إقتصاد

الليرة عام 2025: هل يصمد الاستقرار النقدي؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

منذ شهر أيلول الماضي، بات يتكرّر بشكلٍ دوريّ السؤال حول قدرة مصرف لبنان على ضبط إيقاع اللعبة النقديّة، في سوق القطع الموازية، كما حول قدرته على الاستمرار بسياسة تثبيت سعر صرف الليرة اللبنانيّة. تراجع حجم الاحتياطات خلال فترة الحرب، أوحى للبعض بوجود متغيّرات قد تحد من قدرة المصرف المركزي على التدخّل بشكل دائم في السوق. وعروضات الفوائد الخياليّة، التي قدّمتها المصارف بالليرة مؤخرًا، أوحت بالاستماتة لامتصاص هذه الليرات من السوق حاليًا، وهو ما طرح السؤال عن علاقة مصرف لبنان نفسه بما يجري في السوق. وهذه العروضات، أوحت أيضًا بإقبال القطاع المالي على مرحلة قد تضطر فيها المصارف لضخ الليرات في السوق، لدفع الفوائد الكبيرة.

البحث في السؤال حول مستقبل التوازنات النقديّة، يرتبط طبعًا بمتغيّرات أمنيّة وسياسيّة لم يتّضح مآلها بعد، وهو ما يحول دون تقديم إجابات حاسمة وقطعيّة. غير أنّ جزءًا آخر من العوامل المؤثّرة في المشهد، سيرتبط بتوازنات ماليّة متاحة للتحليل، وخصوصًا على مستوى التغيّر في حجم الاحتياطات والكتلة النقديّة المتداولة بالليرة اللبنانيّة. فأي مستقبل ينتظر الليرة اللبنانيّة خلال العام 2025؟ وما هي السيناريوهات التي ستحكم مجريات الأمور خلال العام

توازنات الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة
تمثّل الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة اللبنانيّة المصدر الأساسي لأي طلب محتمل على العملة الصعبة، وهذا ما يفسّر سعي المصرف المركزي الدائم لامتصاص أكبر قدر ممكن من هذه السيولة بالعملة المحليّة، للحفاظ على توازن سعر الصرف في السوق الموازية.

وفقًا لآخر أرقام المصرف المركزي، بات حجم السيولة المتداولة بالليرة في السوق يناهز حدود الـ 55.81 ترليون ليرة لبنانيّة، أي ما يقارب الـ 623.5 مليون دولار أميركي وفقًا لسعر الصرف الرائج اليوم. مع الإشارة إلى أنّ هذا الرقم كان يوازي أكثر من 58.1 ترليون ليرة في أواخر العام 2023، ونحو 80.17 ترليون ليرة في أواخر العام 2022. وبهذا المعنى، يمكن القول إن حجم الكتلة النقديّة المتداولة وصل إلى أدنى مستوياته اليوم منذ الربع الأخير من العام 2022، وهو ما يعطي المصرف المركزي أفضليّة وهامشًا كبيرًا، في ضبط سعر الصرف.

الأهم هنا، هو أنّ قيمة الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة محدودة جدًا قياسًا بحجم الاحتياطات المتاحة بالعملة الصعبة، والتي يقارب حجمها حاليًا الـ 10.18 مليار دولار أميركي. بل إنّ حجم الزيادة في هذه الاحتياطات، منذ رحيل رياض سلامة، يوازي وحده 1.6 مليار دولار أميركي، جرّاء شراء مصرف لبنان للدولارات من السوق. وهذا الرقم وحده، يكفي لتغطية 2.56 مرّات حجم الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة اللبنانيّة.

