قروض مصرفية خجولة بالدولار لشركات وأفراد
منذ نحو ستة أشهر، بدأ بعض المصارف، وبشكل خجول، طرح برامج إقراض لزبائنه، أي المتعاملين معه والمعروفين لديه من خلال ملفاتهم وتاريخ التعاون معهم، بالدولار النقدي من دون تظهير ذلك إلى العلن كما كان يحصل في الماضي عبر الترويج الإعلامي والإعلاني للبرامج المطروحة، لأن الباب ليس مفتوحاً للجميع. والسؤال، ما هي الإجراءات المطلوبة لعودة التسليف إلى سابق عهده؟
شيئاً فشيئاً تظهّرت خدمة القروض بنوعيها للشركات والأفراد التي بدأ يوفّرها عدد قليل من البنوك. تلك البرامج تحظى بالقبول من المقترضين رغم أن الفوائد مرتفعة بعض الشيء. هذه الظاهرة تشير إلى أن دور المصارف الذي لم يعد مجدياً على الساحتين المالية والاقتصادية في لبنان بعد الانهيار منذ أواخر العام 2019، يتنشّط اليوم رغم أن الحل الشامل لم يأت بعد، بسبب تقاعس الحكومات المتعاقبة.
القروض في الأيام العادية تُثلج قلب من يحتاجها، فكيف بالحري في زمن الأزمات وتدنّي قيمة الرواتب، فهي تفرج أسارير من يرغب في شراء سيّارة على سبيل المثال وهو غير قادر براتبه الهزيل أن يقدم على تلك الخطوة، وكذلك تدعم رجال الأعمال الذين يخشون على رؤوس أموالهم، ويفضلون توسيع الأعمال بواسطة القروض. أما في مقلب المصارف فهي بدورها توظّف الأموال التي لديها بفوائد مرتفعة، فتعود عليها بمردود كون عائداتها شبه محصورة اليوم بالعمولات، والتي ارتفعت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة.
فضلاً عن ذلك، تجسّ المصارف نبض الزبائن الذين فقدوا الثقة بها من جرّاء ضياع ودائعهم، من خلال منح القروض أو فوائد على الليرة اللبنانية تصل إلى 45%، رغم عدم استحداث قوانين مواكبة لمرحلة الأزمات، في محاولة لكسب ثقتهم. وفعلاً، هناك من يدخل في لعبة تصريف الدولار وإيداع المال بالليرة في المصرف للحصول على فائدة مرتفعة، الأمر المثير للاستغراب بعد المغامرة بأموالهم المخبّأة تحت الوسادة على أيام "صيرفة" وإلحاق خسائر بالأفراد.
أنواع القروض المطروحة
القروض التي بدأت تمنحها المصارف لزبائنها المعروفين من قبلها والمتعاملين معها تتوزّع بين نوعين: القروض التجارية commercial Loans وقروض التجزئة للأفراد.
وتختلف قيمة القروض حسب المصرف والسيولة المتواجدة لديه وقدرته على الإقراض والقيمة التي تترتّب عليه من جرّاء السحوبات المفروضة من خلال التعميمين 158 و 166 التي تتعلق بالإجراءات الاستثنائية للتسديد التدريجي للودائع بالعملات الأجنبية، واستعداد البنك للمخاطرة.
يقول مصدر مصرفي لـ "نداء الوطن" إنه يترتّب على المصرف الإقراض لزيادة مدخوله والتمكّن من الاستمرار على المدى الطويل. فالبنك عادة، وفي الأيام الطبيعية، تكون نسبة 70% من مدخوله من الفوائد و30% من العمولات والتي تكون عادة غير كافية. وحالياً، مدخول المصارف يأتي من العمولات فقط لذلك يترتّب عليها إيجاد مدخول من الفوائد وبدء الإقراض.
وأشار المصدر إلى أن "قانون النقد والتسليف لا يميّز بين أموال نقدية Fresh وغير نقدية، لذلك فالقوانين اللبنانية بالنسبة إلى البنوك لا تحميهم ولم يطرأ أي تعديل عليها".
وسيلة الإقراض التي توفّرها البنوك هي بالدولار النقدي وبالتالي التسديد يكون "فريش دولار" fresh dollar أو بالشيك الـ "فريش".
عدد المصارف التي باتت تمنح قروضاً، ضئيل لا يتخطّى أصابع اليد الواحدة، وعلمت "نداء الوطن" أن مصارف عدّة أخرى مترقّبة لحركة التسليف أعدّت برامجها وتنتظر الوقت المناسب للشروع بها لا سيّما قروض السيارات لكنّها لم تطلقها بعد.
