لا مصداقية للبنان – الدولة تحت سيطرة إيران و”حزبها”
لن يصدّق أحدٌ لبنان في مناشداته لوقف الحرب الهمجية التي تشنّها إسرائيل عليه ما دام يقول الشيء ويفعل نقيضه. ولن يصدّقه أحدٌ في تأكيده الاحتكام الى القرار 1701، وبالأخص في القول إنه يريد تطبيقه “بكل مندرجاته”، لأن العقدة في كل “المندرجات” هذه، وأهمها “بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية”. فمنذ صدور القرار في 11.08.2006 أخذ منه لبنان- الدولة ما استطاع إليه سبيلاً، أي وقف اطلاق النار وإنهاء الحرب آنذاك، فيما أخذ منه “حزب إيران/ حزب الله” بسط سلطته هو على كل الأراضي؛ فتح معابره الحدودية الخاصة وحفر أنفاقه العابرة للحدود؛ وضع يده على المطار والموانئ وراكم ترسانة صواريخ وأسلحة؛ واصل أعمال الاغتيال والترهيب وطوّع الطبقة السياسية؛ صادر رئاسة الجمهورية والحكومة وعطّل مجلس النواب واخترق كل مفاصل الدولة… والأهم أنه امتلك قرار الحرب، ولم يكن في قاموسه قرار للسلم، لأن مرجعيته الإيرانية اعتنقت “استراتيجية الحرب الدائمة” الى حين إعادة “الإمبراطورية الفارسية” من باطن التاريخ.
على مدار ثمانية عشر عاماً أفادت تقارير الأمين العام للأمم المتحدة بأن القرار 1701 لم ينفَّذ بل يُنتهك، ونبّهت الى المخاطر، وكان “الحزب” يوجّه انتقادات حادة لهذا التقويم الأممي ويتحدّاه ويعتبره منحازاً لأنه لا يعترف به كـ “مقاومة” بل يصنّفه كجماعة مسلّحة خارج الدولة. أما لبنان “الرسمي” فكان يجادل، بضغط من “الحزب”، بأن التنفيذ يجب أن يكون من الجانبين، وهذا صحيح قانونياً، لكنه كان يموّه حقيقة أن الدولة عاجزة عملياً عن تطبيق ما يطالبها القرار الدولي به ليتعامل معها كدولة ذات سيادة وليست دولة تحت سيطرة ميليشيا.
واقع الأمر أن لبنان- الدولة لم يُباشر فعلاً تطبيق أي قرار، لا الـ 1559 ولا الـ 1680، ولم يتمكّن من تطبيق الـ 1701، لأن “الحزب” نفّذ انقلاباً على الدولة بالاعتصام في وسط بيروت واستكمل انقلابه بـ “غزوة بيروت” (7 أيار 2008). وكل ما شهده لبنان منذ ذلك الوقت كان استثماراً لمفاعيل الانقلاب، وصولاً الى القتال ضد الشعب السوري و”استنخاب” ميشال عون وقمع الانتفاضة الشعبية واذكاء الأزمة الاقتصادية و… حرب “اسناد غزّة” التي غدت سريعاً “حرب اسناد إيران”.
وبسبب سيطرة “الحزب” وهيمنته وتلاعبه بالدستور وبمجلس النواب وبالحكومات، وبسبب تهديده العلني والمبطّن بـ “الحرب الأهلية”، لم يعد أحدٌ يصدّق لبنان عندما كان يحاول تمييز الدولة عن “الحزب”؛ أو عندما يتعهّد انجاز إصلاحات للشروع في التعافي ومعالجة الأزمة الاقتصادية؛ أو حين يدّعي اتخاذ اجراءات لمنع عمليات تهريب “الكبتاغون” وغيره بعدما جرى تبريرها بأنها ردّ على عقوبات أميركية مفروضة على سوريا؛ أو حين يؤكّد طاقم الفاسدين أنه عازمٌ على مكافحة الفساد؛ ولا أحد، لا سيما اللبنانيون، يمكن أن يصدّق لبنان- الدولة حين يتعهّد بجعل الحدود تحت السيطرة. كلّ هذا الكمّ من النفاق هو ما كان يشكّل “دولة الحزب”، من أسواق الاقتصاد الموازي الى بدعة التموّل بـ “القرض الحسن” الى كذبة “معادلة الردع” في مواجهة إسرائيل، وإذا بـ “البيئة الحاضنة” مشرّدة في كل الأنحاء بمجرد تغريدة من نفر وضيع في “جيش أفيخاي”.