الواضح من هذه الأرقام، هو أنّ مصرف لبنان لن يفقد على المدى القصير، أي خلال الأشهر المقبلة، القدرة على التدخّل وضبط سعر الصرف في السوق الموازية. الدولارات التي أضافها المصرف المركزي إلى احتياطاته، منذ آب 2023، قادرة على تلبية أي طلب على العملة الصعبة في السوق. وحجم الليرات المتوفّرة في السوق، لشراء الدولارات، محدود جدًا قياسًا بقدرة مصرف لبنان على التدخّل. وعلى هذا الأساس، لا يوجد ما يوحي بقرب انفلات سعر الصرف خلال الربع الأوّل من العام الراهن، على الأقل، طالما أنّ القرار السياسي القاضي بتثبيت سعر الصرف ما زال متوفّرًا.

التحديات على المدى البعيد
على المدى الأبعد، ثمّة تحديات ومتغيّرات أخرى ستحدد مآل السياسة النقديّة الراهنة، كما ستحدّد إمكانيّة الحفاظ على ثبات سعر صرف الدولار عند مستوياته الحاليّة. أولى تلك التحديات، سترتبط بحجم احتياطات العملة الصعبة لدى مصرف لبنان، التي عادت للاستقرار مؤخرًا بمجرّد انتهاء الحرب الإسرائيليّة الأخيرة، بعد أن شهدت انخفاضات ملموسة خلال فترة الحرب. وبهذا الشكل، قد تمثّل عودة الحرب الواسعة النطاق تحديًا جديًا لقدرة مصرف لبنان على الاحتفاظ بمستوى مقبول من الاحتياطات، ولقدرته على التدخّل في السوق الموازية لضبط سعر الصرف.

على المقلب الآخر، ثمّة أسئلة حول سياسة الفوائد المرتفعة التي تعرضها المصارف حاليًا، مقابل استقطاب الودائع بالليرة اللبنانيّة. فالنتيجة الطبيعيّة لهذه السياسة، ستكون ضخ كتلة من الليرات في السوق، لتسديد هذه الفوائد في المستقبل، بعد امتصاص الودائع في الوقت الراهن. حجم هذا التأثير، سيحدده حجم الودائع التي استقطبتها المصارف بهذه الطريقة خلال الأسابيع الماضية، كما سيحدده مصدر الليرات التي ستُستعمل لسداد فوائد هذه الودائع. وجميع هذه المتغيّرات، ما زالت غامضة إلى حد بعيد، إذ لم تتضح بعد جميع تفاصيل هذه العمليّات، وإن اتضحت وجهتها العامّة.

أمّا على المستوى الحكومي، فثمّة أسئلة حول مستقبل السياسة التقشّفية المتبعة حاليًا، والمتفق عليها بين وزارة الماليّة ومصرف لبنان. فالمصرف المركزي يعتمد على مراكمة ودائع القطاع العام لديه، من حاصلات الرسوم والضرائب، لامتصاص السيولة بالليرة من السوق، في مقابل الليرات التي يستعملها لشراء العملة الصعبة من السوق الموازية. وأي مساس بهذه المعادلة، التي تحمّل السياسة الماليّة كلفة الاستقرار النقدي، سيمس بتوازنات العرض والطلب القائمة في سوق القطع حاليًا. وبطبيعة الحال، سيعتمد مستقبل هذه السياسة الإشكاليّة على موازنة 2025، التي يفترض أن تنظّم عمليّة الإنفاق العام خلال السنة الحاليّة.

 أخيرًا، وعند التطرّق إلى مسألة سعر الصرف، من المهم السؤال عن مصير منصّة التداول بالعملات الصعبة، التي وعدت "القيادة الجديدة" في مصرف لبنان بإطلاقها بعد انتهاء ولاية رياض سلامة. فهذه المنصّة، ستبقى وحدها الأداة الضامنة لتنظيم عمليّات سوق القطع، ولتأكيد شفافيّة تدخّلات المصرف المركزي في هذه السوق. وبمجرّد إطلاق هذه المنصّة، سيكون بالإمكان الوصول إلى سعر صرف متوازن تحدده آليّات العرض والطلب، مع الاحتفاظ بدور مصرف لبنان عند الحاجة لتدخلاته. وحتّى اللحظة، لم يتّضح بعد مستقبل هذه المنصّة، أو الأسباب التي أدّت إلى تأخير إطلاقها.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا