خلافات نتنياهو – غالانت على التكتيك لا الأهداف
“إن الحرب باتت تسير وفق بوصلة عفا عليها الزمن، وان جهود الحرب أصبحت بلا هدف، ويجب تحديث أهداف الحرب بنظرة شاملة”… ملخص الرسالة التي بعثها وزير الدفاع الاسرائيلي يوآف غالانت إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، قبل ساعات من الهجوم على إيران، بحسب ما نقلته صحيفة “تايمز أوف إسرائيل”، ليعود الأحد (بعد الرد) ويقول: “يجب تقديم تنازلات مؤلمة لضمان استعادة المحتجزين في قطاع غزة”. وهذا ما دفع مكتب نتنياهو الى الرد على تصريحات غالانت بقوله إن “رسالته محيرة، لأن أهداف الحرب وبوصلتها هي كما حددها مجلس الوزراء”.
قبل الدخول الى ما سوف تؤول اليه العلاقة بين الرجلين، ينبغي بداية إستعراض أوجه الخلاف بينهما: عقب عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة “حماس” في 7 أكتوبر 2023، طرح غالانت خطة تقتضي ضرورة البدء بشن حرب على “حزب الله” الذي ساند “حماس” وقام بشن هجمات من الجنوب اللبناني ضد الأراضي الاسرائيلية، ما أجبر الحكومة على اتخاذ قرار بترحيل سكان الشمال بعيداً عن مسرح القتال، مستنداً الى مبدأ في العلم العسكري ينص على أنه في حالة اضطرار دولة ما الى خوض حرب متعددة الجبهات، فعليها أن تبدأ بالجبهة الأقوى. لكن نتنياهو ومجلس الحرب رفضا حينها إقتراح غالانت، مشددين على أولوية جبهة غزة.
بعد ذلك، توالت الخلافات بين الرجلين، على خلفية ملف الرهائن، بحيث أن غالانت كان يحتج على إسناد نتنياهو الملف لرئيس الموساد. ثم تفاقم الخلاف على خلفية “اليوم الثاني” لغزة، فكانت وجهة نظر غالانت تتمثل في أن إسرائيل لا تنوي حكم قطاع غزة، وأن إدارة مدنية مكونة من عناصر فلسطينية هي التي ستتولى هذه المهمة بشرط ألا يكون أعضاؤها معادين لدولة إسرائيل ولا يستطيعون العمل ضدها. في حين أن نتنياهو كان متمسكاً باحتلال القطاع وإدارته عسكرياً لسنوات طويلة قادمة. بعدها، طالب غالانت بانسحاب الجيش الاسرائيلي من محور “فيلادلفيا” لمدة ستة أسابيع، مقابل عقد صفقة مع “حماس” للإفراج عن الرهائن، معللاً ذلك بأن التهديد القادم من جنوب غزة لن يكون كبيراً بعد أن فقدت الحركة معظم قوتها العسكرية، كما يمكن للجيش الاسرائيلي العودة إلى هناك في أي وقت يحدده، وهو ما رفضه نتنياهو وكل أعضاء الحكومة المصغرة “الكابينت”.
على الرغم من هذه الخلافات بين نتنياهو وغالانت، يمكن القول إنها خلافات حول كيفية تنفيذ الأهداف، وليس خلافات حول الأهداف أو بسببها، أي أنها خلافات تكتيكية وليست إستراتيجية. بدا معظم اقتراحات غالانت المخالفة لموقف نتنياهو غير منطقي وغير عملي، لافتقاره إلى بدائل حقيقية، وهو ما أضعف موقفه داخل الائتلاف الحاكم وأمام الرأي العام الاسرائيلي، ومن ثم ارتفعت أصوات عديدة داخل الائتلاف تطالب بإقالته. فعندما كان غالانت يفضل البدء بالتعامل مع جبهة “حزب الله”، لم يكن ذلك يعني أنه مستعد للتنازل عن هدف القضاء على “حماس”، وقد شدد دوماً على ضرورة القضاء عليها عسكرياً، ومنعها من حكم القطاع، ولم يمتلك غالانت الشجاعة للقول بإمكان عودة السلطة الفلسطينية الى حكم القطاع، ليس خوفاً من نتنياهو بل خوفاً من الرأي العام الاسرائيلي الذي كان يرفض أي تحرك يمكن أن يفضي إلى إنشاء دولة فلسطينية مستقبلاً.
أما في ما يتعلق باحتلال محور “فيلادلفيا”، فإن خلاف غالانت مع نتنياهو كان فقط حول الأسلوب الأمثل لاستعادة الرهائن، بالتضحية موقتاً والخروج من المحور لمدة ستة أسابيع، ثم العودة الى احتلاله مجدداً بعد الإفراج عن الرهائن. كذلك، يبدو موقف غالانت من الحرب على جبهة المواجهة مع “حزب الله” متناقضاً مع نتنياهو، فهو يدافع عن لجم التصعيد معه، ولكنه لا يقدم تصوراً لكيفية تحقيق هدف الحرب في هذه الجبهة، التي حددها رئيس الحكومة الاسرائيلية (إبعاد “حزب الله” إلى نهر الليطاني وإعادة سكان الشمال إلى ديارهم) من دون حدوث التصعيد. حتى اللحظة يبدو غالانت معزولاً تماماً عن حسم القرارات الأمنية الأكثر خطورة، بحيث بدا من خلال التقارير الاعلامية التي نشرت مؤخراً في الصحف الاسرائيلية، أنه لم يكن راضياً عن الحجم المحدود للضربة الاسرائيلية التي وجّهت الى إيران في 26 الشهر الماضي، وأن اعتراضه لم يغيّر من قرارات نتنياهو في هذا الشأن.
السؤال الذي يطرح نفسه إزاء هذه الخلافات، هل يمكن لنتنياهو إطاحة غالانت قبل نهاية الحرب على جبهتي غزة ولبنان؟ في الواقع إقالة غالانت في هذه المرحلة ليست أولوية لدى نتنياهو، إذ يمكن القول في ظل ضعف تأثير غالانت على قرارات الحكومة أنه سواء بقي في منصبه أم تمت إطاحته، فإن تأثيره على تماسك الائتلاف ليس كبيراً في الحالتين. كذلك، فإن المفارقة الحقيقية في قضية الصراع بين نتنياهو وغالانت هي أن مصيرهما يبدو مرتبطاً إلى حد بعيد، فالمحكمة الجنائية الدولية أصدرت في أيار الماضي توصية بتوجيه الاتهام الى كل من غالانت ونتنياهو بارتكاب جرائم حرب، كما أن اللجنة القومية التي ستشكل بعد نهاية الحرب للبحث عن مسؤولية كليهما عن الإخفاق في توقع هجوم “حماس” في 7 أكتوبر 2023، من المحتمل أن تدينهما معاً. إزاء ذلك، فإن نتنياهو وغالانت محكومان أقله حتى إنتهاء الحرب بـ “تنظيم” خلافاتهما، والمحافظة على “الزواج بالإكراه” بينهما حتى إنتهاء الحرب التي تخوضها إسرائيل على سبع جبهات (كما سمّاها نتنياهو).
زياد عيتاني-لبنان الكبير
شاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|