هل تنشئ إسرائيل منطقة عازلة حدودية في لبنان؟
مع التدمير المنهجي لقرى وبلدات في جنوب لبنان، يبدو أنّ الاحتلال الإسرائيلي يحاول إنشاء منطقة عازلة بهدف منع حزب الله من العودة إلى الحدود اللبنانية الجنوبية بعد وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان، وهو ما يشكك محللون في إمكان تحققه.
ومنذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة 2023، عقب عملية "طوفان الأقصى" التي نفّذتها حركة حماس في السابع من تشرين الأول 2023، اندلعت الاشتباكات على الحدود اللبنانية الجنوبية، حيث جرى تبادل للقصف بين قوات الاحتلال الإسرائيلية من جهة، وفصائل فلسطينية وحزب الله من جهة ثانية.
وكثّف الاحتلال الإسرائيلي بدءاً من 23 أيلول قصفه الجوي على ما يدعي أنها معاقل حزب الله في لبنان، وبدأ في نهاية الشهر ذاته عمليات توغل برية عند الحدود.
وقال مدير شبكة "سينابس" للأبحاث ومقرّها بيروت، بيتر هارلنغ، لوكالة فرانس برس، إنّ "إسرائيل تعمل على ما يبدو على إنشاء منطقة عازلة غير قابلة للسكن على طول الحدود".
وتوغلت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ مطلع الشهر الماضي داخل عدد من البلدات الحدودية، حيث نفذت عمليات تفجير واسعة لمنازل وأحياء سكنية، بعدما انسحبت منها، وفق ما أظهرت مقاطع فيديو عدّة نشرها جنود ووسائل إعلام إسرائيلية.
وقال هاشم حيدر، رئيس مجلس الجنوب المكلف من السلطات اللبنانية مسح الأضرار، لـ"فرانس برس"، إنّ نسبة الدمار في 18 قرية موزعة على طول الحدود البالغة نحو 120 كيلومتراً، تصل إلى 70%، مشيراً إلى أنّ "عدد الوحدات السكنية المهدمة بلغ 45 ألف وحدة". ونجم جزء من هذا الدمار عن الغارات التي شنّها الاحتلال الإسرائيلي بشكل شبه يومي منذ الثامن من تشرين الأول 2023.
وقالت خبيرة شؤون حزب الله في "المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي" أورنا مزراحي، لـ"فرانس برس"، إنّ إسرائيل تحاول الحصول على "بعض الضمانات أنّ حزب الله لم يعد قريباً من الحدود، وليس بمقدوره شنّ أي هجمات على الجزء الشمالي من إسرائيل"، وأضافت: "لكنني لا أعتقد أن الأمر سيكون بمثابة منطقة عازلة.. نريد أن يعيش الناس على الجانب الآخر، لكننا لا نريد حزب الله هناك".
وبحلول السابع من تشرين الثاني الجاري، كان أكثر من نصف الوحدات السكنية في عشر قرى حدودية قد دمر، وفق إحصاء أجرته وكالة فرانس برس استناداً إلى خرائط من "مايكروسوفت" وتحليل صور أقمار اصطناعية أجراه الباحثان الأميركيان كوري شير وجامون فان دان هوك.
سياسة الأرض المحروقة
بين تلك القرى ميس الجبل الملاصقة للشريط الحدودي الفاصل بين لبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث جرى استهداف أكثر من ألف وحدة سكنية.
وقال رئيس بلدية ميس الجبل عبد المنعم شقير لـ"فرانس برس" إن "هدف التدمير الإسرائيلي للقرية هو تحويل المنطقة الحدودية إلى أرض محروقة".
وكانت البلدة تؤوي قرابة ثلاثين ألف شخص قبل نزوحهم منها تباعاً خلال الأشهر الماضية. وهنا، يضيف شقير قائلاً: "لقد دمروا المدارس والمساجد والبنى التحتية، حتى إن المقابر لم تسلم من القصف".
