هل تنجح أنقرة في إقصاء ورقة داعش السّوريّة؟
يريد البعض أن يضع “هيئة تحرير الشام” و”قسد” و”حزب العمّال الكردستاني” و”داعش” في سلّة تفاوض ومساومة سياسية واحدة، وعقد صفقة تعطيه ما يريد في “حكاية المسمار” السوري هذه المرّة. الهدف هو تحويل مسار التحالف الدولي لمحاربة “داعش” إلى تحالف دولي لرسم خارطة المسار السياسي والدستوري الجديد في شرق سوريا.
منحت المتغيّرات السياسية والأمنيّة في سوريا أنقرة المزيد من الثقل والتأثير في الملفّ داخلياً وخارجياً. لا تريد تركيا التفريط بمثل هذه الفرصة الاستراتيجية التي ستعزّز من نفوذها على مستوى الإقليم ككلّ بعد انحسار التمدّد الإيراني في المنطقة وجمود السياسة الروسيّة في سوريا.
ليست العقبة هنا توصيات قمّة العقبة في الأردن قبل شهر. فاجتماعات الرياض الأخيرة أعادت خلط الأوراق وترتيب خارطة طريق سورية جديدة تتقدّمها مراجعة شرط الالتزام بتنفيذ القرار الأممي 2254. كما أنّ دعوة الإدارة السياسية السوريّة الجديدة إلى المشاركة في اجتماعات العاصمة السعودية، التي حضرها أبرز اللاعبين العرب والغربيين المؤثّرين في سياسات الإقليم، لا يمكن فصلها عن احتمال تقدّم المفاوضات الجارية بين دمشق وقيادات “قسد” ووصولها إلى نتائج ترضي الطرفين، مع اقتراب موعد التخلّي الغربي عن قرار العقوبات ضدّ دمشق وتجاوز مسألة مشروعية أحمد الشرع وفريق عمله في مواصلة قيادة المرحلة ما قبل الانتقالية.
أميركا وفرنسا وإسرائيل تلوّح بـ… “داعش”
تراجعت أميركا وإسرائيل وفرنسا عن تمسّكها بتحريك ورقة “قوات سوريا الديمقراطية” ومشروعها في شرق الفرات ضدّ تركيا، لمصلحة تفعيل ورقة “داعش” كسلاح متعدّد الفوهات تلوّح به باريس وتل أبيب ضدّ الجانب التركي.
لهذا تشعر قيادة حزب العدالة والتنمية أنّ تل أبيب تريد أن تكون شريكاً أساسيّاً في تقاسم أرباح انحسار النفوذ الإيراني. وتدرك أيضاً أنّ نتنياهو لن يسمح لها بتحقيق تفاهمات على حسابه مع دونالد ترامب في سوريا حيث تتداخل المسائل في أكثر من ملفّ استراتيجي إقليمي ذي طابع اقتصادي وأمني وسياسي.
هكذا يتراجع احتمال لعب ورقة “قسد” يوماً بعد يوم لمصلحة تحريك ورقة “داعش” في حسابات المواجهة السوريّة بين تركيا وإسرائيل لأنّ إبقاء ملفّ “داعش” دائم السخونة في سوريا هدفه إبقاء مسألة حقوق ومطالب “الأقلّية الكردية” في سوريا على النار، والتحذير من سيناريوهات اشتعال الفوضى والاقتتال الداخلي. واحتمال حصول انقلاب عسكري سوري قد يعقّد الأمور أكثر ممّا هي معقّدة.
أميركا تحتاج تركيا في سوريا
تكرّر القيادات التركية أنّ ما ينتظر سوريا من تحدّيات يحتاج إلى تضافر الجهود لإعادة بناء الدولة. وتعلن باستمرار أنّه لا يمكن لها القيام بهذه المهمّة بشقّها المالي والسياسي لوحدها. وتتمسّك بمواصلة مسار دبلوماسية التهدئة والانفتاح بعيداً عن الدخول في المزيد من ساحات الاصطفاف والتصعيد الإقليمي. لكن تحتاج إدارة ترامب إلى الحليف التركي في سوريا بعد تراجع النفوذ الإيراني والروسي هناك لمصلحة إدارة سياسية جديدة مقرّبة منها. وبالتالي ليس من مصلحة واشنطن التصعيد مع أنقرة أو الدخول في مواجهة معها بعد التنسيق التركي العربي المتزايد في الإقليم، إرضاء للشريك الكردي في شرق الفرات أو لمنح باريس وتل أبيب ما يريدان.
