فيروسات التنفّس بين الانتشار السريع والتشابه المقلق
لا يمكن إنكار أن العالم في عصرنا الحالي، يخوض حربا مستمرة ضد الفيروسات التي تقتحم حياتنا بشكل متسارع. هذه المخلوقات الدقيقة التي تسبح في الهواء، تتحرك عبر الأسطح، وتتكاثر دون أن يراها الإنسان، أصبحت كعدو غير مرئي، يُهدد الصحة العامة في كل زاوية من الأرض.
ففي الوقت الذي يهدأ فيه القلق من فيروس، يظهر آخر يتسبب بتهديد أكبر، ما يطرح السؤال: لماذا تطفو هذه الفيروسات بهذه السرعة، وما الذي يجعلها تتحوّل إلى مخاطر مستمرة؟
يشرح مصدر طبي في مستشفى شتورا لـ "الديار" ان "فيروس "الميتابنيمو البشري" (HMPV) الذي اكتُشف لأول مرة في هولندا عام 2001، يعود الى السطح مجدداً، محطّماً أي أمل في أن يكون الخطر قد زال. وينتمي إلى عائلة الفيروسات التنفسية نفسها مثل الفيروس المخلوي التنفسي "RSV" وفيروس الحصبة، عاد ليجذب الانتباه بعد أن بدأ في الانتشار في الصين، ليُضاف إلى قائمة العوامل الممرضة التي تهدد العالم، ليس فقط في الصين ، ولكن في أماكن متعددة حول الكرة الأرضية".
سلسلة أوبئة لا تنتهي
ويشير المصدر الطبي الى انه "يشترك في العديد من الخصائص مع الفيروسات التي استقطبت انتباه العالم في السنوات الأخيرة، مثل (كوفيد-19). فكما كان الحال مع كورونا، ينتقل هذا الفيروس عبر الرذاذ من السعال والعطس، أو عن طريق تلامس الأسطح الملوثة. وفي الوقت الذي يحاول فيه العالم النهوض من تبعات الأزمة الطبية الاخيرة، يتجدّد الحديث عن نوع آخر يزعزع الصحة العامة".
ويؤكد المصدر ان "الأبحاث تبيّن أن هذا الفيروس لا يحمل سمات جديدة كما تم تصنيفه سابقًا، بل هو جزء من عائلة معروفة من الفيروسات التي تنشط عادة في فصلي الشتاء والربيع. ومع ذلك، فإن تفشيه في هذا الوقت من العام، وارتفاع حالات الإصابة يثير الهواجس. ولا يكاد يمر وقت طويل بين ظهور فيروس واختفائه، حتى يظهر آخر أكثر قوة وقدرة على الانتشار".
تطمينات "الصحة" مريبة!
وفي هذا المجال، قدّمت منظمة الصحة العالمية تطمينات بشأن فيروس "HMPV"، وهو عدوى تنفسية تنتشر في الصين، مؤكدةً أن الفيروس ليس جديداً أو فتاكاً، فهو شائع ولا يشكّل خطرا.
وقالت متحدثة باسم "الصحة العالمية" إن المنظمة على اتصال بالمركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها. وأشارت إلى أنه تم إبلاغها أن العديد من التهابات الجهاز التنفسي تنتشر في الصين، كما هو معتاد في فصل الشتاء، بما في ذلك "الانفلونزا" و "آر إس في" و"كوفيد-19" و"HMPV".
الاختلاط يلوث الاجواء
ويقول مصدر طبي في مستشفى رفيق الحريري لـ "الديار": "تكمن إحدى المفاتيح لفهم هذه الظاهرة في تداخل العوامل البيئية والاجتماعية. ففي حين أن تغيّر المناخ قد يُسهم في تكاثر الفيروسات التنفسية، فإن أنماط الحياة الحديثة تزيد من فرص العدوى". ويشير المصدر الى ان ارتفاع التفاعل الاجتماعي، وانتقال الأشخاص بين دول مختلفة، والتقارب في الأماكن العامة، يعزز من قدرة الفيروسات على الانتشار السريع. كما أن الأوبئة المستمرة، سواء كانت نزلات برد بسيطة أو أمراضا قاتلة مثل كورونا، تخلق أرضية خصبة لظهور أمراض جديدة نتيجة ضعف المناعة الاجتماعية وتصاعد الضغط النفسي العام".
ويضيف المصدر "أن الأعراض الناتجة من الإصابة بـ HMPV تشبه بشكل لافت أعراض الأنفلونزا الشائعة وأعراض كورونا. السعال المستمر، وارتفاع الحرارة، واحتقان الأنف، والصداع، والإرهاق، هي أبرز العلامات التي يعاني منها المصابون. ورغم أن هذه الأعراض قد تكون خفيفة لدى البعض، إلا أن الفيروس قد يتسبب بتبعات حادة لدى فئات معينة من الناس، مثل الأطفال وكبار السن، وأولئك الذين يعانون من ضعف في جهاز المناعة".
