"شد الحبال" بين بري وجعجع.. هل يمهد الطريق لأزعور رئيسًا للبنان؟
استحقاقات “بناء الدولة” متشابهة بين لبنان وسوريا
الى حدٍّ كبير تتشابه الأوضاع الراهنة في لبنان وسوريا، ورغم اختلاف في تفاصيل عديدة إلا أن المهمات الرئيسية المطلوب انجازها تكاد تكون هي نفسها، كإعادة بناء الدولة والأمن والاقتصاد والعلاقات مع المحيط العربي والمجتمع الدولي. وإذا كانت هناك خشية من تسلّط جماعات إسلامية مسلحة على النظام الجديد في سوريا، فإن الخشية في لبنان هي من استمرار الميليشيا المسلحة في الهيمنة على الدولة والسيادة وإلا لما كان “حزب إيران/ حزب الله” استطاع جرّ البلد الى حرب لا يريدها اللبنانيون، ولا يزال خطر تجدّد الحرب ماثلاً، لأن القيادة الجديدة لـ “الحزب” وأعضاءه وأزلامه وصبيانه لا يزالون يدّعون “انتصاراً” لمجرد أنهم موجودون ومستعدون لأن يعاودوا الترهيب والتهديد والاغتيال والتخريب، غير مبالين بالكارثة التي حلّت بالبلد.
الذين تصدّروا المشهد في دمشق منتصرين بعد اطاحتهم بشار الأسد ونظامه وطردهم “خبراء” إيران و”حزبها” اللبناني وميليشياتها متعددة الجنسية، بدوا منذ اليوم الأول متهيّبين إزاء ضخامة التحديات التي تجب مواجهتها، ومدركين أن المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية لا بدّ أن تكون لهما الأولوية، ولم يخفوا غداة انتصارهم أن الطاغية الهارب خلّف وراءه هيكلاً عظمياً أجوفاً كان يسمّى “الدولة” ولأجل الحفاظ عليها كان هناك عرب وأجانب يريدون بقاءه في الحكم. الفارق بين هؤلاء الذين أرادوا تحرير شعبهم من الاستبداد، وبين “الحزب المنتصر” أن الأخير يعتقد أنه رفع من شأن لبنان إذ خاض حرباً ضد إسرائيل لكن “من أجل إيران”، متسبباً في دمار أجزاء كبيرة من الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت. الفارق أيضاً أن أولئك الموضوعين تحت الرقابة والاختبار، داخل سوريا وخارجها، يحاولون الظهور كأنهم “تعالجوا” من تطرفهم العقائدي بل يريدون الإقناع بأنهم “سوريون وطنيون أولاً وأخيراً”، في حين أن جماعة “الحزب” اللبناني تريد أن تبقى على ولائها لإيران وأن تكون طليعة استنهاض “محور الممانعة” من رماده.
قبل الخوض في استحقاقات الحاضر والمستقبل، التي تلفت الى التشابه بين سوريا ولبنان، لا بدّ من التذكير بالخراب الذي ساهمت إيران في اشاعته، وهو خرابٌ سياسي واقتصادي وعمراني واجتماعي ما كانت لتتمكّن من إنزاله بالشعوب لو لم يتوافر لها حلفاء في رأس الهرم: الأسد كرئيس للنظام السوري أراد الحفاظ على سلطته، ميشال عون كحليف قدم لبنان الى “الحزب” مقابل فرض انتخابه رئيساً للجمهورية. وفي العراق كان هناك نوري المالكي كرئيس للوزراء لا ينسى العراقيون أنه مكّن “داعش” من إقامة “دولة الخلافة”، وكذلك عبد الملك الحوثي الذي تسيّد في اليمن بالخديعة والإرهاب. كلٌّ من هؤلاء “الحلفاء”- “الوكلاء”، أخضعوا بلدانهم للخراب الإيراني، ويمكن اضافة قادة حركة “حماس” و”الجهاد” الذين صدّقوا أوهام “وحدة الساحات” ويتحمّلون مسؤولية تحويل قطاع غزّة الى أرض يباب.
