"تفكّك لبنان": التحذير من سيناريو تصاعدي
لم تجارِ مساعدة وزيرة الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط باربرا ليف رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في قوله إن هناك ضمانات أميركية إزاء احتمال نقض أو عدم اعتراف بنيامين نتيناهو الذي فاز في الانتخابات الإسرائيلية التي جرت مطلع الشهر الجاري، ويتوقع أن يؤلف الحكومة الإسرائيلية المقبلة باتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي وقّعته حكومة يائير لابيد.
رفضت ليف في ندوة شاركت فيها في معهد وودرو ويلسون واشنطن تحديد الخطوات التي ستتخذها العاصمة الأميركية لحماية الصفقة، أو إن كانت ثمة حاجة إلى ذلك وما إن كان سيمضي نتنياهو في نقض أو رفض الاتفاق أو لا. قالت: "سنرى. أعتقد أنه سيكون هناك الكثير من الأصوات التي تنصحه (نتنياهو) بخلاف ذلك"، مضيفةً أن الصفقة "جيدة لإسرائيل". ولكنها في الوقت نفسه أعربت عن اعتقادها بـ"أن لبنان سيضطر على الأرجح لتحمّل المزيد من الألم قبل أن يشكل هذا البلد المتوسطي الفقير حكومة جديدة، مع احتمال تفكّك كامل للدولة".
بعد أيام على الانتخابات النيابية في أيار الماضي التي أعطت أملاً بأن الاستحقاقات المقبلة في لبنان يمكن أن تحصل في مواعيدها، كتب ديفيد هيل السفير السابق والمساعد السابق لوزير الخارجية الأميركي مقالاً لم يبد تفاؤلاً فعلياً بالانتخابات ونتائجها والأفق السياسي للواقع اللبناني، وكذلك فعل المساعد السابق لوزير الخارجية ديفيد شينكر الذي عبّر عن تشاؤم مماثل. وأثار هذا انزعاجاً لدى فئة من اللبنانيين رغبت في أن يعبّر إجراء الانتخابات كما نتائجها عن بداية وعي السلطة للانعكاسات الكبيرة لأدائها الكارثي، وأن تشكّل زخماً للتغيير في لبنان.
كانت الرؤية من خارج ولا تزال أكثر شمولية للبنانيين الواقعين في حفرة عميقة، فيما يستمر أهل السلطة في الحفر بدلاً من التوقف عن ذلك. وقد تبيّن للبنانيين أنهم كانوا على خطأ لأنه لا النواب الذين أتوا تحت عنوان التغيير أظهروا قدرة على ذلك ولا السلطة تزحزحت عن ممارساتها. وهم يثبتون تالياً وبعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون أن الرهانات على التغيير قد لا تكون في محلها، لا بل باتت تصح إلى حد كبير تحذيرات ديبلوماسية تعود إلى سنتين أو أكثر بأن لبنان يذهب إلى التفكك والتحلل.
وفيما رهانات قوى سياسية كانت تنتظر عودة إلى العمل بالاتفاق النووي مع إيران لفكفكة العقد الداخلية أو كذلك فكفكة التوتر بين إيران والمملكة السعودية من أجل فك أسر الالتحاق اللبناني بالاستحقاقات الإقليمية، فإن الوضع قد لا يكون أقل تعقيداً مع عقوبات أوروبية وأميركية على إيران نتيجة القمع العنيف للاحتجاجات الشعبية، فيما يزداد الاحتقان على خلفية مدّ إيران روسيا بالمسيّرات القاتلة دعماً للرئيس فلاديمير بوتين في حربه على أوكرانيا. وقد لا يكون أقل تعقيداً مع الحذر من تهديدات تطير فوق المملكة السعودية من إيران، فيما الأنظار تتجه إلى متغيرين أساسيين، أحدهما حصل وهو عودة بنيامين نتنياهو إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية والثاني محتمل مع انتظار نتائج الانتخابات النصفية للكونغرس الأميركي وإمكان أن تحمل الجمهوريين بقوة إليه، ما يحتمل أن يؤثر على ما بقي من ولاية الرئيس جو بايدن وسياسته الخارجية كذلك.
لذلك يغلب التشاؤم لأنه لا استفادة محتملة من الزخم الذي وفره اتفاق الترسيم الحدودي مع إسرائيل لأنه لا وجود لسلطة قادرة على توظيفه بسرعة وقبل نشوء تطورات أو دخول عوامل قد تكون معطلة، ولا سيما إن بقي موقع الرئاسة الأولى شاغراً لمدة طويلة وكذلك وجود حكومة فاعلة.
ولا احتمال لانتخاب رئيس جديد للجمهورية في المدى القريب كذلك. تحلحلت بعض المؤشرات إيجاباً مع وجود الرئيس نجيب ميقاتي في الجزائر وبعد كلمته الواقعية المحزنة، علماً بأنها لم تعجب البعض، وربما نتيجة انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون الذي لا يمكن اعتبار أن وجوده في السلطة كان إيجابياً في العلاقات مع الدول العربية والخليجية بنحو خاص. وربما تظهر حلحلة إضافية مع ميقاتي في قمة المناخ أيضاً في مصر، وهو أمر قد يعيد صورة متوازنة نسبياً إلى المشهد السياسي ويوحي بدفع إيجابي لجهة ظهور استعدادات للانفتاح عربياً على لبنان في المرحلة المقبلة، لكن هذه المؤشرات تحتاج إلى ما هو أكثر.
تماماً كما هي الحال بالنسبة إلى الاحتفال بذكرى اتفاق الطائف وترجمة الدعوة السعودية حياله عبر مقاربة مختلفة أكثر عن تلك التي سادت في الأعوام القليلة الماضية، التزاماً بالوقوف إلى جانب لبنان ودعم مساره إيجاباً في المرحلة المقبلة في ظل تساؤلات كبيرة أثارها كلام السفير السعودي في لبنان وليد بخاري من أن "فرنسا أكدت لنا أنه لن يكون هناك أي نية أو طرح لتغيير اتفاق الطائف" وعما يعبّر هذا الكلام في هذا التوقيت بالذات، علماً بأن فرنسا التي كان رئيسها إيمانويل ماكرون قد أثار موضوع تغيير النظام في أيلول 2020 عادت فتراجعت عن ذلك، ما لم تكن هناك معطيات لم يكشف عنها على هذا الصعيد وفق ما يخشى البعض في مسايرة فرنسية لـ"حزب الله" وإيران يراها كثر متمادية ومتساهلة جداً على حساب الأطراف السياسيين الآخرين في لبنان.
وهل هذا هو السبب لإعادة انخراط السعودية على المستوى السياسي المتعلق بإعادة الاعتبار لاتفاق الطائف ودلالة ذلك في الدعوة إلى منتدى في الذكرى الـ33 للاتفاق للتأكيد عليه وحمايته؟ وكيف سيترجم ذلك الانخراط إن كان يتحقق واقعياً؟
الصورة القاتمة خلال الأشهر المقبلة تبدو عصيّة على التغيير ما لم تمارَس ضغوط خارجية قوية أو تتلاقَ بعض المصالح درءاً لمزيد من التفكك اللبناني. وهذا ليس واضحاً حتى الآن.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|