يحتاج ضبط الإيقاع الأميركي في المنطقة إلى الإصغاء إلى ما يقوله اللاعبان العربي والتركي، شريكا دمشق على طريق إعادة بناء سوريا الجديدة، الجارة لتركيا والدولة العربية التي تريد استرداد موقعها بعيداً عمّا عاشته طوال نصف قرن من حكم أسرة الأسد.
سيطرة “قسد” على مناطق جغرافية واسعة حيث الثروات الطبيعية السورية على حساب بقيّة مكوّنات المجتمع السوري، وتمسّكها بملفّ “داعش” كورقة مقايضة، والاستقواء بالسلاح الأميركي في مواجهة دمشق وتركيا، لن يقبل بها النظام السوري الجديد ولن يكون لها أيّ تأثير في بناء الدولة الجديدة، ولن ترضى به أنقرة حتّى لو كان ثمنه التصعيد أكثر فأكثر مع إسرائيل وفرنسا.
الآلاف في سجون “قسد”… ومصير المعركة
في هذا السياق قال وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إنّ الولايات المتحدة “بحاجة إلى إبقاء قوّاتها في سوريا، لمنع تنظيم الدولة من إعادة تشكيل نفسه ليكون تهديداً كبيراً بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد”.
ألا يتعارض ذلك مع ما قاله ترامب في فترة حكمه الأولى حول القضاء الكامل على مجموعات داعش في سوريا؟
يدعم التحالف الدولي أوستن في مقولة إنّ المعركة لم تنتهِ بعد مع هذه العناصر. إرسال المزيد من السلاح والدعم المالي لقوات سوريا الديمقراطية هدفه تمويل إدارتها للسجون والمخيّمات التي تضمّ عشرات الآلاف منهم، لإبقائهم في شرق الفرات. لكنّ هدف ذلك كما تقول أنقرة هو تحضير “قسد” للدفاع عن مخطّطها السياسي في سوريا تحت إشراف وحماية بعض دول التحالف نفسه.
التعامل مع الشقّ القانوني في ملفّ “داعش” يستدعي الأخذ بعين الاعتبار وجود الكثير من التعقيدات القانونية والتقنية والسياسية المحلّية والدولية، ومواجهة الكثير من التحدّيات، أهمّها المحاكمات ومن سيقوم بها، وتسليم المقاتلين إلى بلدانهم الأصلية، وأُسر السجناء ومصيرهم.
تستدعي تطوّرات المشهد السياسي والأمني في سوريا البحث في سبل إنهاء هذه المعضلة. واجتماع روما الأميركي الأوروبي الأخير بحث هذه المسائل. لكنّه قرّر مواصلة تجاهلها وتقديم مشروع دعم “قسد” في سوريا على التفاهم مع دمشق وأنقرة حول الموضوع. فهل يتبنّى ترامب بعد أيّام السياسة نفسها، وهو الذي تحدّث عن انتهاء الحرب على “داعش”؟ أم يعطي البعض ما يريده في مواجهة تركيا فوق الأراضي السورية؟
إيران والأكراد… تراجع المشروع
تراجع مشروع التحالف الثلاثي الذي قرّب بين طهران والسليمانية والقامشلي في جغرافيا الحدود السورية العراقية بعد الضربات التي تلقّتها إيران ونظام بشار الأسد في سوريا. يريد أحمد الشرع بسط نفوذ الإدارة السياسية الجديدة فوق كامل تراب البلاد. يريد استرداد مساحات زراعية واسعة وآبار النفط التي تقع تحت سيطرة “قسد”. ذريعة “داعش” عقبة في طريقه. لذلك يعوّل على أنقرة كي تساعده في حسم المسألة. المقايضات محتملة طبعاً لناحية ترتيب الأولويّات وعقد الصفقات. لكنّ خيار الحسم العسكري لن يكون مستبعداً عند فشل المفاوضات التي تسير أمام تقاطعات أنقرة ودمشق وواشنطن وشرق الفرات.
