الصحافة

المشكلة ليست في WHATSAPP ولا بهواتفكم... إليكم التفاصيل

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تصوروا أن خاصية "رمز التحقق" أو الـ verification code التي تلجأ إليها التطبيقات كوسيلة حماية لها ولمستخدميها من خروقات يتيحها تطور الأساليب الاحتيالية التكنولوجية، يمكن أن تتحول وسيلةً لحرق أعصاب مستخدمي الموبايل وتعطيل تطبيقاته على هواتفهم، وللتفريط بحقوق الخزينة من إيراداتها. لا يحصل هذا في الواقع إلا في لبنان، حيث صفقات التلزيم، حتى بجزئياتها، بعيدة عن تحقيق المصلحة العامة. وحيث لا روادع، أخلاقية على الأقل، تحول دون ترسية العقود على وسطاء تشغيل غير مؤهلين، يسيئون لسمعة قطاعات، ما زالت منتجة برغم كل الظروف، ويحوّلون المواطن كما خزينة الدولة ضحية لسوء أدائهم، بدلاً من أن يتحولوا قيمة مضافة لهذه القطاعات.

إذا كنت من المشتركين عبر شبكة تاتش، وتعاني فشلاً في تنزيل أو دخول بعض التطبيقات بسبب عدم تلقيك رمز التحقق المرسل منها للتأكد من كونك لست "روبوتا" وأنك فعلاً تقدم المعلومات الحقيقية حول هويتك أو رقم هاتفك، أنت إذاً من ضحايا صفقة أبرمت مع شركة INMOBILES الوسيطة في نقل الرسائل من التطبيقات إلى العملاء، أو ما يعرف بـ Application to Person واختزالاً A2P، وتلفّها شبهات عديدة. وعليه قد تجد عزاءك بكون شكواك هي واحدة من عشرات الشكاوى المشابهة التي أمطرت تاتش من سوء إدارة هذه الخاصية. ولكن لا تسرف في التفاؤل، كي لا تصدم بحقيقة أن الوسيط "غير المؤهل" لنقل رسائل التطبيقات إليك، متربع على عرش الصفقة التي فاز بها من خارج قانون الشراء العام منذ أكثر من عامين، وربما يرتاح عليه لأشهر إضافية، على رغم توصية هيئة الشراء العام بإعادة تلزيم تقديم هذه الخاصية منذ شهر أيلول من العام الماضي وفقاً لقانونها، وتبني ديوان المحاسبة ذلك منذ شهر كانون الثاني من العام الجاري.

هي قصة أخرى من قصص إبريق زيت "الصفقات المشبوهة" التي كان يفترض أن تصل إلى خواتيمها في شهر آب الماضي. حينها التأمت لجنة التلزيمات في مقر شركة تاتش، بعد تأجيل في موعدها لِست مرات متكررة، وتلقت عروض خمس شركات عالمية. ولكن بدلاً من أن تخرج وزارة الاتصالات وشركة تاتش بعد أسابيع من تسلم العروض لتعلنا عن اسم الشركة التي ستنهي معاناة الناس مع الوسيط الحالي، صمتتا مطولاً إلى أن ارتفعت صرخة مشتركي تاتش من فشلهم في تلقي رموز التحقق حتى من تطبيق WHATSAPP. وعلى الرغم من التبريرات المقدمة حول كون الرموز المرسلة من WHATSAPP ليست من ضمن صفقة تاتش المعقودة مع INMOBILES، فإن التحري عن الأمر، قادنا مجدداً إلى أن الخلل ليس في واتساب، ولا في هواتف الناس، وإنما في صراع خفي يدور بين وزير الاتصالات جوني القرم وإدارة تاتش، حول كيفية إدارة ملف "صفقة" سلطت شركة غير مؤهلة على مصالح الناس. إذ يقدم كل منهما خياراً مختلفاً عن الآخر، لا يقود أي منهما لتنفيذ توصيات هيئة الشراء العام التي أصر عليها ديوان المحاسبة. علماً أن هذه التوصيات بنيت على دراسة أعقبت إخباراً خطياً مقدماً من النائب ياسين ياسين حول الصفقة المعقودة، وخلصت إلى استنتاجات عديدة حول عدم أهلية الشركة المكلفة بالمهمة، وتسببها بتهريب الإيرادات السهلة التي يفترض أن تحققها شركتا الموبايل من كل رسالة يتلقاها زبائنهما من التطبيقات العالمية، وفقاً للقواعد التنظيمية الموضوعة لتشغيل خاصية الـ A2P عالمياً.

حددت الهيئتان الرقابيتان خريطة الطريق للحد من خسائر هذه الصفقة على الشكل التالي:

أولاً: إطلاق مزايدة جديدة وفقاً لأحكام قانون الشراء العام.

ثانياً: تعديل العقد الموقع مع شركة INMOBILES بمفعول رجعي.

ثالثاً: فسخ العقد مع شركة INMOBILES عند انتهاء المزايدة المفترض المباشرة بها من دون تأخير.

