"داعش" يعود بمصادر سلاح جديدة... وقرار إيرانيّ محتمل؟
عزّزت هجمات نيو أورليانز في الولايات المتحدة المخاوف التي تصاعدت مع التبدّلات الجيوسياسية في سوريا ومنطقة الشرق الأوسط من عودة تنامي نشاط تنظيم "داعش"، كون الأخير قد يجد في المستقبل السوري الغامض فرصة مناسبة سانحة لإحياء مشاريع قديمة وبناء نفوذ سياسي وعسكري بين العراق وسوريا.
هذه المخاوف ارتقت إلى مستوى الجدّية مع تحذير عال المستوى صدر عن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن خلال جولته في الشرق الأسوط بعيد سقوط نظام بشّار الأسد، إذ قال إن "المتشددين سوف يسعون إلى إعادة تجميع صفوفهم في الفراغ الذي خلفه انهيار نظام الأسد"، وهي الفرصة التي يرى "داعش" أنها حالة فوضى قد تسمح له بإعادة تجميع قدراته.
مصدر سلاح جديد
التقارير تفيد بأن "داعش" كان يعمل على إعادة تنظيم صفوفه بشكل مكثّف خلال الفترة الأخيرة، ونقلت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن ضباط أميركيين وأكراد خلال الصيف أن "المجموعة تدرّب مجنّدين جدداً وتحشد قوات في الصحراء السورية"، مع الإشارة إلى أن المقاتلين قد زادوا من وتيرة هجماتهم العام الماضي، مستهدفين نقاط التفتيش، وفجروا سيارات مفخخة، وحاولوا تحرير سجناء لهم.
وتيرة حركة "داعش" ارتفعت بعد سقوط نظام الأسد، والتنظيم استغل حالة الفراغ والفوضى، "فاستولى على كمية كبيرة من الأسلحة التي تخصّ الجيش السوري"، وفق ما يكشف رئيس الوزراء العراقي محمد السوداني، الذي أبدى خشيته من استخدام هذا السلاح "للتوسّع في المنطقة"، كاشفاً عن عمل مشترك بين العراق والتحالف الدولي هدفه "وقف نقل الأسلحة".
ثمّة اعتقادات تخلص إلى أن "داعش" بدأ يوسّع هامش حركته الجغرافية، يتحدّث عنها أيمن جواد التميمي، باحث في منتدى الشرق الأوسط مقرّه فيلادلفيا، لـ"وول ستريت جورنال"، إذ يشير إلى أن "حرية الحركة الأكبر عبر سوريا ربما سمحت لخلايا داعش بالانتقال إلى أجزاء أخرى من البلاد حيث تنتظر الوقت المناسب"، مبدياً قلقه من "موجة مفاجئة من الهجمات والعنف".
طلب عراقي من أميركا
منسوب القلق يرتفع في العراق أكثر انطلاقاً من اختباره تجربة "داعش" عام 2014، وكون وضع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لمواجهة التنظيم الإسلامي المتشدّد غير مستقر بضوء احتمال إتمام الانسحاب الأميركي من العراق، وبحسب "وول ستريت جورنال"، فإن حفاظ الجيش الأميركي على وجود أكثر من 2000 جندي في سوريا ونحو 2500 في العراق "غير مؤكّد".
يسعى العراق للحفاظ على الوجود الأميركي كضمانة لاستمرار عمليات مواجهة التنظيم، وبعد أيام من سقوط الأسد وبدء رصد مؤشرات على استيلاء "داعش" على امدادات سورية عسكرية، طلب مسؤولون عراقيون زاروا واشنطن إعادة تقييم اتفاقية الانسحاب التي تم التوصل إليها مؤخراً والتي دعت إلى انسحاب جميع القوات الأميركية تقريباً في غضون عامين، وفق تقرير "وول ستريت جورنال".
مستقبل التواجد الأميركي في العراق تحدّث عنه النائب الجمهوري مايك والتز، وهو ضابط متقاعد في القوات الخاصة ومن المتوقع أن يكون مستشار الرئيس المنتخب دونالد ترامب للأمن القومي، حينما قال إن الأخير "يركّز على إبقاء القوات الأميركية بعيداً عن الصراعات الأجنبية، لكنّه "واضح الرؤية" في شأن التهديد الذي يشكّله تنظيم داعش في سوريا".
سجون الأكراد بخطر؟
التبدلات الحاصلة في المشهدية الكردية شمال شرق سوريا أيضاً تستعدي مخاوف إضافية من عودة نشاط تنظيم "داعش"، فقوات سوريا الديموقراطية (قسد)، التي واجهت التنظيم المتطرف بدعم أميركي وتمكّنت من السيطرة على مناطق كانت تخضع لنفوذه، تواجه ضغوطاً من قبل فصائل مسلّحة تتواجد على حدودها الجنوبية، ما قد يؤدّي إلى ضعف قوتها العسكرية وتشتّت قدراتها.
تضعضع الوضع الكردي سيكون له تبعاته على توسّع رقعة نشاط عمل "داعش" وارتفاع عدد مقاتلي التنظيم، لأن مخاوف كبرى يبديها مسؤولون عسكريون أميركيون وشركاء إقليميين لهم من احتمال تعرّض سجون ومعسكرات الاعتقال الكردية في شمال شرق سوريا التي تحتجز مقاتلي "داعش" وعائلاتهم إلى هجمات هدفها تحرير مقاتلين.
استثمار إيرانيّ؟
الحديث عن عودة محتملة لداعش يتم على مستويين، المستوى الأول ميداني مرتبط بالسلاح والجغرافيا ذُكر سلفاً، والمستوى الثاني سياسي مرتبط بالرعاية الإقليمية، فظاهرة الفصائل المسلّحة في الشرق الأوسط عادة ما تتغذّى على دعم دولي يتقاطع معها ويحاول الاستثمار بها، والمعطيات الميدانية وحدها غير كافية لاستنهاض تنظيم ودحر آخر، بل إن الخلفية السياسية الدولية مطلوبة لإتمام العمل.
اقتران نشاط "داعش" بالفوضى وضرب الاستقرار يستدعي توجيه الأنظار على الطرف الخاسر في سوريا والمنطقة، وفق ما يرى الباحث صهيب جوهر، الذي يشير إلى أن التنظيم المتطرف أشبه بـ"شركة مساهمة" وأطرافاً عديدة "قادرة على الاستثمار به" من قبل استخباراتها، وفي الحالة السورية، فإن الطرف الإقليمي الخاسر المتمثّل بإيران قد يسعى لزعزعة الوضع.
ووفق ما يقول جوهر لـ"النهار"، فإن إيران المأزومة "إذا لم تستطع حجز مقعد لها على طاولة تقاسم النفوذ وعقد التسويات والتفاهمات قد تسعى إلى إعادة تحريك التطرّف الإسلامي والجماعات المرتبطة به لضرب الاستقرار"، وفي هذا السياق، وجب التذكير بتصريحات قيادات إيرانية تحدّثت بشكل غامض عن مستقبل سوريا واحتمال حصول مفاجآت.
شكل العودة
شكل العودة يختلف، وثمّة سيناريوان مرشّحان في هذا السياق، إما عودة التنظيم لتشييد رقعة نفوذ جغرافي والتوسّع ميدانياً، وإمّا تنشيط خلايا نائمة وتنفيذ عمليات تسمّة "الذئاب المنفردة"، وهي الهجمات التي رصدت ونسبت لـ"داعش" في السنوات الأخيرة بعد هزيمته بالحرب العسكرية وتراجع المساحة الجغرافية التي يسيطر عليها.
وإذ يحذّر محلّلون من حوادث الذئاب المنفردة استبعد التميمي تكرار سيناريو التوسّع الذي حصل عام 2014، وتوقّع موجات من الهجمات ستفرض على "هيئة تحرير الشام" تحدّي إيجاد طريقة "للقضاء عليها"، لكن ضباط أميركيين وأكراد أبلغوا صحيفة "وول ستريت جورنال" إن إعادة "داعش" تنظيم صفوفه قد يهدف إلى "إحياء حلمها في حكم إمبراطورية إسلامية جديدة".
في المحصّلة، فإنّ عودة "داعش" إلى الظهور محتملة كون المبرّرات السياسية موجودة في ظلّ اختلال توازن القوى والمعطيات الميدانية مساعدة، وستشخص الأنظار على منطقة شرق سوريا حيث مناطق تواجد خلايا "داعش" في الفترة الأخيرة، وستركّز على كيفية تعاطي القيادة السورية الجديدة مع هذا الملفّ.
جاد ح. فياض-النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|