حكاية التهريب بين لبنان وسوريا... لكل زمن أسلحته ومخدراته وبضاعته
لطالما شكّل التهريب في بعلبك والبقاع الشمالي واقعاً معقداً مليئاً بالتحديات، فالمنطقة ساحة شبه مفتوحة للتهريب على أنواعه منذ عقود، تتقاطع فيها الطرق وتتداخل مع المعابر غير الشرعية والظروف السياسية والاجتماعية.
طوال عقود، أطلقت الأجهزة الأمنية اللبنانية، ولاسيما منها الجيش والأمن العام، حملات أمنية متتالية بهدف التصدي لعمليات التهريب. ومع ذلك، لم تضبط كما هي اليوم على الحدود الشرقية. فقد أدى المشهد السياسي المستجد في سوريا الى تقليص هذه الأنشطة، باستثناء بعض التحركات الضعيفة، في حين انتقلت لعبة تهريب البشر والبضائع الى الحدود الشمالية.
الحوادث التي أعقبت سقوط النظام السوري في قرى حوض العاصي الـ 33 تحديداً، والتي اتخذت منحى مذهبياً، تركت تأثيراً عميقاً في تشكيل المشهد السائد. فمعظم المهربين حالياً هم من أبناء المنطقة الحدودية. لذا، نجد أن العديد منهم توقفوا عن مزاولة نشاطاتهم، وخصوصاً في ظل الحملة المستمرة على ما يسمونها "فلول النظام وحزب الله".
يشير المؤرخ البعلبكي الدكتور حسن نصرالله في حديث الى "النهار" الى أنه "قبل حلول القرن العشرين، كانت منطقة بعلبك - الهرمل تمثل معبراً حيوياً عشوائياً بين لبنان وسوريا، في غياب تقسيم الحدود، تنقل عبره سلع كالتوابل والحبوب والأقمشة".
ومع حقبة الانتداب الفرنسي، تحولت المنطقة مركزاً محورياً للتهريب من منطقة القلمون السورية، وشملت السلع المهربة: التبغ، الكبريت، المواد الغذائية، والأسلحة التي أدخلت لأول مرة أثناء الثورة السورية الكبرى عام 1926.
استمر تهريب البضائع الاستهلاكية والسلع الزراعية والوقود بعد استقلال لبنان، وأدت هزالة رقابة الدولة وضعفها واستشراء الفقر والفساد الى تفشي التهريب، ودخلت قرى الهرمل هذه الدوامة عبر بوابة تهريب الشمندر السكري، في أعقاب إنشاء معمل السكر في حمص عام 1949، إذ انخرط سكان اللبوة، والهرمل في زراعة الشمندر السكري، وكان محصوله يهرب إلى عمق الأراضي السورية.
وتزايدت عمليات تهريب الأسلحة في ثورة عام 1958، وكانت جزءاً مهماً من الصراع السياسي والعسكري في لبنان.
وفي الحرب الأهلية عام 1975، أصبحت حركة التهريب أكثر تعقيداً عندما تشابكت الأنشطة الاقتصادية غير القانونية مع الأنشطة العسكرية والسياسية. مثلت بعلبك - الهرمل حلقة وصل مركزية للتهريب بسبب الفراغ الأمني الذي خلفه النزاع الدائر، جرى تهريب الأسلحة والذخائر والمقاتلين عبر الحدود، وكانت الجماعات الفلسطينية واللبنانية تستغل المنطقة لهذا الغرض لتحقيق أغراضها. ومع ازدهار التهريب التجاري، بدأ أيضاً تدفق المخدرات، وبرز الكبتاغون مادة رئيسية في الثمانينات، بحيث تحولت المنطقة مركزاً لإنتاج المخدرات وتهريبها.
وعلى رغم انتهاء الحرب الأهلية مطلع تسعينات القرن الماضي، استمرت القوات السورية في بسط سيطرتها على الحدود، مما أتاح توسّع عمليات التهريب بشكل غير مسبوق. واستثمرت شخصيات لبنانية علاقاتها بنافذين في النظام السوري، من أجل تسهيل أنشطتها غير القانونية.
ولم يحل الانسحاب السوري عام 2005 دون استمرار حركة التهريب، في ظل ضعف الرقابة خصوصاً في المناطق الجردية، ونشوء شبكات تجارية مرتبطة بالجماعات المحلية والعشائر تولت إدارة تهريب المخدرات والبضائع.
ورغم إغلاق الحدود في بعض الأوقات، أصبحت بعلبك - الهرمل نقطة عبور مهمة للمهربين الذين استغلوا الفوضى الأمنية لتوسيع نشاطاتهم، لتشمل خصوصاً الكبتاغون والمواد المخدرة الأخرى، إلى دول الخليج والعالم.
وأدى اعتماد العديد من العائلات والعشائر المحلية في الأعوام الأخيرة التهريب مصدراً أساسياً للدخل، الى تأثّر الزراعة والصناعات الصغيرة سلباً.
نشأت مع الأيام علاقات مصلحية بين المهربين وبعض المسؤولين المحليين الذين أغمضوا أعينهم عن التهريب، في مقابل رشاوى أو خدمات نفعية..
الفساد المستشري والتهديدات الأمنية المستمرة تجعل من مكافحة التهريب مهمة شاقة وطويلة الأمد، رغم الجهود الأمنية المضنية التي أُريقت في خلالها دماء زكية في صفوف العسكريين.
لينا اسماعيل -النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|