هل تسرّع المراقبون بإعلان "انتصار" تركيا في سوريا؟
بالرغم من اليقين الذي تحدّث به محلّلون كثر عن "النصر" التركي في سوريا بعد سقوط الأسد، ثمة ما يشير إلى أن هذه التحليلات ربما بالغت في استنتاجاتها. لا شك في أن تركيا حصلت على بعض أهدافها من انهيار النظام السوري السابق. يُرجح أن تتمكن أنقرة من إعادة قسم كبير من اللاجئين الذين فرضوا تكاليف على اقتصادها وسياساتها الداخلية.
من جهة ثانية، أرادت تركيا أن يكون لها في سوريا رافعة قوية بمواجهة روسيا وإيران. بعد انحسار دور موسكو وطهران عقب سقوط الأسد، وجدت تركيا نفسها وسط مساحة تحرك أوسع. بالرغم من الاحتمال الكبير لتحقق هذين الهدفين، ثمة عوائق أخرى قد تعرقل طموحات تركيا المستقبلية.
العلاقة الملتبسة
تم ربط النجاح السريع لـ "هيئة تحرير الشام" على الأرض بالدعم الذي حصلت عليه من تركيا. في وقت كان هذا الدعم أساسياً لتعزيز قوة "الهيئة" العسكرية، وخصوصاً حكمها المحلي في محافظة إدلب، لم يكن حجم العلاقات بين الطرفين واضحاً تماماً خلال الأعوام القليلة الماضية. حتى في الأشهر السابقة للهجوم، لم تبدُ تركيا في وارد الضغط على الأسد إلى حد إسقاط نظامه.
في تموز (يوليو) الماضي، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إنه منفتح على استقبال الأسد في أنقرة لترميم العلاقات بين البلدين. صحيح أن الأسد لم يرد على التحية بمثلها، لكن قلة من المحللين كانت واثقة بأن إردوغان أراد الانتقام عبر تغيير النظام في سوريا. عملياً، كان هذا الهدف قد سقط من حسابات أنقرة منذ نحو عقد من الزمن تقريباً، ولأسباب خارجة عن إرادتها إلى حد بعيد، مع بدء التدخل العسكري الروسي في سوريا وما نجم عنه من تطوير للعلاقات الثنائية بين موسكو وأنقرة.
الصحافي المتخصص في الشؤون الجهادية في "فرانس 24" وسيم نصر قال للشبكة إن "أنقرة فوجئت من الهجوم الخاطف لهيئة تحرير الشام ضد حلب". وأضاف أن هذا الأمر اضطرها للدفع بـ "الجيش الوطني السوري" لتحقيق هدفين: قطع أي رابط محتمل بين المعاقل الكردية في شمال شرق سوريا وحلب، ومنع تحويل أبي محمد الجولاني (أحمد الشرع) إلى قائد وحيد للمنطقة التي يحتفظ بها الثوار.
وكان تقرير سابق في "فورين بوليسي" قد أشار إلى أنّ تركيا تدخّلت في أواسط تشرين الأول (أكتوبر) الماضي لمنع "هيئة تحرير الشام" من شن هجومها على حلب، قبل أن تعود الأخيرة وتقرر خطوتها الحاسمة في 25 تشرين الثاني (نوفمبر).
حتى إردوغان... "مشكك"
بعد سقوط الأسد، لاحظت الديبلوماسية السابقة في وزارة الخارجية التركية الدكتورة توبا أونلو بيلغيتش أنّ إردوغان لم يبدُ مسروراً إلى الحد المتوقع بتطور الأحداث، لأنّه مدرك أو مشكّك بمدى تأثير بلاده على التطورات في سوريا. واستبعدت في مقال لها نشره "مركز تحليل السياسة الأوروبية" أن تكون تركيا مسيطرة على "هيئة تحرير الشام"، وتوقعت أن تبدأ الحركة بالابتعاد عن أنقرة بعد حصولها على دعم غربيّ. واستشهدت بما قاله الصحافي "المقرب جداً" من إردوغان عبد القادر سلفي الذي أعرب عن أن سوريا "دولة مهمة جداً كي تُترك لهيئة تحرير الشام والجولاني".
إذاً، لم تكن العلاقة بين تركيا و"الهيئة" علاقة دولة إقليمية بوكيل محلي لها، على الأقل، ليس دوماً. وثمة آخرون يملكون تصوراً مماثلاً. الباحث في "مجلس العلاقات الخارجية" ستيفن كوك لفت النظر إلى أن إعلان الانتصار التركي في سوريا جاء مبكراً. وكتب في "فورين بوليسي" الاثنين أن "هيئة تحرير الشام" أصبحت بحاجة متضائلة إلى تركيا بعد سقوط الأسد، وأكدت ذلك زيارات وزير الخارجية في الحكومة الانتقالية أسعد حسن الشيباني للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر والأردن، إلى جانب استقبال دمشق لديبلوماسيين أميركيين وأوروبيين. وبعدما ذكر أنّ الود الذي يكنه السوريون لنظرائهم العرب أكبر من ودهم تجاه الأتراك، أشار أيضاً إلى شكوك تركيا نفسها في أن تكون الإدارة الجديدة شريكاً أساسياً لأنقرة في محاربة "قوات سوريا الديموقراطية".
أفضل طريقة لاستغلال النفوذ
حتى ولو كانت أنقرة تملك اليد العليا النسبية في النفوذ الإقليمي والدولي ضمن دمشق، فقد لا يكون بإمكانها استخدام كامل أوراقها بقوة. يظهر تقرير صدر الاثنين عن "المعهد الملكي للخدمات المتحدة" أنه إذا نظر السوريون إلى تركيا باعتبارها تتدخل في الشؤون الداخلية لبلادهم أو أنها تتطلع إلى تأسيس وجود عسكري تركي في سوريا بلا جدول زمني محدد، فقد ينعكس ذلك سلباً على أي دور تلعبه لترسيخ الاستقرار في سوريا.
ودعا التقرير تركيا إلى استغلال الفرصة المتاحة أمامها لمساعدة الدول العربية الإقليمية على ممارسة تأثيرها في دمشق، مما يخفف الأعباء عن كاهل أنقرة في إعادة تأهيل الاقتصاد السوري والبنية التحتية.
إن التصور نفسه بأن تركيا هي المستفيد الأول من سقوط الأسد يؤدي دوراً في منحها نفوذاً إضافياً لصياغة مستقبل سوريا. لكنْ دون ترسيخ هذا التصور عقبات عدة تبدأ بالعلاقة الملتبسة بين أنقرة و"هيئة تحرير الشام" ولا تنتهي عند صعوبة معرفة كيف سيتعاطى الأتراك مع الملف الكردي ضمن تطلعهم الأوسع لحضورهم العسكري في البلاد. لا تزال تركيا مهيئة كي تكون أحد المنتصرين في سوريا، لكن من المحتمل جداً أن يكون الحكم على ذلك سابقاً لأوانه.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|