لبنان بين "وصاية" صندوق النّقد وتسهيلات "البريكس"
أثارت الأزمة الاقتصادية المعقّدة في لبنان مناقشات حول البدائل المحتملة لصندوق النقد الدولي، حيث اقترح البعض أن تتحوّل البلاد إلى “البريكس” كمصدر لدعم التعافي. وبالنظر إلى هيكل الحكم في لبنان، والتحالفات السياسية، والتحدّيات المشتركة مع دول “البريكس”، يمكن تقديم حجّة لمواءمة أوثق مع هذه الكتلة الناشئة. ومع ذلك، فإنّ فرص وتحدّيات هذا التحوّل تتطلّب دراسة شاملة.
تهدف مفاوضات لبنان الجارية مع صندوق النقد الدولي إلى معالجة الأزمة المالية الحادّة في البلاد، التي تجلّت في التخلّف عن سداد الديون والتضخّم المفرط وانهيار الخدمات العامّة. وقد عرض صندوق النقد الدولي، من خلال برنامجه، تخفيفاً محتملاً، لكنّ شروطه تتوقّف على تنفيذ لبنان سلسلة من الإصلاحات الصارمة التي يستهدف الكثير منها الفساد المستشري، وسوء الإدارة المالية، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي.
على الرغم من الفوائد المحتملة، قوبلت متطلّبات صندوق النقد الدولي بمقاومة من النخبة السياسية في لبنان، التي ترى أنّها تقوّض هياكل السلطة القائمة. وقد أدّى هذا الجمود إلى تأخيرات مطوّلة وتقدّم باهت، الأمر الذي أدّى إلى تغذية النظر في بدائل مثل مجموعة البريكس.
تقويم بريكس بديلاً
تقدّم كتلة “البريكس” (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا والأعضاء المضافون حديثاً مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة) نموذجاً بديلاً للأنظمة المالية التي يهيمن عليها الغرب.
انطلاقاً من المصلحة المشتركة لتقليل الاعتماد على الدولار الأميركي وتطوير اقتصاد عالمي متعدّد الأقطاب، تركّز “البريكس” على تعزيز الاستقلال المالي، وتعزيز التعاون بين بلدان الجنوب، وإنشاء هياكل بديلة للدفع والتنمية، بما في ذلك مبادرات مثل “بريكس كلير” ونظام الدفع عبر الحدود بين البنوك (CIPS). وتهدف هذه الأنظمة إلى التحايل على هيمنة المؤسّسات الغربية، وتزويد أعضاء “البريكس” بالعزل الماليّ من العقوبات والضغوط الجيوسياسية الأخرى.
بالنسبة إلى لبنان، قد تبدو مجموعة “البريكس” جذّابة بسبب تركيزها على السيادة، وعدم التدخّل في الشؤون الداخلية، والشروط الأقلّ صرامة المرتبطة بمساعداتها المالية. بالإضافة إلى ذلك، يشترك لبنان في بعض الخصائص الاجتماعية والسياسية والاقتصادية مع دول “البريكس”، بما في ذلك تحدّيات الحوكمة، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والرغبة في المرونة الاقتصادية المستقلّة عن النفوذ الغربي.
توفّر الشراكة مع “البريكس” للبنان مساراً محتملاً نحو الاستقرار الاقتصادي الذي يختلف عن النماذج التقليدية المتحالفة مع الغرب. وخلافاً لمتطلّبات صندوق النقد الدولي الصارمة، تؤكّد مجموعة البريكس” على السيادة، والحدّ من الشروط، والتعاون بين الاقتصادات الناشئة. إنّ التحدّيات المشتركة بين لبنان ودول “البريكس”، التي تراوح بين التقلّبات الاقتصادية ومقاومة الإصلاح السياسي، تجعل من الكتلة بديلاً مثيراً للاهتمام لمعالجة الأزمة المالية في لبنان.
من خلال استكشاف التوافق مع مجموعة “البريكس”، يمكن للبنان الوصول إلى أنظمة مالية بديلة، واستراتيجيات عملية، وشراكات إقليمية تعزّز المرونة الاقتصادية من دون القيود التي تفرضها المؤسّسات الغربية في كثير من الأحيان.
التّوافق في الحكم والسّيادة
يشترك نموذج الحكم والهياكل المؤسّسية في لبنان في أوجه تشابه مع العديد من أعضاء مجموعة “البريكس”، لا سيما في إعطاء الأولوية للسيادة وعدم التدخّل. وتؤكّد “البريكس” على احترام استقلالية الدول الأعضاء، الأمر الذي قد يروق للمسؤولين اللبنانيين القلقين من شروط الإصلاح التي يفرضها صندوق النقد الدولي. وقد يسمح التعافي المدعوم من “البريكس” للبنان بالسعي إلى تحقيق الاستقرار الاقتصادي من دون تنفيذ الإصلاحات المكلفة سياسياً التي يطالب بها صندوق النقد الدولي.
الأنظمة الماليّة البديلة
طوّرت كتلة “البريكس” أنظمة ماليّة مثل BRICS Clear و CIPS، توفّر آليّات للتجارة والمعاملات خارج الأطر التي يسيطر عليها الغرب مثل SWIFT. ومن المحتمل أن يفيد ذلك لبنان من خلال تقديم حلول مالية معزولة عن هيمنة الدولار الأميركي، وهو ما يسمح للبنان بالدخول في معاملات تجارية ومالية مع أعضاء “البريكس”، وقد يقلّل من الاعتماد على القنوات المالية الغربية، وربّما يخفّف من تأثير تقلّبات العملة.
جهود إزالة الدّولار
يمكن أن يؤدّي التحوّل نحو “البريكس” إلى وضع لبنان في وضع يسمح له بالمشاركة في أجندة الكتلة للتخلّص من الدولار. وقد ساهم اعتماد لبنان على الدولار الأميركي في عدم استقرار العملة، وقد يؤدّي الانتقال إلى نهج نقدي أكثر تنوّعاً، على النحو الذي تدعو إليه مجموعة “البريكس”، إلى استقرار البيئة المالية في لبنان والحدّ من التعرّض للتقلّبات المرتبطة بالدولار.
التّوازن الجيوسياسيّ والتّعدّديّة القطبيّة
يتماشى إطار “البريكس” مع رؤية متعدّدة الأقطاب يمكن أن توفّر للبنان نفوذاً جيوسياسياً أكبر من خلال تنويع شراكاته الاقتصادية الدولية. إنّ الانضمام إلى “البريكس” من شأنه أن يسمح للبنان بتعزيز علاقات أوثق مع دول مثل الصين وروسيا والهند، التي تتمتّع بنفوذ اقتصادي متزايد في الشرق الأوسط.
بينما تستمرّ النقاشات حول الفوائد المتوقّعة من شراكة لبنان مع مجموعة “البريكس”، يظلّ التوازن الجيوسياسي بين الشرق والغرب محوراً مهمّاً لتحقيق مرونة اقتصادية مستدامة. يتطلّب التوجّه نحو “البريكس” رؤية استراتيجية لتحقيق الاستقلال الماليّ في ظلّ التحديّات الجيوسياسية المعقّدة.
محمد فحيلي - اساس ميديا
شاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|