عربي ودولي

وسائل الإعلام السورية في قبضة الإدارة الجديدة و"شام أف أم" تصارع في عهد الحرية

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

وجدت وسائل الإعلام السورية، بشقيها العام والخاص، وبأشكالها المختلفة، المرئية والمسموعة والمكتوبة، نفسها أمام واقع جديد صبيحة يوم الأحد، عندما تأكّد فرار الرئيس السوري بشار الأسد وسيطرة إدارة العمليات العسكرية على العاصمة دمشق، إذ كان مبنى التلفزيون السوري من أوائل المؤسسات التي حرصت قوات "ردع العدوان" على دخولها والسيطرة عليها، علماً أن قسماً من الإعلاميين والموظفين كان لا يزال موجوداً في المبنى يتابع عمله في تلك اللحظات العصيبة. 

وعملت الإدارة الجديدة في الساعات الأولى من دخولها المبنى، على استغلال سيطرتها على الشاشة الرسمية لإذاعة بعض البيانات والأغاني ذات الطابع الديني، في خطوة الهدف منها توجيه رسالة إلى العالم بأنها أصبحت تتحكّم بالعاصمة السياسية للبلاد. لكن بعد ذلك توقف العمل في التلفزيون السوري باستثناء بث "سلايدات" للبيانات التي تصدر عن القيادة العامة. وبموازاة ذلك توقف العمل في الإذاعات والصحف، لا سيما صحيفة "الوطن" وإذاعة "شام أف أم"، وهما خاصتان. لكن الفرق بينهما أن صحيفة "الوطن" كانت متماهية مع النظام السابق، بل كانت تعدّ الأقرب إليه حتى من الصحف الرسمية مثل "البعث" و"تشرين" و"الثورة". أما إذاعة "شام أف أم" فقد عُرفت باستقلاليتها ومحاولاتها الدائمة الشغب على القيود الأمنية، والعمل بهدوء لتوسيع نطاق الحرية، وقد عانت في سبيل ذلك الكثير من التضييق والضغوط من أجهزة الأمن ومؤسسات السلطة المختلفة.

وفي حين تعمل الإدارة الجديدة لسوريا على تكريس هيمنتها على وسائل الإعلام العامة، اذ عزلت المدير العام لهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون حبيب سلمان، وعيّنت مكانه علاء بسيلو، وهو شاب أربعيني من منظمة "مبدعون سوريون"، كما عيّنت مديرين جدداً لكل المحطات الرسمية، بما فيها "السوية" و"الإخبارية" و"دراما"، وكذلك استقدمت كوادر فنية وإعلامية من إدلب إلى دمشق للإشراف على عمل هذه المحطات، كان الأمر مختلفاً مع وسائل الإعلام الخاصة التي ليس بمقدور الإدارة الجديدة الهيمنة المباشرة عليها. وتبرز "شام أف أم" كمثال على طريقة التعاطي مع الوسائل الخاصة.

فقد أعلنت الإذاعة يوم الاثنين في 9 من الشهر الجاري، توقفها عن البث وتغطية الأخبار "نتيجة للظروف الحالية التي تمرّ فيها بلادنا العزيزة وعدم الاستقرار الحالي الذي نأمل بأن ينتهي  قريباً". ثم أعلنت يوم الجمعة أنها سوف تعاود اعتباراً من يوم غد السبت تغطيتها الإخبارية للأحداث في سوريا بعد استقرار الحالة الأمنية تباعاً في عموم البلاد. وتعود البرامج المنوّعة تدريجياً.
لكنها سرعان ما اعتذرت يوم الأحد عن عدم عودة بث برامجها وتغطياتها ونشراتها الإخبارية، وبررت ذلك بأنه جاء التزاماً بقرار وزارة الإعلام في حكومة الإنقاذ.
ويتولّى وزارة الإعلام محمد يعقوب العمر. وفي حديث إلى"النهار" قال مدير عام "شام أف أم" سامر يوسف إنه تبلّغ عبر وسطاء وبشكل شفوي عدم العودة للبث.

وتعقيباً على هذا القرار كتب يوسف على صفحته في "فايسبوك": أوقفها الوزير محسن بلال في أيام الديكتاتورية عن العمل، وأوقفها الوزير محمد العمر في أيام "الحرية" عن العمل". وأضاف بأسلوب ساخر: "ما كانوا متفقين على شي إلّا علينا يبدو".

وعن التطورات التي يشهدها القطاع الإعلامي، لا سيما محطته الإذاعية، قال يوسف لـ"النهار" إن "التغيير الذي حصل لم يكن متوافقاً مع توقعاتنا، لأننا توقعنا أن يرتفع سقف الحريات، وأن يكون هناك هامش أكبر بكثير من الهامش الذي كنا نعمل به أيام النظام السابق، ولكن لم نكن نتوقع أن نصمت في عهد الحرية".