ويسلّط المصدر الضوء على "خطر هذا الفيروس على الأشخاص الذين يعانون من أمراض تنفسية مزمنة مثل الربو والأمراض الرئوية، إذ أن الفيروس قد يتسبب بتداعيات شديدة تشمل التهاب الرئة أو التهاب القصيبات الهوائية، خاصة لدى الأشخاص الذين لديهم ضعف المناعة. وعلى الرغم من أن معظم الحالات تبقى خفيفة نسبياً، إلا أن انتشار المرض في مناطق مزدحمة، قد يتسبب بضغوط صحية كبيرة على الأنظمة الصحية، التي ما تزال تحاول التعافي من تداعيات الجائحة السابقة".
فيروسات جديدة قد تكون أهلك مما نعتقد!
وفقا للمصدر الطبي من مستشفى شتورا "إنّ ظهور فيروس "الميتابنيمو" في هذه الفترة، ليس إلا أحد الأعراض لحالة عالمية أكثر تعقيدا. ومن هنا يأتي السؤال المثير للقلق: هل أصبحت الفيروسات المتجددة تهديدا طبيعيا يجب أن نتعايش معه؟ فالعالم الذي عانى من جائحة كوفيد-19، يشهد الآن ظهور فيروسات تنفسية جديدة في مناطق مختلفة من العالم، من بينها انفلونزا الطيور التي تنتقل من الحيوانات إلى البشر. وقد بدأ بعض العلماء يحذرون من خطر تطورها لأنها قد تكون أكثر تدميرا، نتيجة للتغيرات البيئية والاحتكاك المتزايد بين البشر والكائنات البرية".
ويختم المصدر "يعكس الانتشار السريع للفيروسات في عالمنا اليوم، تنامي الوعي بأن هذه المخلوقات الدقيقة باتت تمثل هلاكاً أكثر من أي وقت مضى، خصوصا في ظل تقلص المسافات بين البشر والطبيعة. وتزداد احتمالية انتشارها مع العولمة، ما يجعل العالم ككل عرضة للمخاطر البيئية والصحية المشتركة".
الوعي والإجراءات العملية
وفي مواجهة هذه التحديات الصحية المستمرة، يشير الطبيب خالد المتخصص في امراض الدم والصحة العامة من اميركا الى انه "لا يبدو أن هناك علاجا سحريا لجميع هذه الأوبئة، ويعتبر الخبراء أن أفضل الطرق لمكافحة الفيروسات مثل HMPV تبقى في الوقاية الذاتية عبر ارتداء الكمامات، غسل اليدين بانتظام، والابتعاد عن الأماكن المزدحمة، إلا أن العلاجات الفعالة للفيروسات المتجددة لم يتم تطويرها بعد بشكل كامل".
ويضيف الطبيب: "في غياب لقاحات محددة، تصبح الوقاية والوعي المجتمعي هما الأساس، لضمان الحد من تمددها". كما يلفت إلى "أن الأمر لا يتعلق فقط بعدم الاحتكاك بالمصابين أو وضع الكمامات، بل بإعادة تنظيم الممارسات اليومية وتغيير طرق حياتنا، لتقليل فرص الاصابة".
مستقبل الفيروسات واللقاحات
ويؤكد لـ "الديار" انه "بينما يتمحور الحديث الآن حول هذا الفيروس التنفسي الجديد، ينبغي أن نطرح السؤال الأهم: هل نحن مستعدون للتعامل مع الأوبئة المستقبلية؟ من الواضح أن الفيروسات المستجدة، التي تظهر بوتيرة متسارعة، تتطلب استجابة أسرع وأكثر مرونة من قبل الأنظمة الصحية العالمية. وقد لا تكفي الاجراءات التقليدية لمكافحة المرض على المدى الطويل. من هنا تنبع أهمية الاستثمار في البحث العلمي المستمر وتطوير اللقاحات والعلاجات، بما يتماشى مع التحولات السريعة، التي تطرأ على التركيبة الجينية للفيروسات".
ويختم الطبيب "في النهاية، يبقى الوعي الجماعي والالتزام بالتدابير الاحترازية أولى الخطوات التي تضمن سلامة المجتمعات، في ظل عالم يتبدّل بسرعة وتستمر فيه الفيروسات في تحدي قدرة البشر على مواجهتها. إن مجابهة هذا التحدي العالمي تتطلب أكثر من مجرد رصد الفيروسات الجديدة، بل تستوجب تفكيرا استراتيجيا لمعالجة جذور هذه الحالة التي تهدد حياة البشر حول العالم".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|