بانتظار ترامب توجّه تل أبيب أسهمها الكردية نحو أنقرة. بينما تتمسّك باريس بلعب ورقة “داعش” والأقلّيات في سوريا حتى النهاية. يقول وزير خارجية تركيا هاكان فيدان لنظيره الفرنسي بارو: “إستردّوا بضاعتكم”. ويردّ الأخير: “ينبغي إبقاؤهم حيث ارتكبوا جرائمهم “. أمّا اللاعب العربي فهو المؤهّل اليوم أمام تعقيدات المشهد ليقول ما عنده على طريق استرداد سوريا بعد التواصل الانفتاحيّ الواسع على القيادة الجديدة في دمشق.
تقول “قسد” إنّه لا مشروع تفتيتيّاً أو نيّة لها لطلب حكم ذاتيّ. لكنّ محاولة أيلول العام المنصرم الذهاب وراء استفتاء غير شرعي لتوسيع مساحة نفوذها السياسي والاقتصادي والعسكري التي أفشلها المجتمع الدولي في اللحظة الأخيرة تقول العكس.
سيناريو تراجع “قسد” عن الانتخابات بعد أيام لا يحمل معه قناعة التخلّي عن أهدافها المعلنة، بل إرجاء الموعد لمزيد من الترتيبات والتريّث بانتظار أجواء وظروف مؤاتية أكثر. مثلاً: دخول إسرائيلي مباشر على الخطّ. وإلّا فما معنى أن تقول الأصوات المقرّبة من “قسد” إنّ الأخيرة لن تسلّم ملفّ “داعش” للإدارة السياسية السورية الجديدة لأنّها لا تثق بها؟ فهي ما زالت على لوائح الإرهاب ولم تحظَ بالاعتراف الدولي بعد ولم تطرح مشروعها السياسي والدستوري الجديد على طريق المرحلة الانتقالية.
دعا وزير الخارجية التركي هاكان فيدان “قسد” إلى إعلان حلّ نفسها “إذا كانت صادقة في مساعيها للاندماج مع الإدارة السورية المركزية”. لكنّ “قسد” وداعميها يجهدون لوضع ملفّ “داعش” داخل سلّة تفاوض واحدة مع القيادة السورية الجديدة. وذلك تحت عنوان تفاصيل المرحلة الانتقالية ومستقبل البلاد ودستورها وحصّة “الأقلّية” الكردية في كلّ ذلك.
ترامب يضحّي بـ”قسد”؟
في الختام، بقدر ما ستحاول تل أبيب وباريس التأثير على قرار دونالد ترامب وهو يحدّد معالم سياسته السورية، ستتمسّك أنقرة بما تقوله وتريده عند بناء سوريا الجديدة. أيام قليلة ونعرف لمن سينحاز ترامب. لكنّ خيار محاولته التوفيق بين الطرفين قائم وغير مستبعد أيضاً. هو تاجر في الأصل وهمّه الأوّل هو الربح في كلّ الصفقات بعيداً عن تعريض علاقته بشركائه وحلفائه للخطر. الضحيّة هنا قد تكون “قوات سوريا الديمقراطية” إذا ما كان البديل هو التقريب بين تركيا وإسرائيل.
أعلنت الخارجية الروسية أنّ الوزير سيرغي لافروف بحث مع نظيره التركي هاكان فيدان الخطوات الإضافية اللازمة لدعم التسوية في سوريا. يتمّ التواصل بعد اجتماع روما الغربي وقمّة الرياض وقبل اجتماع بروكسل الأوروبي لبحث تطوّرات المشهد السوري. تجلس إيران في غرفة الانتظار، لكنّ أنقرة لن تقبل بمحاولات تهميش أو استبعاد بوتين عمّا يجري. أنقرة وموسكو تنتظران قدوم ترامب، فهناك ملفّات إقليمية كثيرة ينبغي حلّها.
سمير صالحة -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|