بو حبيب وضع أمين سر دولة الفاتيكان في أجواء المساعي لوقف إطلاق النار
هل ما زالت "خطّة ماكنزي" صالحة للبنان؟
مع كل الدمار الذي حصل ويحصل حاليا جرّاء العدوان الإسرائيلي على لبنان، ومع حديث الرئيس الأميركي الأسبق والمُرشّح الرئاسي دونالد ترامب عن أن هناك أياما جميلة قادمة على لبنان، يُطرح السؤال عن صلاحية «الخطة الاقتصادية للنهوض»، التي أعدّتها شركة «ماكينزي» للبنان في العام 2018؟
تجدر الاشارة الى أن خطّة «ماكينزي» وضعت عددا من التوصيات ، بهدف «إيجاد بيئة أعمال جاذبة للاستثمارات الخارجية، وتفعيل قطاعات إنتاجية تنافسية قادرة على تعزيز مؤشرات الأداء الإقتصادي وخلق فرص العمل»، بحسب ما صرّح به آنذاك وزير الإقتصاد والتجارة. وتنقسم توصيات الخطّة بحسب القطاعات الإنتاجية على الشكل التالي:
القطاع الزراعي: زيادة إنتاجية صغار المزارعين عبر تبني التكنولوجيا والأساليب الزراعية الحديثة، وتغيير أنواع البذور المستخدمة. دعم المزارعين التجاريين لتعزيز قدرتهم على التصدير ، وذلك من خلال تحسين معايير الجودة والانتقال إلى محاصيل ذات قيمة عالية.
القطاع الصناعي: التركيز على تطوير أربع صناعات رئيسية وهي: تصنيع الأغذية، المنتجات التي تعتمد على قدرات التسويق مثل العطور ومستحضرات التجميل، صناعة الأدوية، وأنظمة البناء الحديثة كالأبنية المسبقة الصنع، وإنشاء أربعة مجمعات صناعية قادرة على المنافسة إقليمياً.
القطاع السياحي: زيادة أعداد السياح من 14 دولة أوروبية وبلدان عربية، ودول تضم جاليات لبنانية كبيرة. وتعزيز الخدمات السياحية في ثلاث وجهات رئيسية تُحدد لاحقاً، وتطوير السياحة المتخصصة، كالسياحة البيئية والعلاجية.
الخدمات المالية: العمل على تطوير القنوات الرقمية في القطاع المصرفي، لتعزيز نمو القطاع وتوفير خيارات متنوعة للزبائن. وتطوير قطاع الخدمات المالية، لدعم برامج التنمية الاقتصادية الوطنية، وجعل لبنان وجهة رئيسية لإدارة الاستثمارات والخدمات المصرفية الخارجية، مع التركيز على الزبائن من أصحاب الثروات الكبيرة. وإنشاء مراكز متخصصة في مجالات محددة، مثل بحوث الأسهم والدراسات المالية.
اقتصاد المعرفة والإبداع: الاستفادة من التكنولوجيا لزيادة الإنتاجية في القطاعات ذات الأولوية، وجعل الاقتصاد مبنياً على الابتكار. ترسيخ لبنان كوجهة إقليمية رائدة تقدم خدمات تعاقد خارجي ذات قيمة عالية، ليصبح مركزاً عالمياً للبحوث والتحليلات.
الإنتشار اللبناني: تعزيز الروابط بين لبنان وجميع أجيال المغتربين، لتشجيعهم على دعم الاقتصاد الوطني، والاستفادة من خبرات ومواهب المغتربين ودورهم في توجيه التدفقات المالية نحو استثمارات منتجة.
إلا أنه وفي تقييم بسيط لكل الأحداث التي حصلت منذ العام 2018 وحتى يومنا هذا، نرى أن هذه الإجراءات لم تعد تنطبق على الواقع اللبناني في الوضع القائم. فالثقة الدولية إنعدمت بلبنان وبإقتصاده وقطاعه المصرفي، كما أن العدوان «الإسرائيلي» ضرب القطاع الزراعي عبر إستهدافه بالقنابل الفوسفورية، وضرب القطاع السياحي من خلال القصف المدفعي والغارات، وأيضًا من خلال إستهدافه للمعالم السياحية. أضف إلى ذلك، إنهيار القطاع المصرفي المنكشف على الديون السيادية، بعد إعلان حكومة حسان دياب وقف دفع دين الدولة والإنتشار اللبناني، الذي لم يعد يدعم إلا الأهل والأقارب بشكل مباشر ، وذلك بسبب تفشّي الفساد في القطاعين العام والخاص.
