِ الفاتيكان بما يقوم به من اتصالات ديبلوماسية، وبالأخص مع الجانب الأميركي وعواصم الدول الفاعلة والتي لها تأثير مباشر على مجريات الحرب الدائرة رحاها في غزة ولبنان، بل هو يقوم بالدور، الذي لا يمكن لغيره القيام به، باعتبار أن مساعيه مجرّدة من أي غاية مصلحية. فمصلحة الفاتيكان الوحيدة هي أن يعم السلام في كل أنحاء العالم، التي تشهد اضطرابات وحروبًا، وبالأخص في منطقة الشرق الأوسط، التي تغلي وتقف على فوهة بركان قد يكون ما يتعرّض له لبنان من اعتداءات إسرائيلية المحرّك الأساسي لانفجاره الوشيك.
فما سمعه البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي من قداسة البابا فرنسيس في لقائهما الذي تلا اعلان الاخوة المسابكيين قديسين على مذابح الكنيسة الكاثوليكية يتخطّى بمفهومه الفاتيكاني ظواهر الأمور ليدخل إلى عمق أعماق المأساة اللبنانية، وذلك من خلال ما عبّر عنه من خوف على مستقبل المسيحيين في لبنان وفي المشرق العربي. فالفاتيكان حريص على لبنان كبلد التنوّع والحوار والعيش المشترك في الشرق الأوسط، كما على رسالة وحضور المسيحيين فيه، وذلك انطلاقًا من الدور المطلوب منهم في هذه الظروف أكثر من أي وقت مضى، وبالأخص لجهة قيام الكنيسة بكل مؤسساتها بكل ما هو ضروري وملح في تقديم المساعدة للنازحين من المناطق اللبنانية، لما لهذا التضامن من تأثير مباشر على المستقبل يوم تضع الحرب أوزارها، ويوم يعود اللبنانيون إلى حياتهم الطبيعية بما يتطلبه ذلك من ادراك ووعي لأهمية عيشهم معًا في ظل قانون واحد تسري أحكامه على الجميع على قدم المساواة في ما لهم من حقوق، وفي ما عليهم من واجبات، بعيدًا عن لغة استقواء بعضهم على البعض الآخر بفعل تدخلات خارجية تهدف إلى زرع الشقاق بين أبناء الوطن الواحد، الذين يجمعهم همّ واحد، وإن في إطار تعدّد ديني وثقافي مختلف، على أن يكون هذا الاختلاف مصدر غنى انساني، بدلًا من أن يكون مصدر خصومات وفتن هي غريبة عن عاداتهم وتقاليدهم وأصالتهم.
وما رددّه قداسة البابا مما ورد في بيان القمة الروحية الأخيرة في بكركي من نقاط أساسية تأسيسية لغد أفضل فاجأ البطريرك الراعي، خصوصًا لجهة الحاحه على انتخاب رئيس جديد للجمهورية اليوم قبل الغد، وهو الذي سأل ضيفه بلغة العارف عن الأسباب التي لا تزال تحول دون انتخاب هذا الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة، وكأنه كان يريد أن يسمع الجواب نفسه الذي سمعه قبل نحو ثلاثة أشهر من أمين سره الكاردينال باولو بارولين، على أن تبقى الصلاة الصاعدة من مآذن الجوامع والحسينيات والخلوات والمعطرّة برائحة بخور الكنائس الملاذ الأخير لجميع الذين يؤمنون بعدالة السماء أكثر من ايمانهم بعدالة الأرض.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|