قال آموس هوكشتاين “نريد أن نتأكد” و”الدول التي ستساعد في إعادة الاعمار تريد أن تتأكّد” من قدرة لبنان على تنفيذ القرار 1701، بل تريد أن تتأكّد من أن لبنان- الدولة موافق على منطق القرارات الدولية ومدرك أنها لمصلحته. لكن القرار الذي يتحدث عنه المبعوث الأميركي (وكل الدول المعنية) هو غير القرار الذي في بال الرئيس نبيه برّي (ألم يقل إن القرار 1559 “أصبح وراءنا”؟) أو في بال الرئيس نجيب ميقاتي، وحين يقدمان تعهّدات يعنيان أن القرار يُنفّذ وفقاً لمشيئة “الحزب”، بل مشيئة إيران.
كان هناك ترحيب برفض ميقاتي تدخّل إيران وطلبها التفاوض مع فرنسا (بحسب الهراء الذي أدلى به قاليباف)، لكن كم هي المرات التي تمنّى فيها لبنان- الدولة حصول”تفاهمات” أميركية مع إيران- على نحو ما حصل في ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل- كي يُستبعد أي تصعيد في الجنوب، وكي يُنتخب رئيس للجمهورية، وكي يتسهّل تشكيل حكومة، وكي، وكي… غير أن الظروف تغيّرت لحظة انطلاق “طوفان الأقصى” واشتعال الحرب على غزّة بـ “دعم مطلق” من الولايات المتحدة والدول الغربية. وقد تعمّق هذا الدعم ليشمل أهداف الحرب الاسرائيلية على “حزب إيران” بلا أي روادع، وحتى على إيران نفسها لكن بضوابط أميركية كما تبيّن في الهجوم الإسرائيلي ردّاً على الهجوم الصاروخي الإيراني.
الحجّة القائلة بأن إسرائيل لا يمكن الوثوق بها صحيحة مئة في المئة، لكن التصدّي لها بالسلاح وحده لا يمكن أن يؤمّن للبنان أي حماية سواء لأن إسرائيل أكثر تسلّحاً أو لأن تفوّقها الإقليمي معترفٌ به دولياً (بما في ذلك روسيا والصين). ربما اعتقد لبنان- الدولة لفترة من الزمن أن في إمكانه استخدام “المقاومة” للحصول على انضباط إسرائيلي، لكنه لم يراجع هذا الموقف أو يبدّله عنما تأكّد له أن هذه “المقاومة” لبنانية الجنسية لكنها ليست له وإنما هي أداة إقليمية لإيران. وبمرور الوقت تبيّن أن “المقاومة” هي التي استخدمت الدولة، ثم انهيار الدولة، لتزج لبنان في حروب بلا نهاية من أجل إيران. غرق لبنان في متاهة “جرائم المقاومة” محلياً، وما عاد يجرؤ على مجرد الإشارة الى “جرائم المقاومة” اقليمياً، إذ كان العذر الدائم لدى الحلفاء المحليين المنتفعين من “المقاومة” أنها تقوم بما عليها لتحافظ على سلاحها.
الحقيقة التي عمل “محور الممانعة” على حجبها هي أن لبنان- الدولة كان ولا يزال ملزماً أولاً بالانضباط كدولة ذات مصداقية ولا مصداقية لدولة تسيطر عليها ميليشيا، وثانياً بالقيام بكل ما تتيحه الديبلوماسية لإلزام إسرائيل نفسها بالانضباط. وإذ يحاول لبنان- الدولة الآن الحصول على وقف لإطلاق النار، ليتمكّن من مواجهة الأزمة الاجتماعية الناجمة عن النزوح الكثيف من الجنوب، فإن إيران و”حزبها” يسلّطان الأضواء على المواجهات في الجنوب بما فيها من إنجازات عسكرية لـ “المقاومة”. أما الدمار الكبير ومآسيه في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، وتداعياته على كل لبنان، فلا إيران ولا “حزبها” معنيان به بل يعتبرانه “تضحية”، أو “خسارة تكتيكية” (كما هي غزّة بالنسبة الى “حماس”). ليس فقط أن لبنان- الدولة هو المُطالَب بتحمّل أعباء الحرب وما بعدها، بل انه مُطالَب أيضاً بالدفاع عن بقاء “الحزب” وسلاحه ليعود ويتحكّم ويستكبر على الدولة ويفرض شروطه على انتخاب رئيس للجمهورية!
عبد الوهاب بدرخان- لبنان الكبير
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|