محمد رعد ..حاله حال سعد الحريري عندما تمت تصفيته وهو في البيت الأبيض!
في عيون النائب محمد رعد ما لا تشرحه كلّ لغات الأرض. أطلّ من قصر بعبدا وفي خاصرته ما يشبه الرمح أو الخنجر. حاله في ذلك حال سعد الحريري الذي تمّت تصفيته عند عتبة المكتب البيضاوي في البيت الأبيض. وحال وليد جنبلاط الذي خرج عقب اجتياح الجبل في النصف الأوّل من أيّارهم المجيد، ليعلن أنّه استسلم.
من ينسى صورة نازك الحريري التي تجمّعت فيها كلّ عذابات الأرض عقب القتل العظيم؟ من ينسى صورة غسّان تويني وهو يسكب دمعة العمر على جبران خاطره؟ من ينسى الشيخ أمين وزوجته المكلومة أمام بيار المسجّى فوق ضريحه بعدما ملأ الدنيا وشغل الناس؟ من ينسى والدة وسام عيد وهي تردّد على مسامع من يسمع: لقد مات ولدي ومات معه كلّ شيء؟ من ينسى وجه الأمّ الذي استحال بحراً من دموع لا تنضب وهي تودّع أغلى الرجال، بعدما نضج واكتمل وصار وسام الحسن؟
من ينسى حمزة الخطيب، تلك الأيقونة المحشوّة بالوجع والقهر والإجرام؟ من ينسى حنجرة القاشوش التي سحبها السفّاح وتركها فوق الإسفلت؟ من ينسى أطفال الغوطة وقد دُسّ السمّ في شهيقهم بينما يغطّون في نوم عميق؟ من ينسى سحب الأظافر؟ فقء العيون؟ كسر الرقاب؟ إهانة الكرامات؟ من ينسى وجه ذاك الرجل الذي حفر قبره ثمّ دفنوه فيه حيّاً، وقد لفظ آخر أنفاسه لكنّه لا يموت؟
وجوه كثيرة. لا تُحصى ولا تُعدّ. باغتها الوجع واستحكم في مفاصلها. حتّى استحال جزءاً لا يتجزّأ من وجه المنطقة المخضّب بالدم والدموع. كلّ زاوية فيها قتيل. كلّ شارع فيه مظلوم. مدنٌ تئنُّ عن بكرة أبيها. وعواصم دكّها الحزن حتّى اكتوت. فصارت الحياة في قاموسها كما الموت… سيَّيْن.
عرفنا كلّ ذلك واختبرناه وعشناه. وقد كنّا نردّد على الدوام أنّ القهر يولّد القهر وأنّ من يزرع الريح لا بدّ أن يحصد العاصفة. لكنّ الآذان ظلّت صمّاء. من بيروت إلى صنعاء. لم يسمع أحدٌ صراخنا. ولا عويلنا. ولا بكاءنا. بل أوغلوا عميقاً في دمنا. وفي كراماتنا. وفي أحلامنا المنتظرة على أرصفة العمر.
كنّا ندرك أنّ الطوفان سيأتي. سيسحب معه كلّ هذا القيح وسيمضي. ما من وطن في الدنيا مات أو يموت. ما من شعب في الأرض أباده الطغيان أو اجتثّته المحن. قدرنا أن نكابد في هذه البلاد، وأن نحملها حملاً فوق الأكتاف وفوق الرؤوس. وأن نتعلّم من دروسنا المرّة ما يدفعنا دفعاً نحو المسامحة والغفران، لا نحو الثأر والانتقام.
كلّ الدموع التي انهمرت. كلّ الدماء التي سالت. كلّ رجالنا التي قُهرت. كلّ أمهاتنا التي جثت على ركبتيها لتناجي عادلاً كي يبسط عدالته. كلّ هؤلاء فداء لغدنا الآتي من وراء الشمس. لا ضغينة في قلوبنا. نخلع وجعنا عند عتبة هذه المرحلة الجديدة. نمدّ يدنا. ونمسح الدمع عن وجوه من ظلمنا. ثمّ نقول للحاجّ محمد رعد: وجوهنا ظلّت شاحبة ومقهورة على مدى ربع قرن. لكنّنا لا نريد لكم أن تلبسوا هذا الوجه.
قاسم يوسف -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|