في قرية محيبيب الواقعة على هضبة مجاورة، تمت تسوية أكثر من 84% من المنازل بالأرض في 7 نوفمبر، وفق إحصاء "فرانس برس"، بينما لم تبق إلا بضع وحدات سكنية على أطراف القرية.
وكانت محيبيب من أولى القرى التي فجّرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي عند الحدود. وفي يارون، اختفت 380 وحدة سكنية من إجمالي نحو 500 ضمّها وسط البلدة الحدودية، فيما تحولت أحياء بأكملها في عيتا الشعب إلى ركام، بعد دمار ستين في المئة منها.
إلى ذلك، يرى العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، حسن جوني، أن إسرائيل تريد عبر تدمير القرى الحدودية وحرق الأحراش المحيطة بها، أن تعزز قدرتها على مراقبة المنطقة الحدودية.
واتهم لبنان مراراً جيش الاحتلال الإسرائيلي بحرق مناطق حرجية واسعة وحقول زراعية قرب الحدود، باستخدام أسلحة حارقة بينها الفوسفور الأبيض.
وقال جوني لـ"فرانس برس": "يريد أن تصبح المنطقة العازلة مكشوفة أمامه من أجل الرصد والمراقبة (...) في حال فكر أحدهم أن يعيد تجربة السابع من تشرين الأول 2023 التي حصلت في غزة، في جنوب لبنان".
بدوره، قال هارلنغ إن إسرائيل "تختبر دفاعات حزب الله بهدف القيام بعمليات برية أكثر طموحاً، وتحاول تعميم مبدأ العمليات الانتقامية الواسعة (...) المطبق في غزة على أجزاء معينة من لبنان".
منطقة عازلة محكومة بالفشل
عام 2000، انسحب الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان تحت وطأة ضربات حزب الله بعد 22 عاماً من الاحتلال.
وصيف 2006، خاض حزب الله والاحتلال الإسرائيلي حرباً مدمرة انتهت بصدور القرار الدولي 1701 الذي أرسى وقفاً للأعمال الحربية ونصّ على انسحاب إسرائيل الكامل من لبنان، وتعزيز انتشار قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل) وحصر الوجود العسكري في المنطقة الحدودية بالجيش اللبناني والقوة الدولية. إلا أنه لم يصر إلى تطبيق الاتفاق من الطرفين، فيما تقود الولايات المتحدة حالياً جهود وساطة بين الطرفين تتمحور حول تطبيق القرار كاملاً.
وقال المحلل السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية، كاليف بن دور، لـ"فرانس برس" إن هناك "تهديدين رئيسيين يشكلهما حزب الله"، يتمثل الأول "بالصواريخ البعيدة المدى" التي يمكن للحزب إطلاقها من مسافات بعيدة.
أما التهديد الثاني فتجسده "قوة الرضوان (التابعة لحزب الله) التي كانت توجد قرب الحدود ونعرف أنها كانت تستعد لغزو مشابه للسابع من تشرين الأول" في غزة، بحسب زعمه.
وفي 16 تشرين الأول، أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه "دمّر شبكة أنفاق" تابعة لحزب الله، زعم أنها مبنية تحت المنازل في قرية في محافظة النبطية جنوباً، وخصصتها قوة الرضوان "للاستعداد لتنفيذ خطة ما يسمى احتلال الجليل".
ويرى بن دور أنّ "المنطقة العازلة لا يمكنها أن تفعل الكثير أمام الصواريخ" لكنها "ستمنع حزب الله من العودة إلى الجنوب وإقامة مواقع هناك".
أما حسن جوني، الخبير العسكري اللبناني، فيرجح أن تكون خطة الاحتلال الإسرائيلي محكومة بالفشل، وأضاف: "لا يمكن للإسرائيلي أن يحافظ على هذا المعطى (منطقة عازلة) لأن أي اتفاق سياسي سيسمح للناس بالعودة إلى مناطقهم وإعادة بناء منازلهم".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|