وكشف يوسف كواليس ما جرى بين قرار العودة إلى البث والاعتذار عنه، بقوله: كان توقفنا عن العمل بسبب الفوضى الأمنية وخوفاً على حياة الموظفين. وعندما أعلنّا العودة طلبت منا وزارة الإعلام عبر مسؤول الإذاعات الجديد محمد الشيخ أن نتوقف أو أن لا نعود إلى العمل ريثما يبلغوننا"، مضيفاً أنه لا يعرف سبب منع الإذاعة من العودة للعمل.

وعن توقعاته للمرحلة القادمة وما إذا كان يأمل بالعودة إلى ممارسة النشاط الإعلامي بحرية أكبر، أجاب: "نعم أتوقع أن نعود إلى العمل في الفترة المقبلة، وأنا مصرّ على أن نعود إلى العمل، سواء من داخل البلاد أو من خارجه لأن صوت شام أف أم يجب ألّا يتوقف".

وتابع يوسف: "نحن تحمّلنا طيلة السنوات الماضية كمية هائلة من الضغوط في عهد النظام السابق، وأجبرنا مراراً وتكراراً على حذف أخبار وتقارير، وكذلك من التهديد والوعيد، في سبيل أن يستمر صوتنا، وأنا مصرّ على أن يستمر في هذا العهد مهما جرى".

وكانت وزارة الإعلام في حكومة تسيير الأعمال السورية أعلنت أنها تعمل على مراجعة آليات نشر المعلومات في الوسائل الإعلامية التي كانت تُعتبر رسمية. وأكّدت في تصريحات إلى وسائل إعلام سورية (كانت معارضة) أن الوزارة أجرت جلسة مع القائمين على بعض هذه الوسائل، وتمّ التوجيه نحو سياسات واضحة وإدارة المحتوى الإعلامي، بحيث تعكس هذه المؤسسات مصالح الشعب السوري ككل.
ولا يزال التواصل قائماً مع بقية الوسائل للهدف نفسه، كما بدأت الوزارة تسلم الصفحات الرسمية تباعاً. 
أما الكوادر الإعلاميين، فوُجّهت لهم الوزارة دعوات إلى العودة إلى أماكن عملهم، وتستمر الترتيبات معهم من قبل فرق مختصة من الوزارة بهذا الخصوص.

ثم أصدرت وزارة الإعلام قراراً يقضي بأن "الإعلاميين الحرببين الذين كانوا جزءاً من آلة الحرب والدعاية لنظام الأسد المجرم، وساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في الترويج لجرائمه ومجازره ضدّ الشعب السوري، سيخضعون للمحاكمة العادلة ضمن إطار العدالة الانتقالية".

وقد أثار هذا القرار مخاوف كثيرة تدل إلى أن الإدارة الجديدة لا تتفهم واقع الإعلام السوري في ظل حكم الأسد، وأنه كان مملوكاً ومقموعاً ولا يجرؤ أحد من العاملين فيه على الخروج عن نصوص التمجيد والولاء للسلطة البعثية. كما أنه يدل إلى أن الإدارة الجديدة التي بدأت بخطابات التسامح والعفو، بدأت تنتقل تدريجياً إلى خطاب الانتقام والثأر.
وعلّق سامر يوسف على هذا القرار ضمن الحوار الذي أجرته "النهار" معه فقال: "القرار القاضي بمحاكمة الإعلاميين الحربيين يناقض ما تقوله القيادة العامة، فهي جاءت بسياسة قائمة على التسامح، وأكّدت أننا في مرحلة انتقالية وسوف نطوي صفحة الماضي ....". وسأل يوسف: "هل ستحاسبون الإعلاميين الذين كانوا في صف النظام لأنهم رقصوا على الجثث كما قيل لنا، ولن تحاسبوا إعلاميي الطرف الآخر"، مشدّداً على أنه "يجب أن تكون هناك عدالة، وإذا كنتم تريدون المحاسبة فليُحاسب الجميع".
ووصف يوسف القرار بأنه انتقامي وعام، ويجب أن يكون محدداً أكثر من ذلك.

وعلمت "النهار" من مصادر إعلامية أن عشرات الإعلاميين السوريين ممن عملوا في تغطية المعارك وأعمال العنف منذ عام 2011 اختفوا بعد صدور هذا القرار، بسبب خشيتهم من أن يشملهم، وأن تكون الإحالة إلى القضاء مجرد ذريعة لقمعهم والانتقام منهم.

والمفارقة أن بعض الإعلاميين الذين تسرّبت أسماؤهم على أنها مشمولة بقرار المحاكمة سبق أن اعتُقلوا في عهد النظام السابق بسبب اتهامات مختلفة، وهذا من شأنه أن يخلق جواً يشيع الخوف لدى الإعلاميين، سواء أكان المسؤول يرفع شعار الاستبداد أم شعار الحرية، لأن النتيجة على ما يبدو واحدة، وهي أن من كان مغضوباً عليه في المرحلة السابقة سيظل مغضوباً عليه في المرحلة القادمة.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا