بعد "السقف القاتل" هل باتت المدارس اللبنانية خطراً على الطلاب؟
كتب بشير مصطفى في اندبندنت عربية: صدمة كبيرة يعيشها طلاب لبنان بعد مصرع الطالبة ماغي محمود بانهيار سقف صفها في ثانوية القبة الثانية الرسمية الأربعاء، الثاني من نوفمبر (تشرين الثاني)، وأثارت الحادثة الرأي العام الذي طالب بإظهار حقيقة ما حدث في تلك المدرسة التي يصنف مبناها بـ"التراثي"، كما فتح باب السؤال حول سلامة المباني المدرسية في ظل الانهيار المالي والاقتصادي، ودور وزارة التربية اللبنانية في تأمين بيئة مدرسية آمنة للطلاب.
مثل أي يوم بدأ اليوم الدراسي في مدرسة القبة الثانية المشهورة بـ"الأميركان" كالمعتاد، إذ التحق الطلاب بصفوفهم وبدأت العملية التربوية كما يجب، لكن أثناء الحصة الثانية من الدوام شهد الصف الثاني العلمي تطوراً دراماتيكياً، وتروي الطالبات "كنا نجلس في الصف وفجأة تساقطت بعض الحصيات من السقف، فاعتقدنا أنه أمر عابر لكن بدأ الحصى والحجارة المتساقطة تتزايد، فقفز الطلاب من مقاعدهم إلى الأماكن الخلفية في الصف ولم تتمكن الطالبات الثلاث ماغي وشذا وحسن من مغادرة أماكنهن بسلام".
أودت حجارة رملية كبيرة بحياة الطالبة ماغي محمود ابنة الـ16 عاماً، فيما أصيبت حسن برضوض في يدها، أما شذا فما زالت تعالج في مستشفى النيني بطرابلس وتعاني كسراً في الحوض.
يعيش ذوو الطالبات ورفاقهم حالاً من الحزن القاتم، فلم يستوعبوا بعد فكرة "كيف يمكن أن تقتل شابة داخل صفها بسبب الفساد، وعوضاً أن تعود بثوب التخرج تعود لوالديها بالكفن".
ويعتقد محمود محمود والد ماغي أن "عودة جميلته غير ممكنة، لكن يبقى هناك إمكان لحساب من تسبب بوفاة ابنته الصغيرة المليئة بالحياة وحب المعرفة"، وهو يجزم أنه سيستمر بالمطالبة بالحقيقة والمحاسبة منعاً لتكرار الحادثة مع أبناء العائلات الأخرى.
ومع رحيل ماغي فقدت العائلة أحلامها، فالشابة المجتهدة كانت تصبو لتصبح طبيبة، ووضعت المخططات المستقبلية من أجل ذلك، وكانت الابنة الصغرى في أسرة مؤلفة من أربع فتيات وستحتاج كثيراً من الوقت لتتجاوز الصدمة الكبيرة. ولن يكون أيضاً سهلاً على زملاء ماغي تجاوز ذاك النهار، فما جرى معها كان يمكن أن يكون مصير أية واحدة منهن.
وفي المقابل بدأت مسيرة التعافي للشابة شذا درويش الصديقة اللصيقة للضحية ماغي، يقول والدها علي درويش إن "الأطباء أجروا لها جراحة وطمأنوهم بأن الشابة ستتعافى، لكن الأمر يتطلب بعض الوقت".
ويحيط العائلة والأصدقاء بالشابة شذا ويشيرون إلى أنهم يمنحونها كثيراً من الدعم النفسي، ويحاولون إبعاد الأحداث السوداوية التي عايشتها عن مسار النقاش اليومي.
من المسؤول؟
ومن المؤكد أن هناك مسؤولاً عما حدث في ثانوية القبة الثانية (الأميركان) في منطقة جبل محسن طرابلس، ويقول مدير عام التربية عماد الأشقر إن "وزارة التربية بدأت تحقيقاً داخلياً من أجل تحديد المسؤوليات"، جازماً بأنه "ستتم محاسبة المسؤول أياً كان لأن حياة الطلاب مهمة، وكل من لديه أولاد يعرف حجم الخسارة التي وقعت داخل الصف".
وقد يستغرق التحقيق بعض الوقت، ولدائرة الهندسة في وزارة التربية دور أساس من أجل الكشف على هيكل المدرسة، وتعتبر المدرسة من "الأبنية التراثية" التي خضعت للترميم قبل انتقالها إلى عهدة وزارة التربية اللبنانية التي استأجرتها عام 2016، لتشكل مبنى بديلاً للمدرسة الأساس التي تعرضت إلى إصابات مباشرة بفعل الاشتباكات الأهلية بين باب التبانة وجبل محسن.
ويعود تاريخ بنائها لعام 1912 وقد تأسست على يد البعثة الإنجيلية – الأميركانية.
وخلال فترة الوجود السوري في لبنان تحولت إلى مركز أساس للاستخبارات العسكرية السورية، وبعد خروج الجيش السوري تملك أحد أبناء المنطقة المركز ورممه قبل تأجيره للدولة عام 2016.
ويرجح بعض المهندسين أن يكون هناك خطأ في أعمال الترميم، وتتبنى الموقف جزئياً بلدية طرابلس التي تعتقد أن "إزالة أحد الجدران الفاصلة بين الغرفتين وتحويلها إلى غرفة صف واحدة أدى إلى إضعاف المبنى وصولاً إلى انهيار الأجزاء الباقية من الجدار".
وفي المقابل يتحدث طلاب المدرسة حول مسؤولية الإدارة عن الحادثة، لأن الانهيارات تكررت خلال السنوات الماضية، وفي العام الماضي سقط السقف البلاستيكي بأحد الفصول، بينما تجاهلت الإدارة الأمر واستمرت في فتحها.
من جهتها تكشف الهيئة التعليمية للمدرسة أن "انهيار السقف في العام الماضي لم يكن لعيب في المبنى، وإنما بسبب أحد الطلاب المشاغبين الذي اعترف بصعوده إلى أعلى ودخوله خلسة والقفز على السقف البلاستيكي الواقع تحت قرميد المبنى في منقطة مقفلة، وصولاً إلى سقوطه".
وتؤكد الأوساط التربوية أنها "تتعرض لظلم كبير لأنها عاشت الخطر نفسه الذي عايشه الطلاب، بل إن لهم أبناء وأقارب في المدرسة".
المدارس تحت وقع الأزمات
وتعيش المدارس الرسمية تحت ضغط الأزمات، وأدى انهيار السقف في ثانوية القبة الثانية إلى تحرك الوزارة لإقفال مدرسة سليمان البستاني المواجهة لمدرسة الأميركان، إذ لا تحتاج إلى عملية كشف هندسي للتحقق من وضعها الخطر، فمن ينظر إليها يدرك أنها على شفا الانهيار، وقد لجأت الإدارة إلى تدعيمها ببعض القطع الخشبية.
ولا يختلف حال كثير من المدارس في لبنان عن حال مدرسة "سليمان البستاني"، وبحسب رئيس شبكة سلامة المباني يوسف عزام فإن هناك 100 مدرسة تحتاج إلى ترميم فوري منذ عام 2017. بينما تطالب رئيسة رابطة التعليم الثانوي ملوك محرز بإجراء كشوفات فورية ومباشرة للمدارس الرسمية في لبنان، وأن "تكون بصورة دورية آلية من أجل تحديد وضع المدارس وألا تنتظر طلب الإدارات والروتين".
وتوضح محرز التي تشغل مديرة إحدى المدارس الثانوية الكبرى في الشمال "يتم كشف دوري للمباني، ونحن في الإدارة نتحرك مباشرة عند حصول أي خلل مهما كان بسيطاً، سواء كان على مستوى البناء أو البنية التحتية والمراحيض، لكن يفترض بالوزارة أن تطلب من دائرة الهندسة إجراءات استثنائية لعدم وقوع مزيد من الأحداث المؤسفة، وأن يتحركوا سنوياً وبصورة تلقائية ومباشرة من دون أي طلب من الثانويات"، مشيرة إلى أن "بعض الجهات الدولية المانحة تعهدت بتأهيل بعض المدارس الرسمية في مختلف المناطق اللبنانية".
المدارس تكافح
وتعاني المدارس الرسمية اللبنانية من الانهيار المالي والاقتصادي في البلاد، وما زاد الطين بلة هو انتشار الأوبئة من جائحة كورونا إلى الكوليرا التي عادت إلى لبنان بعد أن سجلت وزارة الصحة آخر إصابة عام 1993.
وتؤكد محرز أن المدارس تكافح للاستمرار وتطبق فرق الإرشاد الصحي بالتعاون مع وزارة التربية الإجراءات الوقائية الصحية.
ولفتت إلى أن الجهات الرسمية زودت المدارس بالتجهيزات اللوجستية والمواد المعقمة من أجل تخفيف أخطار انتشار الأوبئة، وتحرص على تأمين مياه نظيفة لطلابها بتركيب فلاتر منذ عام 2017، لكنها تشير في الوقت ذاته إلى أن المشكلات التي تعانيها المدارس لا تتوقف عند مستوى سوء البنى التحتية والإجراءات الوقائية الصحية، وأن المعلمين يعانون تدني الرواتب، وأن التهديد بالإضراب لا يزال قائماً في حال لم يحصل التربويون على حقوقهم.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|