ماطلت وزارة الاتصالات ومعها شركة تاتش في تنفيذ التوصية الأولى من شهر أيلول 2023 حتى شهر أيار 2024، ولم تتم الدعوة إلى مزايدة جديدة إلا بعد إنذار موجه من ديوان المحاسبة لشركة تاتش.

وأما التوصيتان الثانية والثالثة فغرقتا بتفاصيل كشفت تمسك وزير الاتصالات بـ INMOBILES إلى حد تلميع صورة عقدها خلافاً لما تظهره الوقائع. كما فضحت نيات تاتش المبيتة بفسخ العقد مباشرة مع INMOBILES، إنما بهدف العودة إلى زمن لاحصرية تشغيل الخاصية التي سوّقت لمنافعها في كتاب موجه لديوان المحاسبة، وهذا ما يحمل في طياته شبهات محاولة التنصل من رقابة الهيئات الرقابية.

تفاعلت مسألة افتقاد INMOBILES للمؤهلات، إثر وضع هيئة الشراء العام وديوان المحاسبة الإصبع على ما تسببت به الهوة المالية بين التزامها والتزام مشابه جرى في شركة ألفا مع شركة VOX SOLUTIONS. فالأخيرة فازت بعرض أعلى لثمن كل SMS منقول إلى المواطنين يبدأ بـ 10.5 سنتات من اليورو في السنة الأولى، ليرتفع تدريجياً في سنتي الالتزام اللاحقتين، على أن تنقل سنوياً ما لا يقل عن 46 مليون رسالة. بينما السعر الذي التزمت به INMOBILES كان 7.5 سنتات من اليورو لحد أدنى من 31 مليون رسالة التزمت بنقلها. وهكذا إذا بينت الأرقام أن عقد ألفا مع VOX SOLUTIONS سيؤمن مداخيل بقيمة 17.9 مليون يورو في ثلاث سنوات، بينما مجموع الإيرادات المتوقعة من عقد تاتش مع INMOBILES سيبلغ 7.379 ملايين يورو، بالرغم من أنّ عدد المشتركين في "تاتش" يزيد بحوالى 300 ألف مشترك عن "ألفا".

وبناء عليه صدرت توصيات الشراء العام الثلاث في شهر أيلول من العام 2023، بموازاة ما شيّعه وزير الاتصالات حول تطبيقه توصية تعديل الأسعار.

دحضت "تاتش" بالمقابل ادعاءات القرم، من خلال كتاب رفعته إلى ديوان المحاسبة الذي أحيل الملف لرقابته اللاحقة رداً على بعض استفساراته. وقد بيّن كتاب تاتش، أن INMOBILES لم توزع لزبائنها في الفترة الممتدة من 10 آب 2023 إلى 25 أيار 2024، سوى 14.6 مليون رسالة في مقابل نحو 25.6 مليون رسالة عن المرحلة التي سبقت تنفيذ العقد معها. هذا بالإضافة إلى ما كشفه كتاب مدير عام شركة تاتش لديوان المحاسبة حول تمنع شركة INMOBILES عن التوقيع على تعديلات للأسعار، وعدم تسديدها أي قرش إضافي فوق السعر الذي قدمته بعرضها.

المعلومة التي جاءت بمثابة "نميمة" من شركة تاتش تجاه وزير الاتصالات الذي كان يشيع أجواء إيجابية حول تعديل شروط العقد مع INMOBILES، كشف "التناتش" الحاصل بين الطرفين على خيارين متباينين. فالوزير القرم كما تبين تصريحاته المكررة متمسك بالعقد الموقع مع INMOBILES. وعلى متن تصريح لـ "نداء الوطن" شرح "أنه لو لم ندخل في كل هذا التناتش حول هذا الملف كنا اليوم نؤمن مداخيل أكبر مما كنا نفعل سابقاً وسنفعل لاحقاً. لكن بنتيجة ذلك ظهر على الأرض أن السياسة التي كنا نسير بها هي الصحيحة وأنا مصر على هذه النقطة. ولكن بدلا من أن نصر على إلزام الوسيط بعدد الرسائل والسعر الذي رفعناه إلى 10.5 سنتات من اليورو، سارعت "تاتش" لإبلاغ INMOBILES بأنها ستلغي العقد معها من دون طلب إذني، وخلافا لقرار ديوان المحاسبة الذي وضحت له أن هذا لم يكن توجهي."

بحسب خريطة طريق وضعتها "تاتش" فإنها أرادت إلغاء عقد INMOBILES قبل انتهاء سنتها التعاقدية الأولى، متذرعة بأن ذلك يأتي من ضمن مندرجات العقد الموقع معها، وهذا ما لم توافق عليه الهيئات الرقابية.

وفي خلاصة الأمر لم تتمكن "تاتش" من مخالفة توصية الهيئات الرقابية الثالثة، لكن الشركة الوسيطة تسلحت بكتاب وجه لها بفسخ عقدها مباشرة، كي تتنصل من التزاماتها السابقة. فعلق اللبنانيون بين فكي شركة تخلفت عن نقل عدد الرسائل الذي التزمت به، امتنعت عن تنفيذ تعهدات وزير الاتصالات برفع سعر الـ SMS، لم تسدد المستحقات السابقة ولا جددت الكفالات المصرفية المفروضة عليها.