يمكن اختصار التشابهات بين سوريا ولبنان بعنوان واحد: “إعادة بناء الدولة”، مع ما يندرج تحته أو يتفرّع عنه. بقيت في لبنان مؤسسة واحدة هي الجيش، وكادت تغرق في الأزمة الاقتصادية والمالية لولا المساعدة الخارجية، علماً بأن “حزب إيران” يوجّه اليها تهديدات مبطّنة بإحداث شرخ “طائفي” فيها. والأكيد أنه لم يعد قادراً على المسّ بها، سواء لأنها تحظى باحتضان شعبي ودولي أو لفشله في اثبات أنه البديل منها. في سوريا انهار الجيش بسبب الإهمال والفوضى والعبث الطائفي التي عومل بها من جانب النظام وفرّ قادته الكبار بمسروقاتهم، ويُراد الآن بناؤه وإعادة هيكليته مع أجهزة الأمن. في لبنان أيضاً لا بد من إعادة هيكلة للأجهزة لمعالجة الاختراقات التي أحدثها “الحزب”. وفي البلدين هدف واحد: أن يكون السلاح في يد الدولة حصراً.
لا رئيس في لبنان ولا في سوريا. حكومة موقتة هناك، وحكومة تصريف أعمال مبتورة هنا. دستور وبرلمان معلّقان هناك، ودستور وبرلمان معلّقان هنا. هناك حاجة الى انتخابات لن تُجرى في سوريا قبل سنوات، وحاجة الى انتخابات مبكّرة في لبنان لأن البرلمان الحالي انتُخب تحت وطأة “الحزب” لدى طائفته وطوائف أخرى. وفي لبنان يعلو الحديث، في اطار إعادة بناء الدولة، عن إعادة الاعتبار للدستور الذي أسيء تطبيقه من جانب “الحزب” وأتباعه، وقد وُجّهت الإساءة الكبرى الى حكم القانون واحترام المواطنة اللذين كانا ولا يزالان يتطلبان اصلاحاً إلا أن “حكم الحزب” زادهما سوءاً بإخضاعهما لقواعده العشوائية السقيمة. ثمة حاجة ماسّة في سوريا الى دستور يعيد الروح الى مواطنة كانت موجودة لكنها شُوّهت، وإلى “حكم القانون” لأن حكم العائلة والحزب الواحد و”الشبيحة” غيّب القانون لمصلحة البطش وأساليب التعذيب الصيدناوية. هذا يتطلّب في البلدين إعادة الاعتبار للقضاء، دستورياً وقانونياً، وللعدالة الانتقالية تحديداً في سوريا لأن الثارات والانتقامات من شأنها أن تعزّز شريعة الغاب. وفي تجارب الأمم تبيّن أن الدول التي يتعرّض قضاؤها للترهيب والتهميش لا يمكن أن تحظى بالاحترام، فهي تثير الخوف في الداخل والنبذ من الخارج.
لا شك أن اعادة الأمور الى نصابها بالنسبة الى احترام الدستور وحكم القانون تنعكس تلقائياً على سائر الاستحقاقات، خصوصاً تلك المتعلقة بالإصلاحات الضرورية للإدارة والاقتصاد والسياسات المالية ومكافحة الفساد ووقف الهدر. وكلّ ذلك مطروح في لبنان كما في سوريا وكأنهما في مرحلة تأسيسية، غير أن المهمة تبقى أكثر صعوبة وتعقيداً في سوريا حيث يُفترض تنظيف إرث خمسة عقود من حكم نظام احتكر أسياده الثروات ومغانم الفساد وعمّموا الفقر على معظم فئات الشعب. وفيما تبحث سوريا الجديدة عن ركائز جديدة للحكم والسلطة، هناك ركائز في لبنان لكن يجب تفعيلها وتحريرها من تسلّط مافيا المنظومة، بدءاً من تجريد ميليشيا “حزب إيران” من سلاحها غير الشرعي.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|