إذا تطبيق خطّة «ماكينزي» للنهوض بالإقتصاد اللبناني لم يعد مُمكنا، نظرا لعدم تطابق الإطار السياسي والإقتصادي والمالي بين تاريخ وضع الخطّة واليوم. وبالتالي يتوجّب إيجاد خطّة أخرى – قد تكون خطّة «ماكينزي» جزءا منها – لتأخذ بعين الإعتبار التغيّرات الحاصلة منذ العام 2018 وحتى اليوم. ولهذا يتوجّب إتباع منهجية جديدة تتضمّن (أنظر إلى الرسم البياني):
- أولًا : وضع هوية إقتصادية للبنان تُحدّد مبادئ عامة يتوجّب إحترامها، مثلًا «إقتصاد حرّ، مسؤول، مبتكر، منفتح، منافس، أخلاقي، متنوّع، يحترم المعاهدات الدولية، يقوم على مبدأ الدولة الناظمة التي تحفظ الحقوق الاجتماعية، يكفل كرامة المواطن، يقوم على العدالة والمساواة، يقوم على محاربة الفقر من خلال تكافؤ الفرص بالإنتاج والنمو والتعليم، ويرتكز على مبدأ العدالة الاجتماعية والضرائبية والحوكمة الرشيدة».
- ثانيا : القيام بإصلاحات إقتصادية تتضمّن شقّين: الأول فوري ويدخل ضمن «تدابير للإستقرار»، والثاني يمتد على مدى متوسّط إلى بعيد ويدخل ضمن «الإصلاح الهيكلي».
تدابير الإستقرار تتضمّن عددا من الخطوات وعلى رأسها: تصحيح ميزان المدفوعات، معالجة التضخم، مُعالجة مداخيل الدولة، تدابير إجتماعية (خصوصا بعد كارثة النزوح اللبناني)، إعادة هيكلة القطاع المصرفي، محاربة إقتصاد الكاش، وإستقلالية القضاء.
أما الإصلاح الهيكلي فيتضمّن: هيكلة الاقتصاد (خطّة «ماكينزي» جزء منها)، السياسة النقدية، مُعالجة مُشكلة الودائع، هيكلة الدين العام، هيكلة القطاع العام، الكهرباء/البنى التحتية، مكننة الدولة/الحكومة الإلكترونية، والبعد الاجتماعي.
هذه الخطوات مبرّرة بعددٍ من الحاجات نذكر منها: إنهيار الاقتصاد، تعثر دفع الدين العام، ميزان مدفوعات سلبي، تضخّم هائل، إنهيار الليرة، ارتفاع الفقر، شروط صندوق النقد، اللائحة الرمادية، وحديثًا النزوح الناتج عن العدوان الإسرائيلي.
من الواضح أن كل ما تمّ ذكره أعلاه، لا يُمكن أن يُطبّق إلا في حال تمّ التوصّل إلى إتفاق على وقف إطلاق النار مع العدو الإسرائيلي. وهذا الإتفاق يحتاج إلى توافق سياسي داخلي بالتوازي مع توافق مع عواصم القرار وعلى رأسها واشنطن. أضف إلى وقف إطلاق النار، هناك إلزامية إنتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قادرة على القيام بالإصلاحات. لكن إذا نظرنا إلى التصاريح السياسية، نرى أن الإنقسام الداخلي أصبح على الأولوية بين إنتخاب رئيس للجمهورية أو وقف إطلاق النار، وهو إن دلّ على شيء، يدل على عمق الإنقسام اللبناني الذي يُصرّ، على الرغم من كل الدمار القائم، على تفضيل المصالح الخاصة على المصلحة العامة.
في لبنان مُقوّمات إقتصادية كبيرة نذكر منها على سبيل الذكر وليس الحصر: القطاع النفطي، المتساقطات المائية، والخدمات. وهذه المقومات قادرة إذا كان هناك من إطار سياسي ومؤسساتي سليم، على النهوض بلبنان وبإقتصاده في فترة قد تكون سريعة مقارنة بعمق الأزمة.
جاسم عجاقة - "الديار"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|