وعلى رغم كل هذه الخسائر لا يبدو أن أي من "تاتش" ووزارة الاتصالات مهتمتان بإتمام صفقة تلتزم بقرارت الهيئات الرقابية وتنهي عذابات الناس مما يمكن وصفه بالحد الأدنى سوء إدارة موثقة لهذا الملف.

فقد علمت "نداء الوطن" أن نتائج المزايدة التي تمت بموعد سابع حدد لاستلام عروضها، ألغيت قبل فتح الملفات المالية. علماً أن خمس شركات قدمت عروضها، ثلاث منها عالمية، وإحداها شركة VOX SOLUTIONS التي يسير عقدها في تقديم الخدمة مع "ألفا" بسلاسة تامة.

وفيما كان يفترض بدراسة هذه الملفات أن تنتهي إلى الخواتيم المرجوة من خلال عملية تلزيم جرت هذه المرة بناء لقانون الشراء العام، أقفلت جلسات فض العروض على فتح ملف المؤهلات الفنية، من دون الانتقال إلى فتح العروض المالية.

سألنا وزير الاتصالات عن الأمر، وبعد تمهله في الغوص بتفاصيل وعد بإحالتنا إلى أحد متابعي الملف ليزودنا بها، شرح "أن ما فهمته أن أي من العروض لم يكن مطابقاً للمواصفات الفنية الموضوعة في دفتر الشروط" موضحاً "أنه يتحدث عن عدد الرسائل المطلوب نقلها بالحد الأدنى".

أدرجت تاتش الحد الأدنى للرسائل المطلوب نقلها، من ضمن شروط الصفقة القاتلة، بينما هذا الشرط كان شرطاً من الشروط التجارية وليس القاتلة في الصفقة السابقة، وهو أيضاً لم يحدد كشرط قاتل في صفقة ألفا لتلزيم تشغيل الخاصية نفسها والتي قبلت رقابياً.

من هنا لم يكن تخلف الشركات العارضة عن هذا الشرط مفاجئاً. بل بدا منذ البداية مقروءاً من بنود دفتر الشروط التي حذرت قراءة خبيرة له، من كونها "تشكل عامل تهشيل لعروض الشركات العالمية، أو بالحد الأدنى مفخخة بعامل تعطيل لاستكمال فتح الملفات، والإنتقال بفض العروض إلى مرحلة دراسة العروض المالية".

إلا أن القرم دافع عن الأمر شارحاً "أننا كنا بعد مشاورات مع هيئة الشراء العام قد طلبنا بأن يلتزم العارضون بعدد رسائل منقولة إلى المشتركين تصل إلى 31 مليون رسالة سنوياً، وذلك بعد أن خفضنا الرقم من 46 مليون رسالة التي التزمت بها شركة VOX SOLUTIONS مع ألفا لأننا كنا متأكدين من أن لا أحد سيتقدم بعرض إذا وضعنا هذا الشرط".

إذاً، وضعت العصي أمام الدواليب مجدداً في منع إنهاء عقد INMOBILES التي لم يعد خافياً إخفاقها بإدارة الصفقة التي التزمت بها. بينما كان يمكن وفقاً لقراءة خبيرة "تدارك هذا الواقع من خلال القفز إلى العروض المالية المقدمة من العارضين، خصوصاً أن بين هؤلاء شركات عالمية ذات خبرة، مهما كان تخلفها بالنسبة للحد الأدنى لعدد الرسائل المطلوب نقلها، فلن يكون أداؤها أسوأ من الواقع الحالي مع شركة INMOBILES".

علماً تداعيات ما يقرأه مصدر خبير في الماطلة الـ "متعمّدة" بإتمام هذه الصفقة وتعديلها، لا تختزل العذابات التي يواجهها الناس بتنزيل التطبيقات واستخدامها ولا حتى بحرمان الخزينة من إيرادات سهلة يفترض أن تتوفر من خلال تشغيل هذه الخاصية. إنما بما تتسبب به هذه المماطلة من إرباك للمواطنين في تعاملاتهم اليومية مع الوسائل الذكية الموضوعة بين أيديهم. وذلك بعد أن تحكم بها غباء بشري يحاول أن يلبس ثوب الدهاء في تمرير المصالح الخاصة على حساب المصلحة العامة. وبالنتيجة "لا طلعت الدولة وخزينتها بخير ولا المواطن بخير". بل تبدو InMOBILES وكأنها وحدها من سينجو بريشه، متنصلة من عواقب مخالفتها لشروط العقد الموقع معها والتزاماته، مهما كان إصرار وزارة الاتصالات وتاتش على أنهما سيلاحقانها قضائياً ومالياً. ألا يقول المثل الشعبي "اللي جرّب مجرّب كان عقله مخرب".

لوسي بارسخيان- نداء الوطن

شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا