حل أزمة السيولة للمصارف لدعم إعادة الإعمار
"في الاوقات العصيبة ومعاناة المواطنين من الحرب الطاحنة، لا بد من معالجة ازمة الودائع المصرفية اولا، وهي الاسهل من ضمن معالجة المصائب الكبرى التي حلت بالمساكن والبنية التحتية. لقد قدم مصرف لبنان (المركزي) سيولة اضافية محدودة من خلال التعاميم 158 و 166. ولكن هذه المبالغ زهيدة مقابل الحاجة المرتفعة لاعادة إحياء الدورة الاقتصادية واعادة الاعمار. يحتاج الاقتصاد (و المودع) لسيولة توازي ال 10مليار دولار بالحد الادنى.
لا تزال الدولة تتعاطي مع ازمة الودائع بالدولار لدى المصارف، بأسلوب مغاير للحل السليم، من خلال شطب معظمها (90%) ، بتحويلها الى صناديق استرداد للودائع و سندات سيادية بدون فوائد و قيمة فعلية، اعتبار بعضها استنسابيا ودائع غير شرعية وبعضها الآخر غير مؤهلة ، بالاضافة الى محاولة تحويل قسم منها الى الليرة بسعر صرف مخفض الخ...). هذه الطروحات العفوية، رغم تحذير مجلس شورى الدولة بعدم شرعيتها، افقدت الثقة و التوصل لحل مقبول للازمة. و لم يلق معظمها قبولا من صندوق النقد الدولي، كاقتراح انشاء صندوق استرداد للودائع، كونه لا يخفض الدين السيادي الذي يرغب صندوق النقد بتقليصه.
كيف تُؤمن السيولة في المصارف؟ تُؤمن من خلال خفض الاحتياط الالزامي على الاصول الاجنبية الاجمالية للمصارف ( احتياطي المصارف بالدولار) في مصرف لبنان التي تبلغ 10.7 مليار دولار. وهي ودائع المودعين المحتجزة لديه. يُخضع مصرف لبنان المصارف لاعلى نسبة احتياطي الزامي عالميا على الودائع بالعملات الاجنبية، و هي غير متوجبة حسب قانون النقد والتسليف. يستطيع مصرف لبنان ان يوفر السيولة للمصارف والمودع بخفض نسبة الاحتياطي هذه الى %2، وهو المتوسط العالمي. حينها سيوفر للمصارف سيولة بقدر 9 مليار دولار كمرحلة اولى (و تبلغ 10% من مجمل ودائع المودعين لدى المصارف بالدولار). وتودع في حسابات المودعين بنسبة 10% لكل مودع من ودائعه المجمدة في المصارف البالغة 89 مليار دولار وتصبح نقدا "فرش" للمودع. و قد يُطبق نسب اعلى للودائع الصغيرة و تراجعية للودائع المرتفعة.
ومن الممكن ايضا زيادة السيولة من خلال تسييل جزء من الذهب لدى مصرف لبنان البالغ نحو 24 مليار دولار بالقيمة السوقية التي حصل عليها المصرف عبرعقود من ودائع المودعين. قد يُخصص نصف هذا المبلغ (ما يوازي 12 مليار دولار) كسيولة اضافية لحساب للمودعين ايضا على اساس نسبي . فيصبح اجمالي السيولة للمودعين لدى المصارف نحو 24% من اجمالي الودائع المحتجزة كودائع "فرش".
هذه الاجراءات تعيد الثقة بالمصارف والسلطة وتكون كافية لتسيير العجلة الاقتصادية. وما تبقى من الودائع يبقى في المصارف كودائع ادخارية للمودعيين تتراوح مدتها من سنة الى اربعة او خمسة سنوات. ومن الممكن تخفيض نسبة السيولة بالدولار (الدولرة) التي يحتاجها الاقتصاد من خلال تطوير وسائل الدفع الغير نقدية ، كرفع مستوى استعمال بطاقات الائتمان و وسائل الدفع الرقمية الاخرى. هذا سيشجع ضخ النقد "الفرش" المكدس نقدا في المتازل و المؤسسات الى المصارف.
تستطيع الدولة كذلك ان تحصل على سيولة اضافية من خلال اصدار اسهم عقارية تطرح في بورصة بيروت من خلال انشاء شركة عقارية لجزء من املاك الدولة على غرار سوليدير، ولمن يرغب. للدولة عقارات عديدة وقد توفرها للسوق العقاري في مرحلة الاعمار و تدعم من خلال العائد المحصل اعمار البنية التحتية، ومصرف لبنان.
لا يحتاج المركزي لأكثر من مليار دولار ( بعد اعادة 9 مليار دولار للمودعين) لادارة سيولة معاملاته بالعملة الاجنبية. وسيبقى له من الذهب ما يوازي 12 مليار، ما يفوق النقد المصدر المحدد حسب المادة 69 من قانون النقد والتسليف بعدة اضعاف.
المادة 75 : " يستعمل المصرف ( المركزي) الوسائل التي يرى ان من شأنها تأمين ثبات القطع ومن اجل ذلك يمكنه خاصة ان يعمل في السوق بالاتفاق مع وزير المالية مشتريا او بائعا ذهبا او عملات اجنبية مع مراعاة احكام المادة 69".
مهمة مصرف لبنان اولا ادارة السيولة بالليرة اللبنانية، و تطبيق الرقابة الصارمة على المصارف لكي تلتزم بالقواعد الاحترازية، بالاضافة الى تحقيق الاهداف الاقتصادية. و ليس مهمته ان يُحصل عائدا مرتفعا على حساب مصلحة المواطن او زيادة الاحتياطي لديه.
الحل لا يتمثل بتقطير اموال المودعين كما يجري الآن حسب التعاميم 158 و66 بسحب 300 دولار او 150 دولار شهريا لكل مودع. ان حجز الودائع (و بدون فوائد ) مُخالف لقانون النقد و التسليف.
في الاغلب، ان معظم السيولة الجديدة المقترحة ستُنفق داخليا لتلبية الحاجات المعيشية الملحة للمواطن. ان انتقال الاموال الى الخارج كتحويلات رأسمالية لم يعد سهلا كالسابق و خاصة مع وضع لبنان على اللائحة الرمادية. كما ان انتقال اموال اللبناننين الى الخارج يبقى ملكا لهم و تعود للمصارف المحلية عند تنفيذ الاصلاحات الفعالة.
اضافة الى ذلك، يتوجب تحرير سعر الصرف بالكامل و انهاء سعر ال 15 الف ليرة للدولار، في المصارف و اسعار الصرف الضريبية الاخرى المدعومة ( 8000 و 1500). سياسة سعر الصرف المثبتة هي سياسة خاطئة و تعيدنا الى السياسات السابقة التي ادت الى الانهيار النقدي. الاستقرار النقدي الحالي المؤقت يعود للسياسة المالية "المنضبطة".
لن نخرج من الازمة المالية والتصنيف الرمادي باستهداف الاحتياطي وتثبيت سعر الصرف. اعادة السيولة للمصارف والمودع ستكون الخطوة الاولى الضرورية لاعادة الاعمار".
منير راشد
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|