أهداف الحرب الإسرائيلية مفتوحة على كلّ الاحتمالات
حتّى الآن، لم يظهر ما هو سقف الحرب التي تشنّها إسرائيل في غزّة منذ اكثر من سنة. فهي لم تنتهِ عند دخول رفح. ولم يُعلن أنّها وصلت إلى هدفها بمقتل يحيى السنوار. لا بل هي تتجدّد في جباليا ومناطق أخرى، وليس هناك تصوّر واضح لنهايتها. وما زال بنيامين نتنياهو يرفض الخوض الجدّي في أيّ تسوية.
وفي لبنان، تبدو الأمور متشابهة. لقد قضت إسرائيل على قيادة “حزب الله” وعلى مرافق عديدة في بنيته التحتيّة، كالاتّصالات و”القرض الحسن”، ودمّرت عدداً من القرى الحدودية تدميراً تامّاً، إضافة إلى إحداث أضرار جسيمة في الضاحية الجنوبية وبعلبك وصور والنبطيّة وسواها. وحتّى الآن، ما زال نتنياهو يرى أنّ الحرب ما زالت في بدايتها.
فما هي الأهداف الحقيقية التي تريد تلّ أبيب الوصول إليها؟
في الواقع، أعلن نتنياهو أن هدف الحرب في لبنان هو إبعاد الحزب إلى ما وراء الليطاني، وضرب أيّ محاولة لإعادة التسلّح، وقطع الأوكسيجين الإيراني الذي يصل إلى الحزب عبر سوريا.
وهذه الأهداف تعني ميدانيّاً استمرار الحرب لوقت طويل، من أجل إحداث المزيد من التدمير لبنية الحزب العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، ثمّ لقطع الطرق على إمدادات السلاح، ومراقبة عدم وصولها برّاً وبحراً وجوّاً، ثمّ ضرب مواقع في سوريا، التي تُعتبر جسر العبور الرئيسي لمحور المقاومة الذي يربط إيران بلبنان. وإذا أخذنا بالاعتبار أيضاً تهديد نتنياهو بأنّه يريد قيام شرق أوسط جديد، فهذا يعني عمليّاً شمول إيران بالحرب. وهو ما يحدث فعلاً، وإن في شكل مضبوط حتّى الآن.
وعليه، تبدو إسرائيل في عمليّاتها العسكريّة ضد لبنان، وكأنّها تعمل على أكثر من محور وأكثر من هدف في الوقت عينه. فهي تعلن أنّها تسعى لإنشاء شريط عازل في الجنوب يمتدّ حتّى الليطاني. وهي ما زالت تواجَه بمقاومة شديدة، وتحتاج إلى مزيد الوقت لتحقيق ذلك. ولكنّها ليست مكتفية بمنطقة عازلة على حدودها الشمالية، لأنّ هذا الوضع لوحده ليس كفيلاً بضمان أمن سكان الشمال. فالصواريخ اليوم تطوّرت عمّا كانت عليه في العام 2006، وبات المدى الجغرافي مجرّد تفصيل بسيط، قد يمنع عمليّات تشبه “طوفان الأقصى”، ولكنّه لا يقف حاجزاً أمام الصواريخ البعيدة المدى والمسيّرات.
لذا تعمل إسرائيل بالتوازي على تدمير سلاح الحزب ومنصّات الصواريخ. ولكنّها تعرف أن إيران في إمكانها إعادة تسليح وكيلها الأساسي، متى ما انتهت الحرب، ولم يكن هناك من يراقب الحدود في شكل جدّي. فهل هذا يعني أنّ من بين أهداف إسرائيل غير المعلنة ضرب إيران لدفعها إلى تعديل سلوكها أو تغيير النظام فيها؟
هو بالفعل ما يفكّر فيه نتنياهو. ولكن هذا الأمر ليس بالسهل، ويقتضي حسابات كثيرة. لكن الحرب المباشرة مع طهران بدأت عمليّاً منذ الردّ الأوّل ثمّ الردّ الثاني اللذين نفذتهما إيران على مرحلتين، ثمّ قيام إسرائيل باستهداف مواقع عسكرية في مناطق إيرانية مختلفة. واليوم يهدّد المرشد علي خامنئي بردّ جديد، سيستجلب بدوره ضربة إسرائيلية.
في الواقع، ينتظر نتنياهو من سيكون الرئيس الجديد للولايات المتّحدة. وهذا سيظهر خلال ساعات قليلة. فإذا وصل دونالد ترامب، يكون من الأسهل على رئيس الحكومة الإسرائيلية الدفع في اتّجاه تصعيد الموقف من إيران، والحصول على المساعدة الأميركية المطلوبة في ذلك، وصولاً إلى الحلّ المزمع لكلّ من لبنان وغزّة. أمّا إذا فازت المرشّحة الديموقراطية كامالا هاريس، فسيكون على نتنياهو بذل جهود إضافية لتحاشي الضغوط التي ستمارس عليه من أجل وقف الحرب والتوصّل إلى تسوية سياسيّة.
ولكن في كلا الحالين، لا يبدو أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية سيذعن بسهولة لإرادة واشنطن. فهو يعتبر أنّه أمام فرصة تاريخيّة لتحجيم “حزب الله” و”حماس” ومنع امتداداتهما الإيرانية، بما يؤدّي إلى تجريدهما من السلاح. وستكون مدّة الشهرين الفاصلة عن موعد تسلّم الرئيس الجديد الحكم، كافية لخلق معطيات تضع ساكن البيت الأبيض لأربع سنوات مقبلة أمام الأمر الواقع.
لذلك، فإنّ الساعات المقبلة كفيلة بكشف هويّة الرئيس الأميركي. أمّا مسار الحرب التي تقودها إسرائيل فسيجري تحديثها على قياس هاريس أو ترامب. وسيكون الشهران المقبلان مسرحاً لحرب أكثر ضراوة أو أقلّ ضراوة، ولكنّها بالتأكيد لن تنتهي قبل نهاية العام على أقلّ تقدير.
Beirut 24 - إيلين زغيب عيسى
شاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|