واشنطن براغماتيّة وليس الجولاني
حين يتسلّم الرئيس ترامب سدّة الرئاسة في 20 كانون الثاني لن يكون أمام إدارته اتّخاذ قرار بالتواصل مع هيئة تحرير الشام لأنّ الإدارة الحالية سارعت للانفتاح على الهيئة، لكن من المؤكّد أنّه سيسارع إلى إلقاء اللوم على إدارة بايدن إذا أدّى هذا الانفتاح إلى نتائج معاكسة، وبالأخصّ تشجيع التنظيمات الجهادية على تنظيم صفوفها مجدّداً وتهديد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
قرار إدارة بايدن الانخراط مع أحمد الشرع، زعيم هيئة تحرير الشام (HTS)، وسحب المكافأة المالية التي تبلغ 10 ملايين دولار المخصّصة للقبض عليه، يعكس نهجاً براغماتياً تجاه الديناميكيات المتغيّرة بسرعة في سوريا بعد الإطاحة بالرئيس بشار الأسد.
النهج نفسه الذي دفع الرئيس الأسبق باراك أوباما للانفتاح على الإخوان المسلمين بعد سقوط الرئيس حسني مبارك، وهو ما أغضب حلفاء واشنطن من الدول العربية الذين ازدادت مخاوفهم من أنّ واشنطن لا يمكن الاعتماد عليها وقت الشدّة.
على الرغم من تصنيفها منظّمة إرهابية بسبب ارتباطاتها السابقة مع القاعدة، أصبحت هيئة تحرير الشام الآن السلطة الحاكمة الفعليّة في سوريا. باعترافها بهذا الواقع الجديد، تهدف إدارة بايدن إلى الانخراط مع القيادة الحالية لتعزيز “الاستقرار، ومكافحة الإرهاب، ودعم إنشاء حكومة شاملة تحترم حقوق الإنسان”، وربّما تحاول إدارة بايدن، التي تسعى إلى تبنّي أيّ إنجاز في السياسة الخارجية، للإيحاء بأنّ واشنطن أيضاً ساهمت في إسقاط الأسد.
خلال اجتماع في دمشق، أفادت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، بأنّ الشرع تعهّد بالتخلّي عن الإرهاب والتركيز على إعادة الإعمار والتنمية الاقتصادية. وبناءً على ذلك، قرّرت الولايات المتحدة سحب المكافأة المالية لتسهيل الحوار المفتوح والتعاون. وأكّدت ليف أنّ الولايات المتحدة ستقوّم هيئة تحرير الشام بناءً على أفعالها، وليس أقوالها فقط، وهو ما يشير إلى موقف حذر لكن مفتوح تجاه مستقبل الجماعة. وفي هذا الموقف تكون واشنطن اعترفت للشرع بأنّ قرار إدراجه على لوائح الإرهاب كان قراراً سياسياً.
أحد التبريرات لهذا الانخراط أنّه يخدم أيضاً مصالح أميركية أوسع، بما في ذلك البحث المستمرّ عن الصحافي الأميركي المفقود أوستن تايس، الذي اختفى في سوريا عام 2012. ومن خلال التعاون مع القيادة الجديدة في سوريا، تأمل الولايات المتحدة الحصول على مساعدة في تحديد مكان تايس ومعالجة المخاوف الأمنيّة الأخرى في المنطقة.
بدأ الرئيس السابق والمنتخب ترامب الحوار مع طالبان في ولايته الأولى قبل الانسحاب الكارثي من كابول، لكنّ ذلك يختلف عن ظروف سوريا لأنّ الولايات المتحدة كانت تُستنزف مادّياً وبشريّاً في أفغانستان حيث خاضت واشنطن أطول الحروب في تاريخها. أمّا في سوريا فإنّ الوجود الأميركي كان استراتيجيّاً وله مهمّة محدّدة، وهي محاربة داعش وليست التدخّل في الحرب الدائرة فيها.
لكنّ داخل المؤسّسات الأميركية أصواتاً غير مؤيّدة لهذا القرار، وتحديداً القضائية التي تسعى إلى تطبيق القوانين. ومن المؤكّد أنّ إدارة ترامب ستسارع إلى إلقاء اللوم على إدارة بايدن في حال أدّى الانفتاح الأميركي على منظمة اعتبرتها في السابق إرهابية إلى نتائج معاكسة. ترامب كان واضحاً في تصريحاته بأنّ مستقبل سوريا في يد تركيا ولا يرغب بأن يتدخّل في المسائل الداخلية في سوريا.
التعاطي مع المنظّمات الجهادية، وحتى تلك المتورّطة بالإرهاب، لطالما كان محور جدل في واشنطن. وخطوة إدارة بايدن جاءت لتؤجّج هذا الجدل عشيّة وصول ترامب إلى البيت الأبيض الذي لا يحبّذ إعطاء هدايا مسبقاً ومن دون مقابل كما حصل مع أحمد الشرع. ويرى منتقدو خطوة واشنطن في الانفتاح على تنظيم إرهابي وصل إلى السلطة أنّها تخلق سابقة خطيرة، وكأنّها رسالة بأنّ الجماعات المسلّحة يمكن أن تحصل على الشرعية الدولية من خلال الاستيلاء على السلطة، وهو ما قد يشجّع تنظيمات مماثلة على العمل على تحقيق الهدف نفسه في مناطق أخرى من المنطقة. ومن النتائج السلبية لهذا الانفتاح أنّه يقوّض السياسات الطويلة الأمد لأنّ الاعتراف بجماعات ذات تاريخ مثير للجدل مثل هيئة تحرير الشام قد ينفّر الحلفاء والشركاء الذين دعموا السياسات الأميركية ضدّ هذه التنظيمات.
وهذا أيضاً يزيد من توجّسات الحلفاء في المنطقة حيث إنّ قوى إقليمية مثل السعودية ومصر ستتشكّك في مصداقية الولايات المتحدة والتزامها على المدى الطويل، خاصة إذا تعارضت مصالحها مع هذا النهج البراغماتي.
هناك أيضاً مخاوف من أنّ واشنطن لا يهمّها وضع حقوق الإنسان والديمقراطية في سوريا، إنّما يهمّها فقط الابتعاد عن تهديد أمن إسرائيل وعدم الانخراط مجدّداً مع تنظيمات جهاديّة كداعش والقاعدة. فإذا فشلت هيئة تحرير الشام في بناء حكومة شاملة أو تمثيليّة، فإنّ الولايات المتحدة تخاطر بأن يُنظر إليها كجهة تضفي الشرعية على حكم قمعي.
لا يرفض منتقدو إدارة بايدن نهج المرونة، لكنّهم كانوا يفضّلون أن توضح الولايات المتحدة شروطها للاعتراف والتعامل، مع التركيز على الإصلاحات واحترام حقوق الإنسان ورفض الإرهاب. بدون هذا الوضوح، قد يُساء تفسير الرسالة باعتبارها دعماً لسياسة “القوّة هي الحقّ”.
أساس ميديا - موفق حرب
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|