وبرزت البنوك الكبيرة في القروض، في حين أن المصارف الصغيرة لم تُقدم على هذه الخطوة بعد، علماً أن "نداء الوطن"، علمت أن مصرفاً كبيراً، وعلى سبيل المثال، فرمل منح القروض خلال الشهرين الماضيين أي طوال الفترة الشاملة للحرب بين إسرائيل و "حزب اللّه"، ومن ثم استأنف هذا النوع من النشاط، بعد وقف إطلاق النار، وفتح الباب لتقديم تلك الخدمة للشركات.
في العودة إلى أيام السلم وأيام مزاولة المصارف الخدمات المنوطة بها، أي قبل بدء الأزمة المالية نهاية العام 2019، كانت قيمة القروض المصرفية تبلغ نحو 40 مليار دولار، أما اليوم فلا تتخطّى قيمة التسليفات المصرفية الجديدة المليار دولار، حسب تقديرات غير رسمية.
وتتوزّع القروض المطروحة حالياً من المصارف بين قروض قصيرة الأمد وتسمى overdraft أي يتمّ إيداعها في حساب جارٍ وأخرى تصل إلى 3 سنوات بفوائد بنسبة 15% لقروض التجزئة للأفراد retail loans وهي:
- قروض للسيارات تصل قيمتها إلى 30 أو 40 ألف دولار.
- بطاقات اعتماد Credit cards.
- سلفة على الراتب الموطّن بقيمة تعادل ثلاثة رواتب.
أما في ما يتعلّق بالقروض التي تمنح للشركات بهدف شراء بضائع أو معدّات ... فتتراوح الفائدة عليها بين 10 و13%.
مصدر السيولة؟
إن عودة المصارف إلى منح القروض تطرح تساؤلات حول مصدر تمويل تلك القروض، حول ذلك يوضح المصدر المصرفي "أن التسليفات التي بدأت البنوك توفيرها تستخدم فيها الأموال النقدية الـ "فريش" القديمة التي لديها وتلك الخطوة ضرورية لزيادة عائداتها.
ومن جهته، اعتبر رئيس لجنة الرقابة السابق على المصارف سمير حمود لـ "نداء الوطن" أن "السيولة تستقدمها المصارف من ودائع الناس التي باعتها لمصرف لبنان مقابل دولار نقدي، حصلت على "كاش دولار" فأودعتها خارج لبنان في حساباتها مقابل فوائد، أو من الاستثمارات الخارجية الناتجة من الفروع التي لديها في الخارج في مصر والأردن وتركيا فأبقت على الـ"كاش" الناجم عنها في حسابها وباتت تتقاضى فوائد عليها بدلاً من تسديدها إلى المودعين علماً أن نسبة الفوائد تراجعت.
جزء من هذه الأموال يضيف حمود "يمكن التحرّك به ضمن هامش ضيّق من خلال قروض صغيرة مثل البرمجة وقروض قيد التسييل لتحقّق المصارف عائدات بالدولار من الفوائد التي تتقاضاها. لكن ذلك لا يعطي أي دلالة أو مؤشراً إيجابياً على وضع القطاع المصرفي. معتبراً أن الفوضى لا تزال قائمة والغلط لا يزال غلطاً. والقطاع المصرفي لا يزال يسير في إطار غير تصحيحي".
لا قوانين تحاكي الوضع الحالي
وإذ شدّد حمود على أن الفوضى في العمل المصرفي تزيد، أكّد أن منسوب الخطأ يرتفع في ظلّ عدم إصدار قوانين تشريعية تنظيمية تحاكي الوضع الحالي وتضع حدّاً لكل الممارسات الخاطئة، في ظلّ عدم وجود حاكم ثابت لمصرف لبنان بل حاكم بالإنابة يشارف عمله على الانتهاء في حزيران المقبل، وعدم وجود حكومة قائمة بل حكومة تصريف أعمال".
ويرى حمّود أن الحاجة ملحّة اليوم إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة كاملة الأوصاف وحاكمية لمصرف لبنان ثابتة وصحيحة، على أن تلي تلك التدابير مباشرة إعادة هيكلة القطاع المصرفي ومصرف لبنان ومخاطبة الدائنين الخارجيين بالدرجة الأولى والداخليين بالدرجة الثانية.
في المحصّلة، لا يمكن القول إن القروض المصرفية عادت، بل إن ما يجري هو مجموعة استثناءات تؤكد القاعدة ولا تنفيها، والقاعدة أن القروض المصرفية غير موجودة فعلياً، وفق مفهوم السوق الطبيعية، وعودة هذه القروض تنتظر خطة الإنقاذ الحكومية، لحل أزمة المودعين، وعودة القطاع المصرفي إلى ممارسة وظيفته الطبيعية في تمويل الاقتصاد الوطني.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|